06-يوليو-2023
Nasser Ishtayeh/Getty Images

Nasser Ishtayeh/Getty Images

مع مصادقة حكومة الاحتلال مطلع أيار/ مايو الماضي على مقترح "مشروع سبسطية السياحي" تكون قد أكملت مخططها المكون من ثلاثة رؤوس لاستهداف أراضي شمال الضفة الغربية من جديد. فمشروع القرار الذي يستثمر ما يصل إلى 32 مليون شيقل لأغراض تطوير موقع سبسطية الأثري لا يتوقّف عند حدود إنشاء بؤرة استيطانية ذات طابع سياحي يؤدي بالضرورة إلى زياد الوجود الاستيطاني وتقليص الوجود الفلسطيني فحسب، بل يتعدى ذلك إلى لعب دور أكثر استراتيجية في تكامله مع المشاريع الأخرى التي تهدف في النهاية القصوى من الأمر إلى إحكام السيطرة على مفصل الربط بين محافظتي نابلس وجنين.

مشروع تطوير موقع سبسطية الأثري لا يتوقّف عند حدود إنشاء بؤرة استيطانية ذات طابع سياحي، بل يتعدى ذلك إلى تكامله مع مشاريع استيطانية لإحكام السيطرة على مفصل الربط بين نابلس وجنين 

ويترتب على هذه المصادقة الطلب من "سلطة الطبيعة والمتنزهات" الاحتلالية إعداد مخطط تفصيلي لتطوير الموقع طوال ثلاث سنوات. وتتضمن خطة التطوير شقّ طريق لتأمين وصول المستوطنين إلى الموقع، وتحويله إلى منطقة جذب سياحي. ويقع جزء من الموقع في المنطقة المصنّفة "ب" بينما يقع الجزء الآخر في المنطقة "ج" المتاخمة لقرية سبسطية في محافظة نابلس، وتحيط به البلدات والقرى الفلسطينية.

وتتوزع موازنة المشروع الذي تبلغ قيمته 32 مليون شيقل بالدرجة الأولى على شق طريق يصل بشكل مباشر إلى الموقع دون الحاجة الى المرور عبر المنطقة "ب"، وتشجيع أعمال التنقيب والحفاظ على المباني في الموقع، وتحويلها إلى موقع سياحي مدفوع الأجر. ويترتب على هذا المشروع إخضاع الموقع كاملًا لإدارة سلطة الطبيعة والمتنزّهات الاحتلالية كما سيكون الدخول إليه مدفوع الأجر.

علاوة على أن المشروع سينتج عنه تواجد دائم للمستوطنين ومضاعفة أعدادهم في المنطقة، وفرض بؤرة ذات طابع استيطاني للمستوطنين، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى تقليص الوجود الفلسطيني فيه، هذا بالإضافة إلى قطع الطريق بين نابلس وجنين من خلال السيطرة على الشارع الواصل والوحيد بين المحافظات؛ فإن خطورته تكمن في أنه سيعمل على تحويل الموقع الأثري إلى مستوطنة سياحية في قلب منطقة فلسطينية وداخل أراضي قرية سبسطية.

المشروع سينتج عنه تواجد دائم للمستوطنين ومضاعفة أعدادهم في المنطقة، وفرض بؤرة ذات طابع استيطاني للمستوطنين، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى تقليص الوجود الفلسطيني فيه
المشروع سينتج عنه تواجد دائم للمستوطنين ومضاعفة أعدادهم في المنطقة، وفرض بؤرة ذات طابع استيطاني، الأمر الذي سيقلّص الوجود الفلسطيني

لا ينفصل المشروع الاستيطاني الجديد في سبسطية التابعة لمحافظة نابلس، عن كافة المشاريع الاستيطانية التي شهدتها المنطقة الشمالية من الضفة الغربية (شمالي نابلس وحتى شمالي جنين) مؤخرًا، والحديث هنا يجري عن ثلاثة عناوين أساسية لهذه المرحلة: العنوان الأول يكمن في بناء مقطع جدار ضم وتوسع يبلغ طوله 45 كيلومتر أقرته حكومة الاحتلال مطلع العام 2022 بقيمة 350 مليون شيقل، ويهدف لمصادرة مقاطع من الأراضي وفرض أماكن إغلاق عسكري، وترسيخ عملية الضم والتوسّع من خلال تحويل مقاطع الجدار المكوَّنة من السياج الشائك إلى جدار إسمنتي يتراوح ارتفاعه من 6-9 أمتار في معظم امتداداته.

