07-فبراير-2018

وقتها، لم تكن السيدة ميشلين تعلم أنها ستتحول إلى صورة تعيش إلى الأبد، وأن الكثيرين سيحاولون شرح الدلالات السياسية لحذائها الأصفر في مواجهة بنادق جنود الاحتلال.

ميشلين عودة

هنالك لذّة ما في النظر إلى تلك الصورة، لذّة تعادل قراءة كتاب جيد أو الاستماع إلى مقطوعة موسيقية جميلة، أو أن يفاجئك خبرٌ حقيقي بعد رزمة من الأخبار الكاذبة. صورة السيدة ميشيلين عواد وهي تلقي الحجارة على جنود الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى تمنح النفس الكثير من الراحة، وكأنها تعيد سرد الحكاية الأصلية من سطرها الأول، تُحلل العُقد التي تسبب بها الزمن للقضية، تبسطها وتعيدها نقية واضحة كما كانت في الأصل: الإنسان الفلسطيني يقاوم جيش الاحتلال الاسرائيلي.

صورة السيدة ميشيلين عواد كأنها تعيد سرد الحكاية الأصلية من سطرها الأول، تُحلل العُقد التي تسبب بها الزمن للقضية

الحرص على الظهور بمظهر ما، لم يكن يشغل بال السيدة عواد كما قالت في مقابلة مع قناة الـ بي بي سي في كانون الثاني/ ديسمبر من العالم الماضي، فحذاؤها الأصفر لم يكن سوى جزءاً من الأناقة التي يتطلبها التوجه إلى الكنيسة، وبعد الكنسية انضمت إلى الشباب في المواجهات ضد جنود الاحتلال،  لقد خلعت حذاءها لتتمكن من الركض بشكل أسرع، أما صورتها فلم تنتبه أن أحدهم التقطها.

اقرأ/ي أيضاً: جمال أكثر.. حزن أكثر

 ويبدو أن المظهر بكل ما قد يحمله من دلالات على الدين أو الطبقة الاجتماعية أو الانتماء الحزبي، لم يكن له أي وزنٍ في تقييم وطنية المتظاهرين أو جديتهم في الانتفاضة الأولى. فوفقاً للقصص الملحمية التي يرويها الجيل الذي عاشها، فإن قلوب الناس وبيوتها كانت تسع الجميع على اختلافهم. هذا الجيل الذي يفتخر بانتفاضته لا يتردد في إظهار الأسى لما وصل إليه حال القضية اليوم."الناس تغيرت وتغيرت معهم قضاياهم" هكذا يقولون.

حسناً، علينا أن نعرف ما الذي تغير إذاً حتى نعدله، نريد أن نعود إلى الزمن الجميل من فضلك أيها الزمن. ومن أجل أن نعود تعالوا نطرح بعض الأسئلة عن الحزب، التكنولوجيا، الدين وأشياء أخرى:

هل نحن في تك المرحلة؟ أقصد المرحلة التي يمكننا فيها عدم الاكتراث تماماً لحياة إنسان لمجرد أنه لا يرتدي ملابس تعجبنا أو ينتمي إلى حزب غير حزبنا؟ هل أطلّ الدين على القضية بطريقة قاسية؟ أم أن عصر التكنولوجيا وتزاحم الصور والأخبار أفسد العلاقة بين الإنسان ووطنه تماماً كما أفسد له العديد من علاقاته؟ بل يبدو أن تعقيدات الحياة نالت من مشاعر الناس كما نالت من آرائهم وعقدتها معها، أليس كذلك؟ حسناً، كيف نمت اختلافاتنا الساذجة بشكل كبير يحول بيننا وبين قضيتنا الأهم؟

السيدة ميشلين لا تعلم أن صورتها كانت الشاشة الرئيسية لحاسوبي لفترة طويلة، لم أبدلها بصور الفتيات الجميلات المتلثمات بالكوفية، رغم حبي لصورهن، لأنني اخترت أن تكون لشاشة حاسوبي صورة تمنحني القوة والأمل بدون أي منغصات، فأنا لا أرى إلا ميشيلين عندما أنظر إلى صورتها، أما الصور الحديثة للفتيات فأراها مع وابلٍ من التعليقات التي كنت قد قرأتها عنهن على صفحات السوشال ميديا، تعليقات تستنكر مشاركتهن في المواجهات وتتهمهن بالاستعراض، تعليقات كثيرة فيها خليط من النصائح،  أو الشتائم وتحميل ذنب الهزيمة أحياناً لبناطيلهن الضيقة، أو شعورهن الملونة. أما في صورة السيدة ميشيلين فلا أحد يسألها عن تنورتها القصيرة ولا حذائها الأصفر. الكل معجبٌ بالسيدة ميشيلين على الأقل في عقلي وذاكرتي.


اقرأ/ي أيضاً:

الحب كموقف سياسي

عندما أفسد حكام العرب الود بين شعوبهم

هل تعاني من التزمت الوطني؟