انفجار هاتفك الذكي، أو تعرضه للتلف بعد وقتٍ قصيرٍ من شرائك له، لا يعني بالضرورة وجود عيبٍ في الجهاز، أو أن مواصفاته سيئة. بل قد يعني، أحيانًا، أنك تعرضت للاحتيال، وهذا لا يقتصر على الهواتف المحمولة وحدها.
"ممكن سماعة، أو شاحن، وأحيانًا بطارية، بنكسب فيها منيح، بس كل ما فيها ضرر للزبون"، يخبرنا مدير محل إلكترونيات سابق، مؤكدًا بذلك معلوماتٍ عن عمليات احتيالٍ في سوق الأجهزة الإلكترونية، تتجاوز أضرارها الخسائر الاقتصادية للزبائن الضحايا.
وشهدت الضفة الغربية، خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعًا واضحًا في أعداد المستخدمين للأجهزة الإلكترونية، وكذلك الشركات المستوردة لهذه الأجهزة، وقد صاحب ذلك تزايد حالات الاحتيال، في ظل جهل شريحةٍ واسعةٍ بنوعية وخصائص الأجهزة التي تقتنيها، فيما أدت طبيعة الرقابة التي تفرضها إسرائيل على الشركات الفلسطينية لمضاعفة هذا الخلل، إذ تفرض إسرائيل التفتيش على كماليات الأجهزة كل على حدة.
شركات ومحلات فلسطينية متخصصه ببيع الأجهزة الإلكترونية تستبدل القطع الأصلية بأخرى أقل جودة وتبيع الأصلية منفردة
"ألترا فلسطين" تابع القضية، وحصل على عدة أجهزةٍ يُشك بأنه تم استبدال قطعها، فقررنا التوجه إلى مصادر هذه الأجهزة. أحد هذه الأجهزة هاتفٌ نقالٌ من نوع "Note 5"، الذي تصنعه شركة سامسونج، ويُفترض أنه مزودٌ بشاحنٍ ينهي عملية الشحن بسرعة، إذ يُعتبر ذلك من أهم ميزات الجهاز، لكن تبين لنا أنه تم تبديل شاحنه الأصلي بشاحنٍ عاديٍ من شركة سامسونج.
اقرأ/ي أيضًا: وثائق | هل نفّذ الأمن إعدامات ميدانية في نابلس؟
تواصلنا مع الشركة التي باعت الهاتف، فأبلغتنا أن الشاحن المزوَّد أتى مباشرة من خلال الوكيل الرسمي، وهو أحد أكبر الوكلاء في الضفة الغربية. وعند تواصلنا مع الوكيل للاستفسار، تم تحويلنا إلى قسم المستودعات، الذي وعد بالنظر في نوع الهاتف والكماليات المرفقة، من خلال الرقم التسلسلي الخاص في الجهاز، لكننا لم نحصل على ردٍ لأكثر من شهرين من الانتظار.
وتكمن المخاوف في عدم استخدام الشاحن الأصلي لأي جهازٍ في تأثيره على البطارية، "الشاحن يؤثر على أداء البطارية، ويمكن أن يسبب انفجارًا للجهاز"، يقول فني الصيانة مراد النتشة.
هذا التحذير دفعنا للتواصل مرة أخرى مع الوكيل، وهذه المرة أخبرنا العاملون بأنه يتم تفتيش الشواحن والأجهزة كل على حدة، وحين إعادة تجميع القطع يمكن أن يحدث خلطٌ ما.
ويعلق المهندس حيدر حجة، مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس في وزارة الاقتصاد، بأنه "أثناء عملية فحص الأجهزة من الجانب الإسرائيلي، يتم فصل الشواحن، والبطاريات والجهاز وفحصها متفرقة، وبعد التجميع فإن المواصفات والمقاييس الفلسطينية تعود للتفتيش مرة أخرى".
تفحص الجهات الإسرائيلية قطع الأجهزة الإلكترونية متفرقة، ثم تُعيد وزارة الاقتصاد فحصها، لكن ذلك لا يمنع عمليات الاحتيال
عدنا للتواصل مرة أخرى مع الوكيل، الذي حاول إقناعنا بأن الشاحن المرفق أفضل للجهاز من شاحنه الأصلي، وبعد أخذٍ وردٍ، أُبلغنا أنه باستطاعتنا شراء الشاحن الأصلي من أي محل أجهزةٍ إلكترونيةٍ بشكل منفرد.
يوضح صاحب محل إلكترونيات سابق لـ"ألترا فلسطين"، أن هامش الربح في الأجهزة الإلكترونية ضئيل، بسبب الالتزام بالسعر الدولي والضرائب، "فعملية بيع القطع منفردة يمكن أن تعوضنا عن الخسارة ولو بشكلٍ بسيط".
