05-أبريل-2018

مكعبات اسمنتية وحاجز لقوات الاحتلال في العيساوية - عدسة معمر عوض (Getty)

تدريجيًا، وبهدوء وحذر شديدين، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرب التضييق والعزل على أهالي بلدة العيساوية في القدس، استمرارًا لنهج بدأ منذ سنوات، على قاعدة تهويدية واستيطانية وديموغرافية، لكن وتيرته اشتدت منذ إعلان ترامب بشأن القدس في النصف الثاني من عام 2017، والاحتجاجات التي أعقبت الإعلان، وحضرت العيساوية فيها بقوة.

إغلاق المداخل بمكعبات اسمنتية وحواجز عسكرية، واقتحام المنازل تحت جنح الظلام بشكل يومي تقريبًا، واعتقالات واستدعاءات للتحقيق تطال شبانًا وفتية. هذه أبرز ملامح التصعيد الميداني الإسرائيلي ضد العيساوية في الأشهر الأخيرة، وفق ما أفادنا به محمد أبو الحمص، عضو لجنة المتابعة في العيساوية، الذي بيّن أن قوات الاحتلال تتعمد اقتحام البلدة لحظة ذهاب الطلاب إلى مدارسهم؛ وانصرافهم منها، ما يؤدي لاندلاع مواجهات تُعطّل الدراسة، وقد تسببت في بعض الأوقات بـ100 حالة تبول لا إرادي بين الأطفال.

يتعمد الاحتلال اقتحام العيساوية خلال توجه الطلاب لمدارسهم وانصرافهم منها، فتندلع مواجهات أفقدت أطفالاً عيونهم، وتسببت بحالات تبول لا إرادي

وقال أبو الحمص، إن قوات الاحتلال حوّلت العيساوية إلى ساحة تدريب لجنودها، إذ يتم اقتحام البلدة في ساعات مختلفة بهدف تدريبهم على اقتحام المنازل، وإطلاق الرصاص صوب المتظاهرين، مضيفًا أن عشرات الإصابات الصعبة وقعت أثناء تصدي الشبان لقوات الاحتلال، من بينها 11 إصابة في العين أفقدت أصحابها البصر.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | هذه هي القدس: صح أم خطأ؟ 

وتعمد قوات الاحتلال إلى إغلاق مداخل العيساوية في أوقات الذروة، مثل ذهاب الطلاب إلى جامعاتهم، والعمال إلى أماكن عملهم، وتترك أحيانًا مدخلاً واحدًا للخروج منه، متسببة بأزمة خانقة، وتأخر وصول العمال والطلبة.

ولا يسلم المرضى أيضًا من هذه الإجراءات التنكيلية، وقد أدى ذلك لاستشهاد المسنة هدى درويش عام 2015، بعد عرقلة خروجها من المدخل الشرقي إلى المستشفى لتلقي العلاج من اختناقها بقنابل الغاز التي أطلقها الجنود خلال المواجهات في البلدة. وإن كانت درويش قد تُوفيت نتيجة ذلك، فإن حالات أخرى لم تصل إلى حد الوفاة، لكنها ساءت على الحواجز بينما كان الجنود يراقبون المريض دون هامش إنسانية.

وتجد بلدية الاحتلال في العيساوية ما يُشبه "الكنز" في نظرها، تغرف منه ما تشاء من خلال الضرائب والغرامات، وعلى رأس ذلك المنازل التي ترفض البلدية منحها تراخيص، وتُبقي أصحابها بين خياري الهدم والبقاء في الشارع، أو دفع ضرائب باهظة سنويًا، في حين تمتنع عن توفير بنية تحتية تُعادل نصف أرزاق أبناء العيساوية المنهوبة من خلال الضرائب.

يقول أبو الحمص: "ترفض بلدية الاحتلال المصادقة على خارطة هيكلية قدمناها منذ سنوات لتوسيع مسطح البلدة، ما يتيح للسكان البناء. هذه الخارطة تحمي 80% من المنازل المهددة بالهدم، إذ أن هناك 250 أمر هدم لمنازل في العيسوية حتى اليوم".

ترفض بلدية الاحتلال في القدس خارطة هيكلية للعيساوية، وتُبقي منازلها مهددة بالهدم، تاركة لأصحابها اختيار الضرائب أو العراء

هذا التنكيل دفع أهالي العيساوية للانتقال من التصدي لاقتحامات الاحتلال واعتداءاته، إلى المبادرة باحتجاجات ميدانية سلمية لا زالت متواصلة. ومنذ أكثر من شهرين يصلي أهل العيساوية الجمعة عند مداخلها المغلقة، على الأسفلت، بدلاً من الجوامع، بينما تحوّل قوات الاحتلال المنطقة لثكنة عسكرية، فيحيط مئات الجنود بالمصلين ويغلقون المكان بالحواجز الحديدية.

