13-يوليو-2023
 Marco Di Lauro/Getty Images

Marco Di Lauro/Getty Images

اتّجهت حكومة الاحتلال الأخيرة ومنذ تشكيلها مطلع العام إلى اتخاذ سياسات حقيقية وواضحة في مسألة دعم وتعزيز البناء الاستعماري في الأرض الفلسطينية، وترافقت هذه السياسات والقرارات مع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، التي لم تخف رغبتها ولا نواياها في هذا الصعيد.

الهدف من تغيير الحكومة الإسرائيلية سياسة المصادقة على مخططات البناء في المستوطنات، جعلها شبيهة بالوضع داخل أراضي عام 1948، حيث لا يصادق رئيس الحكومة ووزير الجيش على أي مرحلة من خطط البناء، ما يعني"الضم الإداري" لأراضي الضفة

ولعلّ أبرز سياساتها المنهجية في هذا الصعيد، ما تم إقراره يوم 18 حزيران/ يونيو 2023، عندما أجرت حكومة الاحتلال تعديلًا على قرارها الصادر بتاريخ 2 آب/ أغسطس 1996 والذي يحمل الرقم 150 وبموجبه فُوِّض رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بالمصادقة الأولية على التخطيط والبناء في المستوطنات، إضافة إلى تقصير إجراءات توسيع المستوطنات والذي من خلاله يُدفع بمخططات البناء فيها، وتعديل أسس استخدامات الأراضي من أجل طرح مخططات بناء استيطاني في الضفة الغربية في "مجلس التخطيط الأعلى"، التابع لوحدة "الإدارة المدنية" في جيش الاحتلال، خلال مرحلتي إيداع المخطط والمصادقة عليه نهائيًا، من دون حاجة لمصادقة المستوى السياسي الإسرائيلي، خلافًا للوضع القائم منذ 25 عامًا. 

سابقًا ووفقًا لقرار حكومة الاحتلال رقم 150، كانت الإجراءات المتبعة تقضي بأن يصادق رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير "الجيش" على أي مرحلة في مخططات البناء على حدة، ومن خلال خمس عمليات مصادقة مختلفة وهي إيداع المخطط، ودراسته، والموافقة عليه، وتفعيله، وإعلان سريان مفعوله، وطرح عطاءات بشأنه.

 أما الهدف من هذا التغيير فهو "تطبيع" المصادقة على مخططات البناء في المستوطنات، وجعلها شبيهة بالوضع في "إسرائيل"، أي داخل أراضي عام 1948، حيث لا يصادق رئيس الحكومة و"وزير الأمن" على أي مرحلة من خطط البناء، وهو ما يعني"الضم الإداري" لأراضي الضفة الغربية لصالح دولة الاحتلال. 

حكومة الاحتلال فوّضت بتسلئيل سموتريتش، بالمصادقة الأولية على التخطيط والبناء في المستوطنات، وأقرّت تقصير إجراءات البناء الاستيطاني
حكومة الاحتلال فوّضت بتسلئيل سموتريتش، بالمصادقة الأولية على التخطيط والبناء في المستوطنات، وأقرّت تقصير إجراءات البناء الاستيطاني

قرار حكومة الاحتلال الذي حمل الرقم 657، لا يقضي بالضم الإداري وحسب، بل يعجّل من إجراء عمليات توسعة للمستوطنات القائمة، وشرعنة البؤر بالأثر الرجعي من خلال قرار الوزير إياه. وعلى الرغم من أن التعديل الجديد لا يسمح للوزير سموترتيش بالإعلان عن إقامة مستوطنات جديدة أو الموافقة على إنشائها، فإن دولة الاحتلال وفي السنوات الماضية، تجنّبت الإعلان عن بناء مستوطنات جديدة، مستبدلة ذلك بالإعلان عن بناء أحياء استيطانية تتبع مستوطنات كبرى بغرض "التوسعة"، لكنها في حقيقة الأمر وبعد مراجعة خرائطها ومخططاتها تتضح نيتها ببناء مستوطنات جديدة مثلما حدث في مستوطنة "أريئيل"، إذ بُنيَت مستوطنة أرئيل على أراضي محافظة سلفيت، ومستوطنة هار غيلو وحيها الاستيطاني كرميل على أراضي محافظة بيت لحم.

