05-يناير-2023
أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في وقت مبكّر، الخميس، عن الأسير كريم يونس، بعد 40 سنة خلف القضبان، فقد خلالها والده ووالدته.

الأسير كريم يونس بعد الإفراج عنه، وخلال سنوات سجنه الطويلة

الترا فلسطين | فريق التحرير

أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في وقت مبكّر، الخميس، عن الأسير كريم يونس، بعد 40 سنة خلف القضبان، فقد خلالها والده ووالدته، وكثيرًا من أحبّته، وأنزلته في مدينة "رعنانا" للحيلولة دون مظاهر فرح باستقباله من قبل عائلته.

 كريم يونس: اليوم استنشقت الهواء ورأيت الشمس، وقد أتعوّد على ذلك مع الأيام المقبلة

وقال نادي الأسير في بيان مقتضب إنّ سلطات الاحتلال أفرجت عن كريم يونس من سجن "هداريم" بعد انتهاء مدّة محكوميّته، وتعمدت تركه في أحد الشوارع داخل الأراضي المحتلة عام 48، في محاولة جديدة لحرمان عائلته وشعبه من استقباله.

وبحسب بيان هيئة شؤون الأسرى، فقد تم الإفراج عن كريم يونس عند الساعة 05:40 فجرًا، وقد تم إنزاله في مدينة "رعنانا" شمال "تل أبيب"، واعتماد "أسلوب المفاجأة والتضليل في سياق إفشال الاستقبال العظيم الذي كان ينتظره".

وقال رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة لـ "الجرمق" إنّ "ترك كريم يونس في رعنانا وحيدًا، يدل على انحطاط أخلاقي وإنساني عند هذه الطغمة الحاكمة في إسرائيل، التي تريد أن تنتقم حتى اللحظة الأخيرة، لكن يا جبل ما يهزك ريح".

كريم يونس بعد إطلاق سراحه
كريم يونس بعد إطلاق سراحه

وفور الإفراج عن كريم قبل شروق شمس اليوم الخميس، انتشرت له صورة مع أحد الأشخاص. وقال "مركز إعلام الأسرى" إنها الصورة الأولى لكريم بعد الإفراج عنه، حيث تعرّف إليه أحد عابري السبيل، فور إطلاق سراحه المبكر والمفاجئ.

اللحظة الأولى للإفراج عن الأسير كريم يونس بعد أربعة عقود في السجون الإسرائيلية
اللحظة الأولى للإفراج عن الأسير كريم يونس بعد أربعة عقود في السجون الإسرائيلية

ووفق مصادر محليّة فإن الشخص الذي التقى بكريم يونس فور الإفراج عنه، عامل فلسطيني من قرية جماعين جنوب نابلس. 

وبعد لقائه بأفراد عائلته في بلدة عارة، توجّه كريم يونس إلى منزل والدة الأسير ماهر يونس للاطمئنان عليها، حيث من المقرر أن يتم الإفراج عن نجلها قريبًا، بعد أربعة عقود في سجون الاحتلال. 

وبعد ذلك توجّه كريم يونس إلى مقبرة عارة وزار قبر والديه الذين توفيا وهو في الأسر، علمًا أن والدته "صبحية" توفيت في شهر أيار/ مايو الماضي، أي قبل أشهر من حريّته. وفي مشهد مؤثّر، قال كريم إن والدته كانت "سفيرة لكل أسرى الحرية"، وأنها تحمّلت فوق طاقتها، لكنّها اختارت أن تراه من السماء بعد انتظاره طويلًا.

كريم يونس أمام قبر والدته
كريم يونس أمام قبر والدته 

وقال كريم يونس للصحفيين من داخل المقبرة، إنه جرى اقتحام السجن ليلًا ونقله بشكل مفاجئ من السجن إلى الخارج، وعبر عدّة مركبات، الأمر الذي زاد من انفعاله، إلى حين تركوه عند محطّة الباصات في "رعنانا" وطلبوا منه التوجّه إلى عارة. 

عمّال فلسطينيون تعرّفوا على كريم يونس بعد إطلاق سراحه، ومن خلالهم اتّصل بأهله، وأبلغهم بالإفراج عنه، وبمكان تواجده

وعن شعوره عقب الإفراج عنه بعد أربعة عقود من السّجن، قال كريم: "لا أستطيع أن أتحدّث عمّا بداخلي وشعوري، اليوم استنشقت الهواء ورأيت الشمس، وقد أتعوّد على ذلك مع الأيام المقبلة". 

وبيّن أن "الأسرى يحملون الكثير من التساؤلات والرسائل، لقد تركت خلفي الكثيرين، وقلبي معهم، هناك أسرى يحلمون الموت على أكتافهم. 

وقال إنّهم مستعدّون لتقديم 40 سنة أخرى من أجل حرية الشعب الفلسطيني الذي يستحق كل تعظيم سلام، وهذه العزيمة والعطاء موجودة لدى كل الأسرى. 