اقرأ/ي أيضًا: الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة!

تشارك قيادات في لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي 48 في هذه الصلوات، وكذلك أعضاء كنيست، وشخصيات اعتبارية في مدينة القدس، من خارج العيساوية.

النائب السابق في الكنيست أسامة السعدي، وهو المستشار القانوني لأهالي العيسوية، لخّص لـ الترا فلسطين مطالب أهالي العيسوية بالمصادقة على الخارطة الهيكلية لتوسيع مسطح البناء، مشيرًا إلى إن آخر خارطة هيكلية تمت المصادقة عليها للبلدة كانت عام 1970.

ومن بين الحقوق المطلوبة أيضًا، وفق السعدي، فتح المدخل الغربي للبلدة؛ الذي تُغلقه قوات الاحتلال بمكعبات اسمنتية على الدوام، وبناء مدرسة صناعية، وتوفير قطعة أرض لإقامة مقبرة ثانية، ووقف سياسة الانتقام الجماعي والاعتقالات الليلية، وإنشاء حديقة للأطفال، وتحسين البنية التحتية.

وسبق أن توجه وفد من وجهاء عائلات العيساوية إلى شرطة الاحتلال بداية العام الجاري (2018) من أجل توضيح الحقوق التي يطلبها أهل البلدة، في محاولة إلى اتّباع كل السبل لإنهاء معاناتهم، إلا أن الوجهاء لم يتلقوا أي رد على هذه الخطوة.

يبين السعدي أن هذا التجاهل يجعله وأهله العيساوية يفحصون المسار القضائي، مبينًا أنهم سيتوجهون إلى محاكم الاحتلال لتحصيل حقوق البلدة، رغم محدودية هذا الخيار وضعف فرص الاستجابة للحقوق.

ويرجع استهداف العيساوية إلى كونها المنفذ الوحيد لأي نمو سكاني في القدس، وفق خليل التفكجي، مدير قسم الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس. يبيّن التفكجي لـ الترا فلسطين أن الاحتلال يخطط لإخراج العيساوية من القدس عن طريق نفق وربطها مع الضفة الغربية، بدعوى أن أشخاصًا "غير مرغوب بهم" وفق رؤية الاحتلال يسكنون في العيساوية، بعد أن تسللوا إليها من الضفة.

ويوضح التفكجي أن لبلدة العيساوية خصوصية تتمثل في وجودها في الشمال الشرقي لمدينة القدس، وعلى جزء من أراضيها أُقيمت مستوطنة التلة الفرنسية، والجامعة العبرية، ومستشفى هداسا، مبينًا أن هناك مخططًا استيطانيًا يسمى "البوابة الشرقية" يستهدف الجزء الشمالي من العيسوية. يضيف، "أما أراضيها من الناحية الشرقية فتمت مصادرتها لصالح مخطط E1".

الاحتلال يخطط لربط العيساوية بالضفة الغربية عن طريق نفق، وإخراجها من القدس بالكامل

ولا يستبعد الخبير في شؤون القدس جمال عمرو، الدافع الديموغرافي من الحرب الإسرائيلية على العيساوية، مضيفًا، "الآن هناك مستوطن مقابل كل فلسطيني في شرق القدس، والاحتلال يريد أن يُضعف الوجود الفلسطيني أكثر. المعركة وصلت مراحل متقدمة جدًا، وملامح ذلك نجاح عزل العيساوية عن سائر القدس".

وأضاف عمرو لـ الترا فلسطين، "هذه سياسة الأصابع التي انتهجها شارون، وتتمثل بتشكيل وحدات أصابع للاستيطان تفصل الأحياء الفلسطينية عن بعضها. العيساوية محاطة بأراضي فارغة سيطر عليها الاحتلال، وأقام أنفاق أسفل الجامعة العبرية، وطرقات سريعة تربط معالي أدوميم بالقدس، كما صادر نحو 400 دونم من أراضيها لإنشاء حديقة تلمودية تفصلها عن بلدة الطور".

وأشار إلى أن أهل العيساوية لا يستطيعون الوصول إلى القدس العتيقة رغم أنها على مرمى حجر منهم، والطريق الوحيد إليها يكون عبر مستوطنة "رامات اشكول" والجامعة العبرية، وهذا يشكل كابوسا للأمن الإسرائيلي، "وهو من أسباب استهداف العيساوية التي أصبحت منكوبة بكل المقاييس" وفق قوله.


اقرأ/ي أيضًا:

الخدمة المدنية: سلاح إسرائيل الناعم

"النايس جاي" تغزو القدس ببلاش وبغطاء إسرائيلي

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: مخدرات وتحرش وأكثر