اقرأ/ي أيضًا: في الضفة: رخص سياقة بالواسطة والرشوة
ويؤكد خبير الحواسيب أحمد الحج علي، أن التجار أو الوكلاء يستبدلون القطع، لأن بيعها بشكلٍ منفردٍ يعود عليهم بربحٍ أكبر، حتى لو كان الزبون قد دفع ثمن الجهاز كاملاً.
ويبين الحج علي لـ"ألترا فلسطين"، أن هذه الأشكالية موجودةٌ في الحواسيب أيضًا. هذه المعلومة دفعتنا لتعقب جهاز حاسوبٍ محمولٍ تم استبدال ذاكرته المؤقتة الأصلية، وقد حاول التاجر الذي باعه إقناعنا بأن القطع المستبدلة أفضل من القطع الأصلية، وحينما عرّفنا عن أنفسنا رفض التعقيب.
يقول الحج علي: "إذا كانت سرعة الذاكرة المؤقتة المستبدلة نفس سرعة الذاكرة الأصلية، فإن أداء الجهاز لا يتأثر، الإشكالية تكمن إذا اختلفت السرعة". إثر ذلك فحصنا خصائص الجهاز من الشركة المصنعة، التي أعلنت أن سرعة الذاكرة المؤقتة في الجهاز تبلغ 4 جيجا بايت، إلا أننا وجدنا جهاز الحاسوب يحتوي على ذاكرةٍ مؤقتةٍ تبلغ 2 جيجا بايت فقط.
ولا تقتصر الإشكاليات على الشواحن والذاكرة المؤقتة، بل تتعدى ذلك لفقدان بطاريات بعض الهواتف النقالة. "قمت بشراء هاتفٍ ذكيٍ باهظ الثمن من إنتاج شركة LG، وحين عدت إلى المنزل وجدته بدون بطارية"، يقول "أ.س" الذي يعمل أستاذًا في مدرسة حكومية، مضيفًا، "بعد أن عدت إلى البائع طلب أن أشتري البطارية".
تتسبب هذه التجاوزات في عدة حوادث، حسب ما أفادنا به المهندس حيدر، "فقد تم تسجيل عدة حالات انفجارٍ لأجهزةٍ نقالةٍ بسبب عدم مواءمة الشاحن، كما تم تسجيل عدة شكاوى عن أجهزةٍ محمولةٍ كان سبب انفجار بطارياتها الشاحن، أو البطاريات غير الأصلية".
تؤكد وزارة الاقتصاد الفلسطينية تسجيل حالات انفجار هواتف بسبب عدم مواءمة الشاحن، أو بسبب استخدام بطاريات غير أصلية
ويتسبب "تجار الشنطة" والباعة على البسطات أيضًا في تفاقم حالات التجاوز، إذ يتم تهريب أجهزةٍ إلكترونيةٍ عبر معبر الكرامة، ثم بيعها بعيدًا عن أي رقابةٍ وبأسعارٍ منافسةٍ للسوق.
ويبين صاحب بسطة لبيع الهواتف المحمولة، أن التهريب في هذه الحالات يتم من خلال أصدقاءٍ شخصيين للبائع، إذ يمكن للصديق المسافر أن يُحضر هاتفين محمولين على أنهما للاستعمال الشخصي، بعد أن يخفي علبتيهما، ليتم بيعهما لاحقًا كجهازين جديدين ولا ينقصهما إلا الكفالة، "والكفالة لا يهتم لها كثيرٌ من الزبائن"، حسب قوله.
اقرأ/ي أيضًا: منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة
يؤكد المهندس حيدر من وزارة الاقتصاد، أن الإشكاليات تأتي في حالاتٍ كثيرةٍ من أجهزة المحمول المهربة، التي يعترف بأنه "لا يمكن تعقبها، على الرغم من المتابعة الدائمة".
ويذكر فني الصيانة النتشة أن عدم قدرة الزبائن على تمييز حالات التحايل يشكل عائقًا لضبطها، "إلا أنه بالإمكان وضع أسسٍ محددةٍ تساعد على تجاوز هذه الإشكاليات"، مضيفًا، "يجب أن يتأكد الزبون من الوكيل، والشركة، وكذلك أن يتوجه للمحال المضمونة".
ويبين الحج علي، أنه يمكن التأكد من الذاكرة المؤقتة من خلال مقارنة اسم الشركة المصنعة للجهاز المحمول على اللاب توب، كما أن الذاكرة تحمل الرقم التسلسلي ذاته للجهاز.
وينصح المتخصصون بـ"التأني في الشراء، ومراجعة خصائص الأجهزة المعلن عنها من قبل الجهات المصنعة لها، قبل اقتنائها"، لتجنب حالات التحايل التي يصعب تعقبها، خاصةً بعد امتداد هذه الحالات لبعض الشركات الكبرى.
اقرأ/ي أيضًا:
"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