بحذر، يفرز الصياد خالد الهبيل أسماكه التي اصطادها، فيلقي السامة في البحر ويبقي الأخرى. هذا حاله اليومي منذ 12 عامًا بعدما ظهرت أنواع ضارة من الأسماك في بحر غزة، تُعرف بالأرنب والقرموط البحري. ورغم يقظته، إلا أنه لمس - دون قصدٍ - سمكة القرموط التي تغطي الأشواك جسدها، فانتفخت يده وغزاه ألم شديد.
يضطر الهبيل (53 عامًا) وزملاؤه من الصيادين أن يذهبوا للمستشفى عند تعرضهم لقرصة سمكة القرموط أو العقرب. "مرة أكلتها وقديش صمدت قدام الولاد عشان ما يتأثروش لكن دون جدوى، لأن وجعها رهيب، بالزبط زي واحد بيعمل عملية جراحية من دون بنج"، وفق قول الهبيل لـ الترا فلسطين.
أسماك سامة وافدة إلى بحر غزة يُقسمها الباحثون إلى قسمين، بعضها قد يؤدي إلى الوفاة
وقال: "سمك الأرنب وزنه 3 إلى 4 كغم، وكبدته سامة وكفيلة بأن تقتل جملاً، أما القرموط والعقرب فيأذيان لكن لا يقتلان. القرموط جديد على بحرنا طلع بعد 2006. أما الأرنب المنقط عرفناه بعد 2009. وفي أنواع من الأرنب ننظف المادة السامة منه ثم نطهوه، لكن آكله وأنا قلق. أما العقربة فهي صغيرة جدًا طولها 10 سم تقريبًا وموجودة على مساحة ميل واحد، ووجودها أصبح نادرًا في غزة".
اقرأ/ي أيضًا: سردين غزة غذاء لفقرائها.. ماذا عن الصيد الجائر؟
قاطعنا في الحديث مركب صيد اقترب من شاطئ ميناء غزة، يُقل أربعة صيادين ومعهم نحو تسع سلال بها أسماك اصطادوها. تحدث الصياد الثلاثيني إبراهيم على عجالة لـ الترا فلسطين - وهو ينقل أسماكه من القارب للبر - عن معاناته مع سمك القرموط، مشيرًا إلى أنه ألقى العديد منه في البحر قبل ساعات، بعدما علق بشبكة صيده في عرض البحر.
وقال: "انقرصت مرة من القرموط، وِرْمت (انتفخت) إيدي، ورحت على المستشفى، ما استحملتش وجعه موت".
على بعد أمتار من إبراهيم، يجلس الصياد حسن (30 عامًا) حزينًا على شاطئ ميناء غزة، لأنه لم يصد إلاسلطعونات (جلمبات). يوضح وهو ينزع ما صاده من شبكته، لـ الترا فلسطين أن سمك القرموط يَعلق في شباك الصيادين بشكل يومي، وأنهم لا يَسلَمون من أشواكه، لأن الأخيرة تغطي جسده كاملاً عدا رأسه.
وأفاد أنه وعائلته يحبون لحم سمك الأرنب، "فالأرنب له تنظيف خاص، كبدته لونها أخضر لو شلتها بصيرش اشي، لكن جسمك بتخدر بعدها".
الباحثة هدى أبو عمرة كانت قد أعدت الدراسة الأولى من نوعها؛ التي تناولت 128 نوعًا من الأسماك العظمية في غزة، سألناها عن أصول هذه الأسماك السامة. فأجابت: "هناك 13 نوعًا سامًا من الأسماك العظمية في بحر غزة تعيش على مسافة ستة أميال، ولو تعمقنا قليلاً سنجد أكثر. هذه الأسماك أغلبها غازية جاءت في موسم هجرة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس. ومعظم الصيادين يشتكون لوزارة الزراعة منها بسبب قرصاتها".
وبيَّنت أبو عمرة أن الأسماك السامة في غزة تنقسم إلى نوعين، الأول الأسماك ذات السم العضوي (السم بداخلها)، وهن: الأرنب المرقط السام "Silver Cheeked Toadsish" وهو الأكثر سمومية، والأرنب الأصفر "Half Smooth Golden Pufferfish"، وأرنب إكليل الرأس "Smooth Puffer"، وأرنب بُنّي مرقط أصفر"YellowSpotted Puffe"، والأرنب الرمادي "BallonBaligi"، وصلبية "Salema".
أما النوع الأخر من الأسماك وهي ذات الأشواك السامة. وهن: السمكة النارية/ الأسد "Red Lion"، والقرموط البحري "Street Eel Catfish"، والعقرب السودة "Greeter Weever"، وبومة "Star Gezar"، والقراص الأبيض "MarbledStinsoot"، والقراص الأسود "Dusky Seafood"، وجاسوس/جاما "Small Scaled Terbol".
الأسماك السامة في بحر غزة تعيش في مسافة من 3 إلى 6 أميال، وقد أتت من المحيطين الهادي والهندي، ومن البحر الأحمر
وأفادت بأن السمك الأرنب المرقط تسبب في حالات وفاة عام 2015 في تونس، ولبنان، وإسرائيل، ومصر.
واتفق أستاذ علوم البيئة المشارك في الجامعة الإسلامية، عبد الفتاح عبد ربه، مع أبو عمرة، في أن هذه الأسماك غازية وتأتي من المحيط الهادي والبحر الأحمر عبر قناة السويس، فيما سمكة الأرنب بأنواعها تأتي من خليج عدن والمحيط الهندي، مبينًا أن معظم الأسماك الغازية صغيرة الحجم تعيش في الشعب المرجانية على مسافة ثلاثة أميال.
ورغم شح الدراسات المتخصصة في الأسماك السامة في قطاع غزة، وفق عبد ربه، إلا أن وزارة الزراعة بينت للصيادين نوعيْ الأسماك السامة، وحذرتهم من بيع أو صيد سمكة الأرنب التي تحتوي على سم تيدرودوتاكسين "tetrodotoxin" الذي قد يسبب الوفاة لآكلها إذا كانت مناعته ضعيفة، وفق ما أوضح جهاد صلاح، مدير دائرة الخدمات السمكية بوزارة الزراعة.
وقال صلاح: "هناك عشرات الصيادين يتعرضون لقرصات الأسماك السامة شهريًا، لأن الصياد بطبيعة عمله مُعرَّضٌ للقرص من الأسماك السامة، ولا يخلو أي صياد من قرصتها ولو مرة واحدة. وفي بعض الحالات وليس كلها يتوجب عليهم الذهاب للطبيب".
وأضاف أن تفريعة قناة السويس لها إيجابيات منها دخول أسماك جديدة وتستوطن وتتكاثر وهذا إيجابي للثروة السمكية، وسلبيات منها دخول أسماك ضارة، "ولكن هذا توازن بيئي" وفق رأيه.
يُشار إلى أن سلطات الاحتلال تتلاعب في مساحة الصيد المسموح بها للصيادين الغزيين، وفق الأوضاع الأمنية في القطاع، وهي تتراوح بين ثلاثة أميال وستة أميال، وهي المساحة التي تعيش فيها الأسماك السامة المذكورة، ما يجعل كثيرًا من غلة الصيادين دون جدوى.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يصبح السمك الفاسد طازجًا في غزة؟