18-سبتمبر-2022
تنظيف الأسماء في ميناء الصيادين بغزة (تصوير: عبد الكريم السموني - الترا فلسطين)

تنظيف الأسماء في ميناء الصيادين بغزة (تصوير: عبد الكريم السموني - الترا فلسطين)

مع شروق شمس يوم جديد، يتوجّه الشّقيقان هلال وحسن بكر إلى حسبة السمك في ميناء الصيادين بمدينة غزة، لتنظيف الأسماك، وهو عملهما الوحيد بعد أن دمّر جنود الاحتلال قارب صيدهما عام 2014، ثم صادر قاربًا آخر بعد ذلك بعامين.

الحصار الإسرائيلي المستمر لغزة منذ عقد ونصف، وما خلّفه من بطالة، دفع بالكثيرين للعمل في تنظيف الأسماك 

خلف طاولة خشبية متهالكة، ينتظر هلال (25 عامًا) وحسن (30 عامًا) خروج الصيادين من البحر وبيع أسماكهم في المزاد العلني "الدلال" الذي يقام كل صباح، ليباشرا تنظيف أسماك من يريد من المشترين، مقابل بضعة شواقل.

تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين)
تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين) 

وإلى جوار طاولة هلال وشقيقه، ثمّة العديد من الطاولات على هيئة قاطرة طويلة يعمل عليها عشرات الشبان والأطفال وكبار السن في تنظيف الأسماك، في أجواء تنافسية.

يقول هلال: بعد مصادرة الاحتلال لمركب الصيد الخاصّ بنا، فقدنا مصدر الدخل الوحيد للعائلة، ولم يعد أمامنا أي خيار سوى ممارسة هذه المهنة لمساعدة عائلتنا، والإنفاق على شقيقي الذي أصيب برصاص الاحتلال أثناء عمله في مهنة الصيد. ويشير إلى أنّ عملهما في تنظيف السمك يبدأ عند السادسة صباحًا، ويستمر لنحو أربع ساعات، وفقًا لكميّة الصيد وإقبال الزبائن على الشراء، وفي أحسن الأحوال يجمعان 20 إلى 25 شيقلًا. 

ويتقاضى الشقيقان شيقلًا إلى شيقلين مقابل تنظيف كيلوغرام من السمك، تبعًا لنوعه، فالأنواع الكبيرة تنظيفها سهل، بعكس الصغيرة التي تأخذ وقتًا وجهدًا أكبر في التنظيف. كما أنّ "كرم" الزبون يعد عاملًا مهمًا في تحديد عائد عملهما. 

هلال بكر: لم نتلق أي تعويض منذ دمّر الاحتلال قارب صيدنا عام 2014، ونناشد الجهات الحقوقية مساعدتنا لاسترداد قاربنا المحتجز منذ 6 سنوات

وتعتبر مهنة تنظيف الأسماك من المهن الجديدة التي انتشرت في ميناء وأسواق قطاع غزة منذ قرابة 8 سنوات، بفعل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وشح فرص العمل بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ 2007. 

تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين)
تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين) 

وتحتاج عملية تنظيف الأسماك وتجهيزها للطهي، أدوات ومهارات خاصة يتقنها العاملون في هذا المجال، وتبدأ العملية بكشط السطح الخارجي للأسماك لنزع القشور بواسطة أداة مسننة، ثم قطع الرأس للأسماك الصغيرة واستخراج الأحشاء بواسطة السكين، فيما يتم تنظف أنواع أخرى بطريقة "سلخ" الجلد والتقطيع.

المسن سائد بكر (55 عامًا) وجد نفسه هو الآخر مضطرًا للعمل في مهنة تنظيف الأسماك، بعد عجزه عن ممارسة الصيد بسبب إجرائه عملية غضروف، وزراعة بلاتين في قدمه، لتوفير بعض حاجيات عائلته الكبيرة. يقول لـ "الترا فلسطين": بدأت العمل في هذه المهنة منذ سبع سنوات تقريبًا، حيث كان عدد من يمارسونها يُعدّ على أصابع اليد الواحدة، لكن اليوم أصبح عددهم بالعشرات. 

تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين)
تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين) 

ويتابع: كنّا نتقاضى 3 إلى 4 شواقل مقابل تنظيف كيلو السمك الواحد، لكن مع زيادة أعداد العاملين في هذه المهنة أصبحت هناك مضاربة في الأسعار، وبات تنظيف الكيلو الواحد بشيكل واحد فقط. 

ويشير إلى أن الزبائن يفضّلون تنظيف الأسماك قبل التوجّه بها إلى منازلهم، لأن التنظيف في المنزل يستغرق وقتًا وجهدًا كبيرًا، كما أن بعض أنواع السمك (السلفوح والبرش والمنفاخ) يحتاج تنظيفها لمهارة خاصة، كما أن تنظيف أنواع مثل الجمبري والحباري وأسماك السردين الصغيرة من أصعب عمليات التنظيف، على عكس الأسماك الكبيرة. 

تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين)
تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين) 

ويستعين بكر في ممارسته لمهنة تنظيف الأسماك بأحد أحفاده لمساعدته في العمل قبل توجهه إلى المدرسة خلال الفترة المسائية، وذلك بالنظر إلى المشقّة الكبيرة التي يعانيها. 

تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين)
تصوير: عبد الكريم السموني (الترا فلسطين) 

ويعيل بكر أبناء يعانون إعاقات حركية، ويشتكي من استمرار وقف صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية، فعمله في تنظيف الأسماك لا يضمن له توفير أدنى مقومات الحياة الكريمة، كما يقول. 

وتُعدّ مستويات البطالة في غزة من بين الأعلى في العالم، حيث وصل معدل العاطلين عن العمل خلال الربع الأول من العام 2022 إلى 46.6 في المائة بالمقارنة مع المتوسط الذي كان يبلغ 34.8 في المائة في عام 2006، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). 

وبحسب أوتشا، فإن 1.3 مليون فلسطيني من أصل 2.1 مليون مواطن يعيشون في قطاع غزة (أي 62 في المائة من السكان) بحاجة إلى المساعدات الغذائية.