قرار حكومة الاحتلال لا يقضي بالضم الإداري وحسب، بل يعجّل من إجراء عمليات توسعة للمستوطنات القائمة، وشرعنة البؤر بالأثر الرجعي

سبق قرارَ مجلس الوزراء المتعلق بتوسيع صلاحيات وزير المالية، المصادقةُ على إلغاء قرار فك الارتباط والسماح بالعودة للاستيطان في شمال الضفة من قبل كنيست الاحتلال بالقراءة الثالثة يوم 21 آذار/ مارس 2023، وهو القرار الذي يسمح بموجبه بشرعنة بؤر استيطانية مثل مستوطنة حومش التي جرى إخلاؤها في العام 2005.

ويشكل تعديل القانون، وإلغاء الأجزاء المرتبطة بحظر دخول الإسرائيليين (مستوطنين وجنود ومدنيين) إلى المناطق المخلاة في المستوطنات الأربعة في شمال الضفة الغربية، مقدمة لرفد المشروع الاستيطاني بجغرافيا جديدة، تحللت وعلى مدار 17 سنة ماضية من المستوطنات، وهو الأمر الذي دفع بقائد قوات جيش الاحتلال في الضفة الغربية إلى إصدار قراره يوم 18 أيار/ مايو 2023 بإلغاء القرار العسكري الأول الذي يحظر دخول المستوطنين، واستبداله بقرار عسكري جديد يحمل الرقم 2137 يسمح بعودتهم. 

إلغاء قرار عسكري الذي يحظر دخول المستوطنين، واستبداله بقرار جديد يحمل الرقم 2137 يسمح بعودتهم.
إلغاء قرار عسكري الذي يحظر دخول المستوطنين، واستبداله بقرار جديد يحمل الرقم 2137 يسمح بعودتهم للمناطق المخلاة في مستوطنات شمال الضفة

ويتجلى انهماك حكومة الاحتلال الأخيرة في مسألة التوسع الاستيطاني وتقديمها كل ما يلزم للعبث بالجغرافية الفلسطينية سواءً في توسيع المستوطنات أو إحكام القبضة على مفاصل التواجد الفلسطيني فيه، في ما جاء في مخصصات وتوزيعات الموازنة التي أقرها الكنيست للأعوام 2023-2024، والتي جاءت بما لا يدع مجالًا للشك ملبية تطلعات أحزاب اليمين المتطرف التي عقدت مجموعة من الاتفاقيات الائتلافية، والتي ظهرت نتائجها إما من خلال القرارات التي سُنّت وأقرت، أو بتعبيرات الموازنة والتخصيصات المالية. 

ووفقًا للاتفاقيات التي توصل إليها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة النقل ميري ريغيف، فقد خصص حوالي 3.5 مليار شيكل (941 مليون دولار) من ميزانية الدولة في تحديث وتعبيد طرق جديدة في الضفة الغربية خلال العامين المقبلين. من هذا المبلغ ، سيتم تخصيص 2 مليار شيكل (538 مليون دولار) لتطوير طريق 60، وهو شريان رئيسي بين الشمال والجنوب يمتد على طول الضفة الغربية بالكامل. وكذلك ستخصص 500 مليون شيكل أخرى (134 مليون دولار) لتوسيع طريق بين مستوطنة آرييل ومفرق تبواش في شمال الضفة الغربية.

ميزانيّات ضخمة لأجل الاستيطان والطرق المؤدية للمستوطنات 

بالإضافة إلى ما سبق، فإن 366 مليون شيكل (98 مليون دولار) ستخصص لتطوير طريق الوصول إلى منطقة المجلس الإقليمي بيت إيل، و300 مليون شيكل (81 مليون دولار) ستدفع لتغطي تكاليف طريق جديد بين مستوطنة ميغرون وقلنديا شمال القدس، و200 مليون شيكل (54 مليون دولار) لطريق يلتف حول قرية الفندق الفلسطينية في شمال الضفة الغربية شرق قلقيلية، و150 مليون شيكل (40 مليون دولار) لطريق في مستوطنة ألفي منشيه. كما خُصصت مئات الملايين الأخرى لبناء الطرق في القدس الشرقية وحولها. ومن جهة ليست ببعيدة فقد خُصصت 450 مليون شيكل (121 مليون دولار) لوزارة تطوير النقب والجليل، المخصصة لشؤون صناديق تنمية السلطات البلدية المحلية في النقب والجليل والريف، والتي يقصد بها مستوطنات الضفة الغربية.