المشروع سينتج عنه تواجد دائم للمستوطنين ومضاعفة أعدادهم في المنطقة 

في حين جاء العنوان الثاني في مسألة إلغاء قرار فك الارتباط وما ترتب عليه من "شرعنة" العودة للاستيطان شمال الضفة الغربية من بوابة مستوطنة "حومش"، وشرعنة البؤر الاستيطانية التي جاءت على شكل مدرسة دينية، فثمّة علاقة ذات صلة موضوعية بين ما يجري في سبسطية وبين مستوطنة "حومش"، إذ إن تعزيز الاستيطان في هذه المنطقة تحديدًا يؤدي بالضرورة إلى إحداث ترابط جغرافي بين الموقعين وبالتالي فإنه يهدد مساحات شاسعة تفصل بين أراضي سبسطية وأراضي قرية برقة التي تقبع عليها بؤرة "حومش".

 ومع العنوان الثالث، موضوع هذا الجزء من التقرير، يأتي المشروع الاستيطاني تحت الغطاء الأثري ليحكم القبضة على منطقة شمال الضفة من خلال زيادة التواجد الاستيطاني في المنطقة وتقليص الوجود الفلسطيني وإحكام القبضة على الطريق الوحيد الواصل بين محافظتي جنين ونابلس.

ويوزّع القرار الجديد الموازنة المقترحة التي تبلغ قيمتها 32 مليون شيقل متفرقة على ثلاث سنوات تبدأ من العام 2023 وحتى العام 2026، من خلال تخصيص مبلغ قيمته 6 مليون شيقل للجانب السياحي، في حين رصدت 6 ملايين أخرى لأغراض حماية المواقع، وخصص مليونا شيقل ونصف لصالح الاستيطان في الموقع تحت بند أطلق عليه "الاستيطان والمهمات الوطنية". وجاءت في تخصيصات الموازنة أيضًا 6 ملايين شيقل أخرى لصالح حفظ تراث الموقع، بالإضافة إلى مجموعة من المبالغ الأخرى.

اللافت في تخصيصات الموازنة الموضوعة للمشروع هو تخصيص مبالغها من مجموعة من الوزارات الإسرائيلية

واللافت في تخصيصات الموازنة الموضوعة للمشروع هو تخصيص مبالغها من مجموعة من الوزارات هي كل من وزارة السياحة ،ووزارة البيئة، وزارة الثقافة والرياضة، ووزارة التراث، ووزارة الشؤون الخارجية، ووزارة الاستيطان، والبعثات الوطنية، ووزارة الشتات ومكافحة معاداة السامية، ووزارة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا، ووزارة الاقتصاد والصناعة، وهي الوزارات التي شُكِّلَت اللجنة التوجيهية للمشروع من قبلها.

ولعلّ انخراط وزارات مثل الخارجية والاستيطان ومكافحة معاداة السامية وغيرها من أجهزة الدولة في تمويل وإدارة هذا المشروع، يضع مجموعة من علامات الاستفهام حول توجّهات المشروع، وعدم اقتصاره عند حدود كونه معلمًا سياحيًا تراثيًا وحسب، بل إنه يتعدى ذلك إلى مجالات تقترب من الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض، هدفها الأخير إعدام إمكانية قيام دولة فلسطينية من خلال العبث في الجغرافية الفلسطينية، وهنا يأتي مبعث الخطر.