29-يناير-2018

مع انتهاء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الهند، يوم 19 كانون ثاني / يناير، سادت أوساط التحليل السياسي، حالة من الانقسام والخشيّة، تعود في أساسها إلى تطوّر العلاقات السياسية والتجارية بين الهند وإسرائيل.

  تمثل زيارة نتنياهو، محطة جديدة على طريق تطور العلاقات الإسرائيلية الهندية، وهذه المرة للانتقال بها إلى الشراكة، وهو الذي التقى نخبًا هندية تعمل في مجالات متعددة 

فطوال عقود الحرب الباردة الأربعة، اتسمت العلاقات الهندية الإسرائيلية بالتوتر والبرود تاريخيًا، وكانت الهند تتخذ مواقف أقرب إلى المواقف العربية. لكن الأمور بدأت تتغير تدريجيًا منذ إنشاء علاقات دبلوماسية بين البلدين عام 1992. ومع وصول حزب بهارتيا جاناتا اليميني إلى السلطة في الهند من عام 1998، أخذت العلاقات منحىً أكثر دفئًا، إذ تنامى التعاون الأمني والتبادل التجاري بين الطرفين، إبّان دعم إسرائيل للهند في أيار/ مايو 1999، بقذائف هاون وذخيرة وصورايخ وطائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار، في حربها ضدّ عمليات التسلل العسكرية التي قامت بها القوات الباكستانية إلى جانب الجماعات الإسلامية في "قطاع كارجيل".

وسرعان ما شجّع ذلك ارتفاع مستوى العلاقات، حيث زادت معدلات التبادل التجاري والعسكري لتصل إلى 4 مليار دولار أميركي للفترة 2000- 2010، بدلًا عن 200 مليون دولار أميركي خلال الأعوام العشرة الأولى من العلاقات. لكنّ قفزة كبيرة طرأت على العلاقات مع وصول ناريندرا مودي إلى الحكم عام 2014، عن حزب الشعب الهندي القومي الهندوسي؛ المنبثق عن حزب بهارتيا جاناتا، حيث انتقلت العلاقة بين الطرفين إلى الانفتاح العلني في مجالات الشراكة الأمنية وتبادل الزيارات والتحول الملحوظ في موقفها تجاه القضية الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا: ثقافة الشكر في الهند.. بعض الشكر إهانة

وبالتوازي مع التغيّرات الداخلية، أسهمت التحولات الإقليمية التي تمر بها الهند نتيجة حمى الحرب على الإرهاب؛ وهي التي ترى في باكستان "مصنع تصدير رئيسي للإرهاب"، في رفع مستوى التعاون مع إسرائيل، التي تعتبر "الإرهاب" مصدر تهديد وخطر لها. وعلى ذلك أكد الطرفان في بيان مشترك صدر في أعقاب الزيارة أنهما "سيعملان على اتخاذ إجراءات قوية ضد الإرهاب". وتماشيًا مع هذه التحولات، يبدو إن مودي يرى أيضًا في انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014؛ والذي يعتبر محورًا رئيسيًا في تشكيل العلاقات العربية الهندية، مخرجًا يحفّزه للبحث عن شراكات جديدة تفتح آفاق السوق الهندي نحو المستقبل، دون أن يهدد ذلك مصالحه في المنطقة العربية، التي يعتبرها حافزًا لتحقيق نهضته الاقتصادية.      

من التعاون إلى الشراكة

تعددت أشكال العلاقات الهندية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، واشتملت على مجالات الأمن والدفاع والطاقة والزراعة والمياه ومحاربة التصحر والتكنولوجيا والتصنيع العسكري والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط وتطوير الخدمات الجوية والسياحة والسينما وصناعة الماس والطب وتكنولوجيا النانو والطاقة النظيفة والطاقة البديلة، ومع زيارة نتنياهو سترتفع قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى الهند بنسبة 25 في المئة وتزيد معدلات التبادل التجاري إلى الضعف خلال السنوات الثلاث القادمة، علمًا أنّ البيانات تشير إلى إنّ التبادل التجاري وصل نهاية العام الماضي إلى 4.13 مليار دولار، بالإضافة إلى استثمارات في مجال الدفاع والأمن بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار، فضلًا عن استثمارات إسرائيلية أخرى بلغت 100 مليون دولار.