وكذلك ستتلقى وزارة الاستيطان موازنة بقيمة 268 مليون شيكل (72 مليون دولار)، على الرغم من أن مكان إنفاق هذه الأموال وكيفيته غير واضحة. ويهدف تخصيص مبلغ 74 مليون شيكل آخر (20 مليون دولار) للوزارة، إلى مساعدة سلطات بلدية المستوطنات على مراقبة البناء الفلسطيني "غير القانوني" في المنطقة، كما خُصصت 195 مليون شيكل أخرى (52 مليون دولار) للإدارة المدنية التابعة لوزارة جيش الاحتلال والتي تتولى مهمة مراقبة البناء الفلسطيني وتحديدًا في المناطق المصنفة (ج)، والتضييق والهدم وإصدار إخطارات الهدم، وكذلك وتسهيل إشراف الاحتلال على الأراضي المحتلة، والإشراف على مواقع التعدين والمحاجر، والإشراف على مصادر المياه، والإشراف على المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية التي أصبحت في الفترة الأخيرة مادة للتسلل الاستيطاني إلى الأرض الفلسطينية ووسيلة للسيطرة على الأرض.

قرار إسرائيلي بتمديد العمل بخارطة الأفضلية الوطنية وذلك حتى نهاية العام 2023، ما يعني أن عددًا من المستوطنات ستحظى بتسهيلات جدية 

وعلى الصعيد السياساتي فقد قررت حكومة الاحتلال يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 تمديد العمل بخارطة الأفضلية الوطنية وذلك حتى نهاية العام 2023، وإضافة مجموعة من المستوطنات إلى هذه القائمة، ويشمل القرار المذكور كل المستعمرات الإسرائيلية، وللوقوف أكثر على هذا القرار، يمكن الاطلاع على التقرير السنوي "لأبرز انتهاكات الاحتلال في العام 2018".  ففي ذلك العام أقرت حكومة الاحتلال ما يعرف بخارطة مناطق الأفضلية الوطنية، ونتيجة له قررت وزارة البناء والإسكان أن كافة مستعمرات "يهودا والسامرة" ستستمر في التمتع بالتسهيلات في إطار التجمعات ذات الأفضلية الوطنية التي تشمل تمويل التخطيط والبناء للمباني السكنية الجديدة، وزيادة قيمة القروض للمستحقين. وللمرة الأولى فإن مستعمرات مثل "ميغرون"، "تلمون"، "كيرم رعيم" و"شفوت راحيل" سوف تحظى بتسهيلات جدية.

الحكومة الإسرائيلية في عام 2018 صادقت على الخارطة المعدلة لمناطق الأفضلية الوطنية التي أعدها وزير الإسكان "غالانت". قرار الحكومة المشار إليه تضمن تكليف وزارة البناء والإسكان بتمويل تكاليف التخطيط وتطوير البناء في مناطق الأفضلية تلك بنسبة تصل إلى ما بين 20-70%، وكذلك زيادة حجم القروض المقدمة للأشخاص الراغبين في السكن في هذه التجمعات. 

ومع أن الخارطة المعدلة تضمنت 586 تجمعًا سكانيًا إسرائيليًا، إلا أنه وفقًا للتصنيف الذي اعتمدته تلك الخارطة فإن غالبية المستعمرات (أكثر من 80% منها) تقع ضمن التصنيفين الأول والثاني (أ1 +أ2) في تلك القائمة، ما يعني أن نسبة الدعم لها تتراوح بين 50-70%. كذلك فإنه إلى جانب هذا التصنيف فقد اعتُمِدَت ثلاثة معايير أخرى لاحتساب قيمة الدعم، ويبدو واضحًا أنها فُصِّلت على مقاس المستعمرات، إذ تكون الأفضلية للتجمع الريفي لا الحضري، وللبيت المنفصل لا متعدد الطوابق، وللمناطق الأكثر انحدارًا.

وإذ تمدد حكومة الاحتلال هذا القرار حتى نهايات العام 2022، فإن في ذلك ما يفسر حجم التغول الاستعماري في الأراضي الفلسطينية، ويطرح الأسئلة حول انفلات المستعمرين وانتقال جرائمهم من الأشكال الفردية المتفرقة، إلى الأشكال المنظمة المعد لها جيدًا، والتي تبدو  للوهلة الأولى تفوق أي تصور أو توقع ممكن، في جملة الشهور القليلة الماضية.