16-ديسمبر-2017

(1)

كان الخبر عن أطفال النطف المهربة لأسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكان الناشر شاعر وإعلامي عراقي،  شارك الخبر ساخراً ومشككاً. كان ذلك قبل سنوات، ولكن ما زال بإمكاني أن أتذكر بعضاً من التعليقات القاسية.

ما كُتب كان قاسياً، ليس لأن أحدهم قرر مشاركة استغرابه أو تشكيكه بإمكانية أن تنجب امرأة من زوجها الأسير، ولكن لأن فعل التعليق كان ناتجاً عن رغبة جامحة في إظهار الكراهية لشعب بأكمله.

رغم أن الواقع يقدم لنا الكثير من قصص الكراهية التي لا مسبب لها سوى الانتماء الديني، أو السياسي، أو الجغرافي، أو الجنسي، إلا أن فعل الكراهية قادرٌ دائماً على إشعارنا بالصدمة

(2)

التقيت صدفة بفتاة مصرية، عرفت أنها مصرية من لهجتها ولم تساعدها لهجتي على تحديد جنسيتي، وعندما أخبرتها أنني فلسطينية، أجابت، وكمن يدفع عن نفسه تهمة تلاحقه "المصريون يحبون الفلسطينيين..كل المصريين" عرفت أن السيسي وعصابته من إعلاميين وسياسيين ومطبلين  لم يتركوا أحداً من شرهم، وأنهم نجحوا في جعل الكراهية أول ما نتوقعه عند اللقاء.

(3)

عودةً إلى العراق، لم أكن لأحب أن أكتب عن الجنسيات ولا آتي على ذكرها لأني أبغض ما فعلته بنا، وهي بالمناسبة  أداة فصل تنمي الكراهية بين المختلفين أكثر من كونها أداة جمع تعزز الانتماء بين المتشابهين، المهم أن قصة الكراهية هنا متشعبة، فالفئات والطوائف التي عانت من ظلم صدام حسين تحتاج الكثير من الوقت حتى تتصالح مع الذين أحبهم الديكتاتور ودعمهم.

اقرأ/ي أيضاً: الأردنيون والقدس: الملهاة الرسمية، والمأساة الشعبية

فمن التعليقات التي أذكرها على خبر النطف المهربة كانت الدعاء على الفلسطينيين بالحشر مع بطلهم صدام حسين في نار جهنم. كان ذلك غاية في القسوة، ليس بسبب نار جهنم؛ بل لأن الحديث عن الفلسطينيين وكأنهم شخص واحد بتوجه سياسي وفكري واحد، حديثٌ غير منطقي لا يهدف إلا لتبرير الكراهية.

(4)

هذا اعتذار طفولي من الكويتيين.

اعترف أنني لم أفهم يوماً لماذا كان اسم الكويت يأتي علينا مشحوناً بغريب المشاعر ومخيفها، فكأطفال كنا نثق أن الكويت وأهلها لا يحبوننا رغم أننا لم نكن قد قابلنا كويتياً واحداً في حياتنا! كنا نعرف أن حرباً قامت بين العراق والكويت، وأن صدام غزا الكويت، ولكن ولسبب ما لم نكن نستشعر من الكثير من الكبار وقتها أن هذا فعلُ خاطئٌ. لقد نشأنا في جو يهلل لصدام كل أفعاله ويقتبس عنه الكثير من أقواله، وكأننا كفلسطينيين لم يكن يعنينا ما يفعله الرجل مع شعبه أو مع جيرانه ما دام يعدنا بالتحرير في كل خطبه.

 لدي الآن صديقة كويتية، شاعرة رقيقة علمني شِعرها أن أُكذب رجال السياسية دائماً.

 (5)

يعجبني الأصدقاء الذين إذا أرادوا شتم السياسات السعودية قالوا (آل سعود) ولم يقولوا السعوديين.

(6)

مع الوقت، قد تسمع صوت مشاعرك وهي تعيد ترتيب نفسها أمام جنسيات الآخرين وأديانهم. قد تساعدك كل أحداث الموت على تجاوز هوس التشابه الذي بأمره قَتلنا وقُتلنا وتقبلنا القتل. طبعاً لن يتمكن خيالك من الوصول إلى هناك الآن، ولكن عندما تكون هناك سترى كيف أن عدو الإنسان ليس من يختلف عنه، بل من يسلبه حقه في هذا الاختلاف، وعندما تناديك الكراهية ستكون مشغولاً عنها بالبحث عن الحقيقة، ولن تسمح وقتها للكثير من الطغاة حتى بإمالة رأسك نحوهم لتسمع ما يقولون.


اقرأ/ي أيضاً:

الحب الإلكتروني: هائل الانتشار، سريع العطب

فلسطينيون لا يريدون المصالحة

بهذه البساطة: إنها أرضنا