20-فبراير-2019

الترا فلسطين | فريق التحرير

بدأت وزارة الزراعة الإسرائيلية منذ أيام، بالاستعداد لدخول أسراب الجراد من ناحية شبه جزيرة سيناء قادمة من السعودية، وهي تجري في إطار ذلك اتصالاتٍ مع منظمة الغذاء والزراعة الأممية (FAO)، من أجل الحصول على صورة أوضح حول حركة أسراب الجراد، وفق ما كشف عنه التلفزيون الإسرائيلي.

وبدأت أسراب الجراد بالتحرك من شرقي اليمن والحدود الإريتيرية والسودان، في أعقاب الأمطار الغزيرة التي هطلت هناك، وهي تتوجه نحو السعودية.

تقدم متسارع طرأ على حركة أسراب الجراد نحو إسرائيل، لكن المسافة التي يتوجب عليه قطعها لم تزل كبيرة جدًا

ووفق تقريرٍ أممي، فإن الأيام الأخيرة تشير إلى تقدم متسارعٍ طرأ على حركة أسراب الجراد نحو "إسرائيل"، ولكن المسافة التي يتوجب على  الجراد قطعها للوصول لم تزل كبيرة جدًا. وفي هذه المرحلة "ليس بمقدور أحد التوقع متى ستصل تلك الأسراب، وإن كانت ستصل بالفعل في نهاية الأمر، لأنها قد تُغيير مسارها أو تتعرض لظروف جوية قاسية تفتك بها".

وأعدت الطواقم التابعة لوزراة الزراعة الإسرائيلية مخازنها من المواد المبيدة للجراد التي تقول إنها غير مؤذية للبيئة أو الإنسان، وهي الآن -كما تقول- جاهزة لاستخدامها في أي لحظة اذا استدعت الحاجة.

ووصلت أسراب الجراد في المرة الأخيرة في عام 2013، حيث دخلت من ناحية إيلات قادمة من سيناء، ونجحت وزارة الزراعة الإسرائيلية حينها في إبادتها قبل أن تصل إلى النقب أو الأغوار.

الجراد في إسرائيل سنة 2013

ولا تشكل أسراب الجراد خطورة على حياة الإنسان أو الحيوانات، ولكنها تعرقل حركة الطيران المدني، وتلعب دورًا أساسيًا في ضرب المواسم الزراعية وإتلاف المحاصيل في المنطقة التي تهاجمها، وبالتالي ارتفاع الأسعار.

يعود بنا الباحث في تاريخ فلسطين غسان دويكات قرنين من الزمن، ويشرح أن الأعوام 1816-1819 شهدت أضرارًا جسيمة في محاصيل الزراعة على مستوى فلسطين، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار القمح في القدس إلى 10 قروش لكل 2.84 كغم، فأصبح سعر رطل الخبز 10 قروش في القدس، "وهذا مبلغ طائل إذا علمنا أن معدل المصروف اليومي في القدس لعائلة عادية لم يتجاوز مبلغ 3 قروش آنذاك".

بين عامي 1816 و1819، وصل سعر رطل الخبز في القدس إلى ثلاثة أضعاف المصروف اليومي للعائلة، بسبب الجراد

ويُبين دويكات، أن الطبيعة تلعب دائمًا دورًا هامًا في النظام البيئي، "فأسراب طائر السمرمر عدو فتاك للجراد، وكذلك الأمطار الغزيرة والرياح القوية تشكلان عاملاً في طرد الجراد أو القضاء عليه. كما أن نضوج المحاصيل عاملٌ هامٌ لحمايتها من الجراد الذي يبتعد عنها بسبب صلابتها".

وكانت الحكومات المحلية في الدولة العثمانية تُقاوم الجراد بالحرق، والقتل المباشر، كما فعل الأمير بشير الشهابي سنة 1812 في لبنان، ونجح حينها في التقليل من أضراره.

وفي عهد الحكم المصري لبلاد الشام، تبادل ابراهيم باشا الرسائل مع سامي بك أحد أعيان مدينة حلب، كان موضوعها البحث في كيفية مقاومة الجراد الذي هاجم البلاد سنة 1836-1837، ثم رسالة ثانية تتضمن تقديم المكافآت للجنود والولايات التي ساهمت في مقاومة الجراد.

الحكومات المحلية في الدولة العثمانية قاومت الجراد بالحرق والقتل، ودفعت مكافآت للناس مقابل جمعه

كما خرج حاكم لبنان سنة 1844 برفقة 700 رجل لجمع الجراد الذي هاجم منطقة لبنان؛ وقدم لهم 60 ذبيحة من الخراف، وما قيمته 9 آلاف قرش من الخبز آنذاك، كما دفع -على سبيل التشجيع لجمع الجراد- مبلغ 4 قروش لكل شخص يقدم ما مقداره 700 غرام من الجراد، في حين تم تغريم كل شخص يتأخر عن القيام بالمهمة مبلغ خمسة قروش.

ويشرح دويكات، أن آثار الجراد لم تقتصر على مجال الاقتصاد، فقد كان سببًا في خلق فوضى اجتماعية وسياسية؛ كما حدث عندما هاجم حلب سنة 1908 وقضى على أغلب محاصيلها؛ فاحتكر بعض التجار والمزارعين الحبوب وتسببوا بارتفاع أسعارها، وكانت تُرسل بالقطار إلى بيروت.

آنذاك، طالب أهل حلب الحكومة المحلية بوقف إرسالها لبيروت، وأمام رفض الحكومة لمطالب العامة، تجمهر فقراء الناس في الأسواق يوم الخميس السابع من آب/أغسطس 1908، ثم هاجموا المحلات وتراكضوا في الأسواق ينهبون ويخربون ويصيحون، فأُغلقت المحلات، وتدخلت الشرطة لحماية المخازن، وتوقفت الحكومة عن إرسال الحبوب لبيروت، وأخذت تعمل على سد النقص في حلب بالاستيراد من دمشق وحماة، كما سعت لخفض أسعارها.

وفي آذار/ مارس 1915، العام الثاني لاستمرار الحرب العالمية الأولى تفشّى الجراد في فلسطين والمناطق المحيطة بها، ما شكّل خطرًا على حياة السكان، فموارد الغذاء الشحيحة أصلًا بفعل الحرب، صار تأمين الحدّ الأدنى منها شبه مستحيل. 

وقتها، التهم الجراد كل شيء في طريقه؛ الفواكه والخضروات والبقول والأعلاف والحبوب، وأدى ذلك إلى ارتفاع في أسعار الحاجيّات الغذائية الأساسية. ما دفع الدولة العثمانية لتعيين مدحت باشا مسؤولًا لمحاربة تفشي الجراد، فألزم السكّان بالعمل في مكافحة الجراد، وفرض على الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين (15 - 60 عامًا) جمع 20 كيلوغرامًا من بيض الجراد أو دفع غرامة مالية. 

وفي كتابه "عام الجراد" يعرض سليم تماري بعض مذكرات العسكري العثماني إحسان القصيرة، حول هجوم الجراد في تلك السنة، ويشير إلى أنّ الدولة العثمانية فرضت على من لا يريد جمع بيض الجراد من الأغنياء مبلغ ليرة عثمانية، وعلي متوسطي الحال 60 غرشًا، وعلى الفقراء 30 غرشًا. 

من كتاب "عام الجراد"

 



اقرأ/ي أيضًا:

المهور حين كانت قمحا أو ثورًا أورضًا..

أعطيتك ابنتي.. هكذا كانت تزوج الفتيات في فلسطين

زواج فلسطينيات وإنجابهن.. الماء وسيطًا