06-نوفمبر-2023
تهجير غزة

يحضر الحديث عن "تهجير قطاع غزة"، بشكلٍ متفاوت في الأوساط الإسرائيلية، بينما يظهر كموضوع أساسي في لحظات، إلّا أنّه يغيب في الكثير منها لاحقًا، ويتركز بشكلٍ أساسي، على لسان المتحدث باسم جيش الاحتلال، الذي يظهره كجزء من العدوان البري في المرحلة الحالية. لكن استعراض ما جاء على ألسنة المستويات السياسية الإسرائيلية وبيانات جيش الاحتلال وسلوكه الهجومي على الأرض، بالإضافة إلى نشاطات المستوطنين، تُعيد كل الحديث الإسرائيلي عن خطط التهجير المتعددة لقطاع غزة، إلى الواجهة.

عشرات التصريحات الإسرائيلية تحدثت عن تهجير قطاع غزة، بشكلٍ متكرر، بما في ذلك خطة وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تصفها الحكومة الإسرائيلية بالأولية، وتأكيد رئيس الموساد السابق يوسي كوهين، المتواجد في قلب عملية التنسيق، في ملف الأسرى ومستقبل غزة، والذي يعمل فيه بتكليف من رئيس الحكومة الإسرائيلية، على إمكانية التوجه نحو التهجير،والذي قال: "إن من يغادر جنوب ووسط غزة من شمالها، لن تقدم له ضمانة بالعودة لمنزله".

وربط كوهين، ذلك كله بخطط التهجير الإسرائيلية، مما يجعل من سيناريو التهجير خيارًا إسرائيليًا متاحًا ومفضلًا، بانتهاز ما تسميه "إسرائيل" الدعم الدولي غير المسبوق في العدوان على قطاع غزة، من واشنطن والدول الأوروبية.

الجيش.. طريق باتجاه واحد

اليوم كرر جيش الاحتلال بيانه، من ناحية الفحوى وجاء فيه:" يواصل الجيش الإسرائيلي جهوده لنقل السكان جنوبًا ويفتح ممر إخلاء السكان لمرور السكان في قطاع غزة في أعقاب النداءات المتكررة لسكان مدينة غزة لإخلاء منازلهم، في ظل النشاط العسكري الذي يجري في المنطقة، حتى خلال الـ 24 ساعة الماضية، ووفقًا للساعات المحددة مسبقًا، قام الجيش الإسرائيلي بتأمين محور وفتح ممر إخلاء للسكان من أجل السماح لسكان شمال قطاع غزة بالتحرك جنوبًا لحمايتهم".

المستوطنون ينشرون طموحاتهم عن العودة والاستيطان في قطاع غزة، فيما ينفذ حيش الاحتلال خطة التهجير إلى الجنوب بالنار

في السياق نفسه، بث التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "كان"، تقريرًا مطولًا، أظهر طموحات مجموعات من المستوطنين، بالعودة إلى التجمع الاستيطاني "غوش قطيف"، الذي تم إخلائه عام 2005، مشيرًا إلى أن حكومة الاحتلال الحالية، قامت بإلغاء قانون خطة الانفصال، وتمت عودة محدودة إلى مستوطنات جنين، وتعليقًا على ذلك اعتبرت الوزيرة أوريت ستروك، هذه الخطوة  "مقدمة للعودة إلى مستوطنات غزة".

من جانبها، رأت  صحيفة "هآرتس" العبرية، أن مقترحات تهجير أهالي قطاع غزة، ليست مجرد أفكار ومخططات يعتنقها أشخاص وجهات متطرفة، بالقول: "مدى عدم وضع هذه الأفكار على الهامش يظهر من خلال تعيين رئيس الموساد السابق يوسي كوهين مبعوثًا خاصًا مهمته التعامل مع اليوم التالي للحرب. على سبيل المثال، ومن بين ما يناقش ’هل من الممكن نقل جزء كبير من سكان غزة إلى سيناء بموافقة مصر؟’"، كما كتب معلق صحيفة هارتس السياسي يوسي فيرتر، الذي أضاف أيضًا أن نفس المصدر السياسي الذي يقتبس منه أكد أن: "إسرائيل لن تتمكن من الموافقة على أن كل من توجه إلى الجنوب سيعود إلى الشمال".

وأكدت صحيفة "هآرتس" على لسان معلقة الشؤون الفلسطينية عميرة هاس، أن: "الجيش الإسرائيلي يعمل الآن، من خلال القصف العنيف وعمليات القتل، على دفع سكان شمال قطاع غزة نحو الجنوب، فتدمر كل ما هو ممكن. وفي نهاية الحرب، ربما يكون هناك بالفعل حل وسط بين الإسرائيليين الذين يطالبون بالترحيل الكامل وبناء المستوطنات. في قطاع غزة بأكمله، أولئك الذين سيستقرون في 80% من أراضيه، والذين يفضلون حديقة كبيرة وترحيلًا جزئيًا".