    كيف يمكننا فهم حوافز العطش الهندي للعلاقة مع إسرائيل؟   

ومع ارتفاع مستوى العلاقات التجارية والعسكرية مع إسرائيل، أضحت الهند مع مودي تنتج سياسة معقدة تقوم على احتواء الأضداد. ففي الشراكة مع إسرائيل، باتت الهند تحاول ضبط موقفها تجاه القضية الفلسطينية؛ وهي التي امتنعت في العامين الأخيرين أربع مرات عن إدانة إسرائيل، وهذا ما دعا نتنياهو بأن لا يخشى تصويت الهند ضد القدس عندما أشار بأنه رغمًا عن "شعورنا بخيبة الأمل، إلا أنني اعتقد أنّ صوتًا واحدًا لن يؤثر". في المقابل وجد مودي في العلاقات مع إسرائيل؛ التي دعمته ضدّ باكستان، وبقبول من واشنطن، ملاذًا آمنًا للحصول على تأييد حليف رئيسي لدولة عظمى في المحافل الدولية، تساعده على ضبط موازين القوى الدولية، وهو الذي تعهّد بالسعي للحصول على دعم الأمم المتحدة في حملته العالمية لعزل باكستان، حينما أشار "إن الوقت حان لتحديد وعزل الدول التى ترعى الإرهاب وتصدره للعالم" في إشارة إلى باكستان؛ التي تدعم جماعات إسلامية في الصراع على كشمير.

دوافع الشراكة

وبمقتضى الزيارات الثنائية المتبادلة، ومع توسعها وارتفاع أهميتها إلى مجالات خارج الأمن والدفاع، فإنّ عماد العلاقة الاستراتيجية، أضحى يقوم على سعي الطرفين إلى "تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية" مشتركة، ولهذا ترى إسرائيل في تحولات الهند الداخلية مدخلًا لتعزيز علاقتها بها، وصلت حدّ وصف وزارة الخارجية الهندية الشراكة مع إسرائيل بأنّها "أهم ما تم التوصل إليه في القرن الحادي والعشرين"، وبهذا يمكننا فهم حوافز العطش الهندي للعلاقة مع إسرائيل من عدة جوانب:   

1.حاجة الهند إلى تصنيع السلاح

تستحوذ الهند على 13 في المئة من إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم، وبشكل يفوق واردات منافسيها الإقليميين الصين وباكستان، وبغض النظر عن 22 في المئة من الهنود الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني، ترى الهند أنها تعيش في بيئة إقليمية معادية لها، وهي التي خاضت أربع حروب كبيرة ضد باكستان وأخرى مع الصين عام 1962، ولهذا تعتبر أن النزاعات الحدودية تدفعها للحصول على مزيد من السلاح. ولذلك وجدت الهند في إسرائيل؛ وهي ثالث أكبر مزوِّد سلاح للهند، شراكة تمكّنها من نقل تكنولوجيا تصنيع السلاح نظرًا لفشلها بالتصنيع المحلي العسكري، في مقابل ذلك، ترى الهند أن منافستها باكستان حققت إنجازات في التصنيع المحلي لتلبية مطالب قواتها المسلحة. ولذلك أضحت الهند تشكّل أكبر سوق أسلحة إسرائيلية، بنسبة تصل إلى 41 في المئة من إجمالي مبيعات إسرائيل من الأسلحة، وبقيمة مليار دولار سنويًا، وهي التي تصدّرت مستوردي الأسلحة على مستوى العالم في الفترة بين 2012-2016.

2.حاجة الهند إلى تحقيق التنمية الاقتصادية

في ضوء الصراع الإقليمي، وجدت الهند في سباق النمو مع الصين، وهي التي تعد رابع أسرع اقتصاد في العالم نموًا حتى عام 2017، مدخلًا للهيمنة على الاقتصاد العالمي. ولذلك رأى مودي في إسرائيل مكانته لتحقيق النهضة الاقتصادية من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في التصنيع المحلي. فالهند التي تحتل المرتبة السابعة على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة بلغت 2026 ترليون دولار، تطمح لتعزيز مكانتها بين الاقتصادات الصاعدة في العالم. ولا شك أن ذلك يتطلب تعاونًا اقتصاديًا هنديًا مع إسرائيل، بحيث يمثل هذا التقارب محورًا اقتصاديًا أيديلوجيًا، مدعومًا من الولايات المتحدة، بإمكانه فرض نفسه بمواجهة النمو الاقتصادي الصيني، ويساعد على فرض نموذج تنموي يستقطب به الاقتصادات الصاعدة في منطقة أسيا والمحيط الهادئ. في المقابل تتطلع إسرائيل للاستفادة من الهند من خلال فتح أسواق جديدة لصناعتها العسكرية والمدنية؛ وهي التي باتت ثاني أكبر مورد عسكري أجنبي للهند وثامن أكبر شريك تجاري لها، ولهذا اصطحب نتنياهو في رحلته، 130 رجل أعمال إسرائيلي. 

شراكة لا مكان فيها للعرب

كانت القضية الفلسطينية حاضرة في تصريحات مودي خلال زيارة نتنياهو غير أن حضورها كان بروتوكوليًا لا يعكس الدعم التاريخي الذي قدمته الهند للحق الفلسطيني في الصراع مع إسرائيل، إذ اقتصر بالإشارة الى تأييد "استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الوصول إلى حل شامل ودائم في المنطقة"، وفي ذلك عدم إشارة مباشرة لحلّ الدولتين الذي تدعمه الهند منذ اعترافها بإسرائيل.

   الموقف الهندي بات خلال السنوات الأخيرة أقرب إلى الموقف الإسرائيلي   

ويبدو واضحًا أنّ الموقف الهندي بات خلال السنوات الأخيرة أقرب إلى الموقف الإسرائيلي رغم أن حجم التبادل التجاري العربي الهندي يبلغ 120 مليار دولار مقارنة بأربعة مليارات مع إسرائيل، ما يدل على مدى الاستخفاف التي تتعامل به الهند مع الموقف العربي الذي يبدو هو الآخر غير مهتم بالضغط على الهند في موضوع العلاقة مع إسرائيل، خاصة وأن بعض الدول العربية تسير في الاتجاه نفسه.

ولذلك فإن استمر الاتجاه نحو التطبيع، فإنّ تطور العلاقات الهندية الإسرائيلية في المجالات العسكرية والتجارية، بلا شك سيعطي الهند مكانة لا تمتلكها في الشرق الأوسط؛ وهي التي تمتلك موقف تاريخي تجاه الفلسطينيين وتبادل تجاري ضخم مع الدول العربية، وبهذا ستحظى بقدرة أكبر للتدخل في قضايا المنطقة ومن بينها القضية الفلسطينية. لكن المخاطر المترتبة على هذه الشراكة تتمثل في استخدام إسرائيل لحقول الطاقة المكتشفة في البحر المتوسط ومنح شركتين هنديتين امتياز العمل في هذه الحقول وهما؛ "أونغ فيدش" ONGC Videsh: OVL)) وبهارات بتروليوم (Bharat Petro Resources)، حيث يشكل هذا التعاون تهديدًا للدول العربية وصادراتها إلى الهند.

اقرأ/ي أيضًا: تعطش هنديّ للتكنولوجيا الإسرائيلية.. وإسرائيليّ للمليارات الهندية!

وكما إن توظيف إسرائيل للإرهاب كأيديولوجيا للتقارب مع الهند من أجل بيع أسلحتها إلى الهند، يزيد من جهة حجم الصراع العسكري في شبه القارة الهندية في ضوء تعاون قوتين تمتلكان السلاح النووي على قاعدة التمييز ضد عرق أو دين محدد، ومن جهة أخرى يعطي إسرائيل ذريعة لاستمرار مواجهة نضال الفلسطينيين ومقاومتهم للانتهاكات الإسرائيلية. ولذلك لا مفرّ أمام العرب والفلسطينيين والهنود إلا تصعيد الحملات الشعبية من أجل الضغط لوقف التطبيع المتنامي مع إسرائيل في ضوء هذا التقارب الأيديولوجي الخاطئ المعادي للإسلام بين حزب الشعب الهندي الحاكم وحزب الليكود والذي قد يكون له تداعيات خطيرة على الهند ليس أقلها الطبيعة العلمانية للدولة.  

وفي ضوء ما سبق، تمثل زيارة نتنياهو، محطة جديدة على طريق تطور العلاقات الإسرائيلية الهندية، وهذه المرة للانتقال بها إلى الشراكة، وهو الذي التقى نخبًا هندية تعمل في مجالات متعددة، وشدد "أن العلاقات الهندية الإسرائيلية أمام عهد جديد من الصداقة الرائعة". أمّا على المستوى الهندي يبدو مودي طامحًا لتحقيق التنمية الاقتصادية وهي التي دفعت به إلى المجال السياسي، إثر إسهامه بتحقيق نهضة اقتصادية في ولاية غوجارات التي تحتل المرتبة الرابعة اقتصاديًا على مستوى الهند بعدما كانت تعاني فقرًا مدقعًا. ومهما يكن حجم الشراكة المتزايدة، فإن مودي يبدو سيحافظ على توزان علاقاته مع الدول العربية، فتطوّر الشراكة مع إسرائيل لم يجابه على مدار ربع القرن الماضي عربيًا؛ فزيارة نتنياهو والاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الطرفين ليست وليدة اللحظة، وإن كانت أكثرها صخبًا في ضوء طموح بعض الدول العربية لتطبيع العلاقة مع إسرائيل. أمّا بخصوص التعاون التجاري فيبدو مظلةً من شأنها أن تعطي شرعية للعلاقة الهندية الإسرائيلية.


اقرأ/ي أيضًا:

نتنياهو في الهند.. ماذا يفعل؟!

فيديو | جنود إسرائيليون يهربون من "جحيم غزة" إلى الهند

يحدث تحت أنوفنا.. عن اللجوء الأفريقي إلى إسرائيل