والأسير كريم يونس، من مواليد 23 تشرين ثان/ نوفمبر 1958، في بلدة (عارة) داخل الخط الأخضر، وهو الابن الأكبر لعائلته. درس الابتدائية في (عارة)، والإعدادية في (عرعرة)، والثانوية في (السالزيان) في مدينة الناصرة، والتحق بجامعة "بن غوريون" في بئر السبع لدراسة الهندسة الميكانيكية، وفي السنة الثانية من دراسته، ومن على مقاعد الدراسة، اُعتقل في 6 كانون ثان/ يناير 1983، ولاحقًا جرى اعتقال ابن عمّه ماهر يونس، بالإضافة إلى سامي يونس على خلفية مقاومة الاحتلال، حيث أفرج عن الأسير سامي يونس في صفقة "فاء الأحرار" عام 2011، وكان في حينه أكبر الأسرى سنّا، وتوفي بعد 4 سنوات من تحرره.

كريم يونس، وسنوات السجن الطويلة
كريم يونس، وسنوات السجن الطويلة

تعرّض كريم يونس لتحقيق قاسٍ وطويل، وحكم عليه الاحتلال بالإعدام في بداية أسره، ولاحقا بالسّجن المؤبد "مدى الحياة"، ثم جرى تحديد المؤبد له لاحقًا بـ 40 سنة.

وفي عام 2013، وفي ذكرى اعتقاله الـ 30 توفي والده الحاج يونس يونس. وبعد 39 سنة من الانتظار وفي تاريخ الخامس من أيار/ مايو 2022، رحلت والدته الحاجة صبحية يونس (أم كريم)، التي انتظرته بكل ما تملك من قوة، ورحلت دون أن تحتفي بحريته.

وفي أول رسالة له بعد وفاة والدته قال كريم: "أمي زارتني في السجن ما يقارب الـ700 زيارة، كانت تقاتل لتصلني إلى السجن، لم تكل رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها"، مضيفًا: "برغم الألم والفقدان إلا أنني شعرت بسعادة وفخر عندما علمت أنَّ الحاجة لُفت بالعلم الفلسطيني الذي غُرز أيضًا على أرض مقبرة قرية عارة". 

والدة كريم يونس، فارقت الحياة وهي تنتظر حريّته
والدة كريم يونس، فارقت الحياة وهي تنتظر حريّته

وكريم يونس كان واحدًا من 25 أسيرًا تعتقلهم سلطات الاحتلال منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو أي قبل عام 1993، حيث رفضت وعلى مدار عقود أن تفرج عنهم، رغم مرور العديد من صفقات التبادل، والإفراجات وكان آخرها عام 2014، حيث كان من المقرر أن تفرج سلطات الاحتلال عن الدفعة الرابعة من القدامى وكان عددهم في حينه (30 أسيرًا)، إلا أنها تنكرت للاتفاق الذي تم في حينه في إطار مسار المفاوضات، إضافة إلى مجموعة من الأسرى الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم عام 2014، وهم من محرري صفقة "وفاء الأحرار"، أبرزهم نائل البرغوثي الذي دخل سنته الـ43 في سجون الاحتلال.


وقبل أيّام من تحرره، كتب كريم يونس آخر رسالة له من داخل سجون الاحتلال، قال فيها: 

"سأغادر زنزانتي"

ها أنا أُوشك أن أغادر زنزانتي المُظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين أخوتي، أخوةُ القيد والمعاناة، أخوة جمعنا قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد.   

أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيّتُ أن أغادرها منتزعًا حريتي برفقةِ أخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيّلًا استقبالًا يعبر عن نصرٍ وإنجازٍ كبير، لكني أجد نفسي غير راغب، أحاول أن أتجنّب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لأخوةٍ ظننتُ أني سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتمًا ثوابتٌ في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجزِ، خصوصًا حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود. 

سأترك زنزانتي، وأغادر، لكن روحي باقيةٌ مع القابضين على الجمر، المحافظين على جذوة النّضال الفلسطينيّ برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنوات أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرّيّة لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تصاب رغبتهم بالحياة بالتكلف والانحدار. 

سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوِّشُ عقلي فأتساءل محتارًا على غير عادتي: إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره؟ ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي؟، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلق يزداد مما نشاهدُ، ونرى من تخاذلٍ، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم دون أن يشعر أنّ جروحه قد لا تندمل، وأن لا أمل له بحياةٍ هادئة، ومستقرة، ومع ذلك بقي ندًا، وقادرًا على الاستمرار. 

سأترك زنزانتي، وأنا مدرك بأن سفينتنا تتلاطمها الأمواج الدولية، من كل صوبٍ وحدب، والعواصف الإقليمية تعصف بها من الشّرق والغرب، والزّلازل المحلية، وبراكين عدوانية تكاد تبتلعها، وهي تبتعد، وتبتعد عن شاطئ حاول قبطانها أن يرسو إليه قبل أكثر من ربع قرن.

سأترك زنزانتي، مؤكدًا أنّنا كنّا ولا زلنّا فخورونَ بأهلنا، وبأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشّتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مر كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا، ولقضية شعبنا، الأمر الذي يبعثُ فينا دائما أملًا متجددًا، ويقينًا راسخًا بعدالة قضيتنا، وصدق انتمائنا، وجدوى وجوهر نضالنا.

سأترك زنزانتي، رافعًا قبعتي لجيل لا شك أنه لا يشبه جيلي، جيل من الشّباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد في السّنوات الأخيرة، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع، والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية، والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقِّه بالعودة، وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد، برغم أجواء التهافت.

سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرّهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن أضطر لأن أبرهنَ البديهيّ الذي عشتهُ، وعايشته على مدار أربعين عامًا، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي، نشيد الفدائي.. نشيد العودة والتّحرير.