وتظهر قراءة السلوك الناري لجيش الاحتلال في قطاع غزة، خلال الأيام الماضية، أنه يستهدف مناطق إيواء اللاجئين في داخل غزة بوتيرة مدروسة، ومحيط المشافي سعيًا إلى تهجير أكبر كم ممكن بعد إيقاع عدد كبير من الشهداء في صفوفهم، ومن ثم الانتقال لمرحلة القصف الأوسع نطاقًا، لإحداث دمار هائل، ليس في المباني غير المدمرة وإنما إعادة تدمير ما هو مدمر، من أجل حرمان  المقاومة من الأنفاق الهجومية وشق طرق لكي تسلكها المدرعات الإسرائيلية، وفي حال تجميع كم هائل من السكان المدنيين في جنوب القطاع، "يراهن جيش الاحتلال على أن استهدافهم بعد ذلك بالقصف سيثير في صفوفهم حالة هلع بعد أيام من التجويع وستتدفعهم للجوء نحو سيناء".

المستوطنون وغوش قطيف

وسردت الصحيفة العبرية، جزءًا من الدعوات الإسرائيلية  لتهجير أهالي غزة، مشيرةً إلى أن الخلاف بينها حول ما سيتم فعله بعد التهجير، مضيفةً "’الوطن - العودة إلى قطاع غزة’ ليست صفحة جديدة على الفيسبوك، فقد تم تأسيسها في 12 تموز/ يوليو 2014، بعد خمسة أيام من بداية عدوان 2014. وظهر آخر منشور على الصفحة قبل الحرب الحالية في 22 آب/ أغسطس، حيث أعلن عن إنشاء نواة استيطانية جديدة في شمال الضفة الغربية". 

وأضافت هآرتس: "المنشور القادم كان في 12 تشرين الأول/ أكتوبر، وهو يشتمل على صورة مركبة لحشد من المستوطنين، كتب فوقها شخص يدعى عدي مويال: يمكنك بالفعل سماع الغناء، والأصوات، وغزة ضُمت لإسرائيل".

ولفتت الصحيفة إلى فيديو نشره ذات الحساب على فيسبوك، يظهر أحد جنود جيش الاحتلال في قطاع غزة غزة، ويدعى بنجامين كاربلز، يتحدث في مقطع فيديو، قائلًا: "بعد عامين من اليوم، ستُبنى مدينة نتساح إسرائيل، حيث كانت غزة، قائمة ذات يوم"، ويرفق صورة لفوارغ القذائف، ويكتب عليها: "لقد أرسلنا الهدايا التي كانت بالداخل إلى العدو"، وفق ما ورد في الصحيفة العبرية.

 وأضافت الصحيفة: في 23 أكتوبر، عرض مئير دانا بيكار، مؤسس الصفحة، "حلًا ينهي مشكلة غزة: إعادة السيطرة على القطاع، وتدمير المدينة العلوية والسفلية ومخيمات اللاجئين، وترحيل السكان إلى الجنوب". وفي تدوينة أخرى سيقترح "تصحيح الخطأ وإقامة مدن يهودية ذات كثافة سكانية كبيرة في قطاع غزة". 

ودانا بيكار، من مستوطنة بيت حاغاي، وتقول الصحيفة، إنه "يسخر من الذين يعتبرون خطته مجرد وهم. وكما علمتنا السنوات الخمسين الماضية، فإن كل هلوسة للمستوطن يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن يتم التعامل معها كخطة عمل للحكومة المقبلة، أو الحكومة الحالية. وعندما تبنى الهلوسة على خطط مفتوحة للتدمير الشامل والتهجير الجماعي فإن الحرب هي الأرضية الأنسب لتحقيقها".

ومضت الصحيفة بالقول: على سبيل المثال، "البروفيسور أفيتار ماتانيا من جامعة تل أبيب يدعو إلى تدمير مدينة غزة، لكنه يعارض إقامة المستوطنات في مكانها. وفي مقال نشر في النسخة المطبوعة من مكور ريشون في 27 تشرين الأول/ أكتوبر (تم نشره على الموقع في يوم 30 ، وحذف على الفور) يقترح تقليص القطاع إلى الجزء الجنوبي فقط، حيث سيتم حصر السكان الفلسطينيين فيه، ومن ثم ترحيلهم، وتدمير غزة بالكامل وبناء حديقة ضخمة مكانها تخليدًا لذكرى قتلى عملية 7 أكتوبر"، وفق تعبيره.

وفي وقت سابق، أنهت وزارة الشؤون الاستخباراتية في 13 تشرين الأول/أكتوبر السابق صياغة خطتها لتهجير سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء وتوطينهم هناك، بعد اتخاذ اجراءات فعلية لمنع عودتهم.

صحيفة "كالكيست" العبرية الاقتصادية كشفت النقاب عن الخطة وكتبت عنها: "وزير المخابرات جيلا غمالائيل يوصي بتهجير سكان غزة إلى سيناء، في نهاية الحرب وتحمل الوثيقة شعار وزارة الاستخبارات وتستخدم في المناقشات الداخلية بين الوزارات الحكومية. وليس من المفترض أن تصل إلى الجمهور، لكنها وصلت إلى مجموعة تقوم حاليا بتأسيس حركة تسمى "حملة إعادة الاستيطان لقطاع غزة" وهي هيئة تسعى إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة".