30-مارس-2017

الشرطة الإسرائيلية تعتقل طالب لجوء إفريقيّ | صورة: OREN ZIV

لماذا لا يتفاعل الفلسطينيون مع قضية اللجوء الأفريقي إلى إسرائيل؟ القصة تعود للعام 2006، حين بدأ اللاجئون من السودان وأريتريا ودول إفريقية أخرى باجتياز الحدود المصرية باتجاه إسرائيل، هاربين من أهوال الحرب والملاحقة الدينية والسياسية والتطهير العرقي في بلدانهم.

منذ الأيام الأولى ذاق اللاجئون الأفارقة مرارة الفاشيّة في إسرائيل، واعتبرهم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، "مشكلة وجودية" لإسرائيل ووصفتهم وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، بأنهم "سرطان في جسدنا". كما أطلقت إسرائيل تسمية "المتسللون" عليهم، بدلًا من "لاجئين" كما تعترف بهم دول العالم.

الحديث هنا عن قضيّة إنسانيّة تحدث في الدولة التي يعيش بها المجتمع الفلسطيني. بالتالي فإن عدم اتخاذ موقف هو بالضرورة موقف مريب

هذه التسمية هي صناعة إسرائيلية حصرية للاجئين من أفريقيا، ولم يُرصد استعمالها للتدليل على اللاجئين إلّا في إسرائيل، وقد سبق لإسرائيل استعمالها في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، بالإشارة للّاجئين الفلسطينيين الذين حاولوا الرجوع إلى فلسطين بعد النكبة، وقتل الآلاف منهم أثناء محاولات العودة.

في عام 2012 قضت إسرائيل تمامًا على إمكانيات اللجوء من أفريقيا إليها، بدءًا بقانون "منع التسلل"، انتقالًا إلى سجن "حولوت" المخصص لطالبي اللجوء الذين لا يمكن ترحيلهم، وحتى بناء جدار فاصل على طول الحدود مع سيناء، ما نجح بإيقاف إمكانية اجتياز الحدود بشكل تام.

بقيت قضيّة اللاجئين الأفارقة في إسرائيل مشتعلة مدّة أعوام، ووصلت للمحكمة العليا الإسرائيلية وللكنيست عدّة مرات، وقامت إسرائيل بترحيل طالبي اللجوء، فانخفض عدد اللاجئين عام 2016 إلى ما يقارب الـ40 ألفًا بعد أن ناهز الـ70 ألفًا عام 2012، وذلك برغم الخطورة الحقيقية التي يتعرض لها اللاجئون من جرّاء الترحيل، إذ قتل بعضهم بظروف مختلفة عقب ترحيلهم.

إجراء آخر، هو تجميع هؤلاء اللاجئين في مناطق محددة مثل منطقة جنوبي تل أبيب دون عناية مؤسساتية ودون خدمات اجتماعية، ما حوّل هذا الحيّ المعروف أصلًا بفقره، إلى مرتع للعنف، وأدى لحصول صدامات بين السكان اليهود من أصول شرقيّة في الأحياء الفقيرة، وبين طالبي اللجوء.

تعاملت أوساط فلسطينيّة مع اللاجئين على أنهم صهاينة أو مستوطنون، على الرغم من عدم انطباق أي أركان التعريفين عليهم

برغم كل هذه المحطات الفارقة، وبرغم الخطر الحياتي الفعلي على طالب اللجوء الذي يردّ إلى بلاده بعد هروبه منها، تجاهلت قيادة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية هذه القضية بالكامل، بل تعاملت أوساط فلسطينيّة مع اللاجئين على أنهم صهاينة أو مستوطنون، على الرغم من عدم انطباق أي أركان التعريفين عليهم. أولًا، هم ليسوا يهودًا، ولا يحق لهم بحسب القانون الإسرائيلي الاستيطان ونَول الجنسية الإسرائيلية. ثانيًا، هم قطعوا الحدود تهريبًا برغم خطورة هذه العملية، أي أنهم دخلوا الحدود الإسرائيلية بعكس إرادة السلطات وليس بتشجيع منها، على عكس ما قامت به إسرائيل مثلًا مع يهود أثيوبيا، الذين "هاجروا" إلى فلسطين واستوطنوا ضمن المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وليسوا لاجئين إليها.

أما على مستوى الداخل الفلسطيني، فاقتصر التفاعل مع القضية على بعض التصريحات المتواضعة لقسم من النواب العرب في الكنيست، ولم يرصد أي تحرّك يُذكر من قبل الأحزاب السياسية أو نشطاء المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان. ولم يشهد الداخل الفلسطيني تنظيم حملات إغاثة أو تضامن، ولم تَصدر بيانات عن لجنة المتابعة العليا أو الأحزاب السياسية، كما لم تُنظّم مظاهرة أو وقفة احتجاجيّة واحدة للاعتراض على الممارسات العدوانية التي يتعرض لها اللاجئون من قبل السلطات الإسرائيلية.

لا يمكن اعتبار هذا السلوك الناتج عن المجتمع المدني والحراك السياسي الفلسطيني في الداخل، مفهومًا ضمنًا، ولا بُدّ من إخضاعه للتقييم والمراجعة سواء على مستوى الجمعيات أو الأحزاب.

السلوك الإسرائيلي تجاه اللاجئين من أفريقيا هو سلوك استعماري وعنصري بامتياز، وهو امتداد للسياسات ضد الفلسطينيين

الحديث هنا عن قضيّة إنسانيّة عادلة تحدث في الدولة التي يعيش بها المجتمع الفلسطيني. بالتالي فإن عدم اتخاذ موقف وعدم التفاعل مع القضية هو بالضرورة موقف مريب، خاصة إذا ما انطلقنا من أنّ القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية عادلة، وليست شأن الفلسطينيين وحدهم، بل قضية جميع المناضلين من أجل العدالة في العالم، بالضبط مثل قضايا اللجوء. فما بالك بقضية لجوء يصل فيها اللاجئ إلى فلسطين، وما بالك بأنّ أحد أعمدة القضية الفلسطينية ذاتها هي قضية اللجوء، وما بالك حين يُطرح مطلب احترام اللجوء العربي، والسوري تحديدًا، على دول أجنبية، بل يتفاعل نشطاء كثر مع مشاهد اللجوء السوري القادمة من أوروبا ويعارضون قرارات لدول غربية بالحدّ من عملية استقبال اللاجئين، وحتى وقفها تمامًا في الولايات المتحدة بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أواخر يناير من العام الجاري.

كما إنّ السلوك الإسرائيلي تجاه اللاجئين من أفريقيا هو سلوك استعماري وعنصري بامتياز، وهو امتداد للسياسات ضد الفلسطينيين. وللمقاربة، ففي حين يحصل 80% من الأريتيريين وحوالي 70% من السودانيين على صفة "لاجئ" في العديد من دول العالم، اعترفت إسرائيل بلجوء أقل من 1% منهم.

الانكفاء وعدم تفاعل الفلسطينيين مع قضية اللاجئين الأفارقة يعني اعتبارهم إياها شأنًا صهيونيًا داخليًا مثل قضايا الدين اليهودي والدولة والجيش وغيرها، فيما من الأجدر التعامل مع عبور اللاجئين للحدود المصرية - الإسرائيلية، على أنه عبور إلى فلسطين، البلد الذي ننتمي له ونعيش فيه والذي نريده ملجأً لمظلومٍ يحتاجه عند الشدّة.

في معرض نقده للرأي العام البريطاني المؤيد للاستعمار في الهند ولعدم التنبّه لدكتاتورية الرأسمالية وكذلك لتجاهل قطاعات من الشيوعيين للقمع السوفييتي للحريات، يقول الكاتب الانجليزي جورج اورويل: "إنّك تحتاج لنضال مستمرّ لكي تعرف ما يحدث تحت أنفك".


اقرأ/ي أيضًا:

إمبراطورية تجارة الأعضاء.. إسرائيل وراء كلّ هذا!

ماذا تعرف عن أكشاك التجميل الإسرائيلية؟

لاجئ المواصفات القياسيّة