20-يناير-2017

"كُلّ واحد حر في أن ينام إلى ما شاء بالتأكيد، بيد أن ذلك رقود مُكلف، ولذلك يجب أن يستيقظ الإنسان كي يندهش، وكذلك الشعوب أيضًا يجب أن تستيقظ لكي تندهش"، هذا ما يقوله توما دوكونانك في كتابه "الجهل الجديد ومشكلة الثقافة". لا أعلم ماذا كان يقصد دوكونانك بالاندهاش، ولكنّي أعتقد أن الفلسطينيين ورغم دهشتهم الدائمة من كل ما يحصل حولهم إلا أنهم لم يستيقظوا بعد.

   الفلسطينييون ورغم دهشتهم الدائمة من كل ما يحصل حولهم إلا أنهم لم يستيقظوا بعد    

إنها موسكو إذًا، محطةٌ لا يتوقع الكثيرون أن تحمل حماس وفتح "زعلهما" وتطيران إليها. ربما يخاف أنصار فتح على قادتها برد موسكو فأنت لم تر كيف جازف مصوِّر الرئيس بحياته ووقف على حافة نافذة صغيرة لالتقاط صورة للرئيس خلال افتتاح سفارة فلسطين في الفاتيكان. وكذلك أنصار حماس لا يقلُّ خوفهم على قادتهم عن هذا إن لم يزد. والخوف على القادة  وحبهم ومناصرتهم وفدائهم بالروح والدم يُمارس بوصفه فعلًا وطنيًت يهدف إلى تحقيق مصلحة الوطن. فالوطن يمكنه أن يذوب تمامًا ويتحول إلى اسم وملامح وجه الزعيم/البطل/ القائد/الرمز.

يسخر صديقٌ من الصراع بين حماس وفتح بوصفه "زعل نسوان لا حلّ له" فصيغة الحديث عن حماس مؤنث وفتح كذلك لأن كلاهما يسبقان بكلمة حركة. اعترض على النكتة، فالنكت المبنية على التمييز الجنسي/ العرقي/ الديني مرفوضة ومهما كانت النكتة مضحكة فإنها لن تنزع ملامح الجد عن وجهي وأنا أشرح كيف يمكن للنكتة أن تُسخف مشاكل حقيقة بل وتزيد منها. ما تفعله حماس وفتح بالشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحوّل إلى نكتة، فحسب إحصائية أعدتها الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، فقد قُتل نتيجة الإنفلات الأمني الذي تتحمل الحركتان مسؤوليته خلال الفترة بين كانون الأول/ يناير وتشرين الثاني/ نوفمبر 2006 نحو 322 فلسطينيًا منهم 236 في قطاع غزة و86 في الضفة الغربية.

نسمع أحيانًا الكلام عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذى شوّه أحد الأعضاء بدلًا من شفائه، ولكن ماذا يقال فى مئات آلاف العقول التى شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التى ادعت تكوينها. (تشارلز ديكنز).

اقرأ/ي أيضًا: نوبة ضحك وطنية

وريدة كدوسي والدة أحد شهداء الثورة التونسية، قالت "ولدنا مات.. لا ننساه ولا نسامح بحقه وثأره  إلا عندما تتحقق أهداف الثورة التي مات من أجلها ابني: العدالة والكرامة والحرية إذا وصلنا لهذه الأهداف وقتها سيبرد قلبي على ولدي". كان ذلك في جلسات الاستماع العلنية لضحايا الاستبداد في تونس. الأم التي زادها الحجاب الأسود شحوبًا وحزنًا، قالت ما قالته وهي تعني كل كلمة، وسمحت لحزنها على ابنها أن يهدأ عندما ترى الفكرة التي مات من أجلها حيةً على أرض الواقع.

أفكّر في نكتة صديقي وأتخيل 322 أمًا/ زوجة/ طفل وعائلة فلسطينية يحتاجون أن يتحدثوا علانية عن خسارتهم وعن أبنائهم الذين فقدوهم دون أن يعرفوا لماذا حصل ما حصل! 322 عائلة تحتاج أن تتصالح مع قتلة أبنائها وأن تهدأ قلوبها، وإذا كانت السيدة وريدة تعرف ماذا تريد حتى يهدأ قلبها، فهل نعرف نحن ماذا نريد وممن نريده؟ وإذا استخدمنا توصيفًا عامًّا وقلنا نريد الحرية، فممن؟ من نزوات حماس وفتح أم من إسرائيل؟

إذا أردنا أن نحكم وأن نستمر فى الحكم يجب أن نكون جديرين بتشتيت معنى الحقيقة. (جورج أورويل).

اقرأ/ي أيضًا: أساطير فلسطينية

في شباط/ فبراير عام 2007دعا الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز حركتي فتح وحماس إلى التحاور في مكة. توصلت الحركتان برعاية سعودية إلى ما عُرف بـ "اتفاق مكة" وأدى قادة الحركتين مناسك العمرة معًا. تفاءل الشعب وقتها وردد الكثيرون أن اتفاقًا حصل في أطهر بقاع الأرض لا يمكن إلّا أن ينجح. كنت أظن أنّ جدتي وحدها من سيفرح برؤية القادة بثياب الإحرام، ولكنّ الإعلام تحدّث كثيرًا عن تأديتهم مناسك العمرة، وعن آثرها في طمأنة القلوب وإزالة الغضب. لم يعط المكان تأثيره السحري الذي توقعه الفلسطينيون وذهب اتفاق مكة أدراج الرياح، وجاء بعده اتفاقات كثيرة في القاهرة والدوحة وغزة وكلها لحقت باتفاق مكة.
 
منذ ما يقارب العشر سنوات والفلسطينيون يتابعون سفريات قادة حماس وفتح وأخبار مصالحتهم التي يتوقف عليها مصير البلاد كما يقولون. في البداية كان الفلسطينيون ينتبهون لأدق تفاصيل الأخبار، ويتابعون التصريحات والتحليلات ويستغربون كيف أنّه وبعد أيام  قليلة من العناق والابتسامات والتقاط الصور، يظهر القادة على شاشات التلفاز ليتبادلوا الاتهامات حول أسباب فشل المصالحة التي أكدوا من قبل سيرها في الطريق السليم.

لم يعد ما يقوله القادة مُهمًّا كما كان، وتحوّل حديث الناس عن سفرات القادة في فتح وحماس إلى استفسارات طريفة حول وجهة السفر هذه المرة، وأصبحت التعليقات كمن يعلق على اختيارات عروسين لمكان سفرهم لقضاء شهر العسل لا أكثر ولا أقل.

يسأل أحدهم: "سفرات القادة على حسابنا وإلّا ع حسابهم؟" يجيبه الأخر ضاحكًا: الجيب واحد، المهم يتصالحوا! في الحقيقة السفرات تكون على حساب الدولة المُضيفة فلا يجب علينا أن نقلق من هذه الناحية إلا إذا كان الحساب يعني أشياء أخرى غير المال.. كالأمل والوقت والدم. وفي الحقيقة أيضًا نحن لا جيوب لنا، فلطالما وضعنا كل ما نملك في جيوب قادتنا.

*العنوان " الأمل فيهم ذروة اليأس يا صاحبي" من قصيدة سنصعد هذا الجبل/ مريد البرغوثي، مقتبس بتصرّف. 
 

اقرأ/ي أيضًا: 

فتح وحماس.. المصالحة المستعصية

أكثر من مصالحة.. أقل من دولة

المؤامرة.. صديقتي المفضلة