الترا فلسطين | فريق التحرير
منذ تاريخ 26 أيار/مايو 2018، بدا أن الفصائل في قطاع غزة باشرت بتشريح القبة الحديدية بالنار، في تلك الليلة أُطلِقت من غزة زخاتٌ من الرصاص الثقيل صوب سماء مستوطنات قطاع غزة، فدوَّت صافرات القبة الحديدية وانطلقت صواريخها الاعتراضية التي تتراوح كلفة الواحد منها بين 70 إلى 100 ألف دولار.
بعد خدعة أيار 2018 بدأت الفصائل في غزة بتشريح القبة الحديدية بالنار
خداع القبة الحديدية في تلك الليلة كلف الاحتلال مئات آلاف الدولارات، فيما تجاوز عدد المستوطنين الذي طُلب منهم الدخول إلى المناطق الآمنة والملاجىء الـ50 ألف مستوطن في عشرات المستوطنات، في المقابل لم تتجاوز تكلفة التجربة العملية الفلسطينية عدة مئاتٍ من الدولارات في أقصى تقدير، لكن التجربة كشفت نقاط ضعفٍ جديدةٍ تعاني منها القبة الحديدية.
اقرأ/ي أيضًا: "القسام" كشفت عورة القبة الحديدية بدون ثمن
منذ ذلك الحين، وفق ما كشفت عنه القناة 13 الإسرائيلية، شهدت منظومة القبة الحديدية سلسلة عملياتٍ تطويريةٍ تحديدًا في مجال الرادار الذي يُشخص انطلاق الصاروخ من غزة، بعد إخفاقها في اختبار أيار، وبعد تلك الليلة صارت الفصائل في جولات التصعيد تستهدف نقطة معينة في المستوطنات أو داخل الخط الأخضر بإطلاق زخاتٍ مكثفةٍ من الصواريخ، وبالتالي فإن ما كان فرضية في أذهان منظري المقاومة العسكريين، أصبحت تؤكده المعلومات الاستخبارية حول عجز القبة أمام الزخات المكثفة التي تُجمع من وسائل التواصل الاجتماعي للجمهور في إسرائيل.
"اختبار النار" في أيار، الذي أعلن أبو عبيدة أنه كان مناورة عسكرية، فضح سرًا هامًا إضافيًا من أسرار القبة، هو أن رادرًا واحدًا يعمل لخدمة أكثر من المنظومات العشرة التي تمتلكها إسرائيل، وذلك جرى استثماره في جولات التصعيد التالية في رسم دائرة النار المتزامنة في لحظة محددة.
زخاتٌ مكثفةٌ منفصلةٌ كل واحدة منها تضرب هدفًا معينًا، فيظهر العجز، اتّباع هذا التكتيك في الجولة الأخيرة التي دامت 60 ساعة أسفر عن سقوط قتلى ووقوع إصاباتٍ مباشرةٍ أكثر من حرب 2014 التي زادت مدتها عن 50 يومًا.
نقطة الضعف الأهم التي نجحت المقاومة في تحديدها بعد قصف "تل أبيب" ومجالها البحري أكثر من عجز "القبة الحديدية"، وهذا يتعلق بعجز صواريخ القبة عن اعتراض الصواريخ التي يزيد مداها عن 70 كم، وهذا الأمر لم يعد سرًا، فقد أكده الخبير الإسرائيلي في مجال التصنيع العسكري عوديد عمخاي، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" صبيحة القصف الأخير لـ"تل أبيب".
إذن جوانب قصور منظومة "القبة الحديدية" كما تبدو حتى الآن هي عجزها عن مواجهة الزخات المكثفة المتزامنة، وعدم كفاءتها في اعتراض الصواريخ التي يزيد مداها عن 70 كم، وهذا يعني إخفاقها في تأمين "تل أبيب"، مع التكلفة المالية الباهظة.
صحيفة "معاريف" كشفت هذا الأسبوع أن دوائر صنع القرار في جيش الاحتلال بدأت تُفكر في العودة لاسئناف الأبحاث الرامية إلى تصنيع منظوماتٍ تعتمد على الليزر متخصصة باعتراض الصورايخ التي تطلقها الفصائل في غزة، وذلك بعد الانخفاض الملحوظ في فعالية القبة الحديدية خلال الجولة الأخيرة.
إسرائيل تُفكر بتفعيل منظومة ليزرية للدفاع الجوي بدلاً من القبة الحديدية
ووفق "معاريف"، فإن الخيار المتاح أمام الاحتلال في مجال المنظومات الليزرية هو منظومة "ناوتيلوس" التي تعمل بأشعة الليزر، وتقوم على إطلاق أشعة الليزر صوب الصاروخ ومواكبته وتفجيره في الأجواء بواسطة درجات الحرارة العالية جدًا التي تنتجها الأشعة.
اقرأ/ي أيضًا: القبة الفضيحة
هذه المنظومة فعالةٌ في دائرة يترواح قطرها بين عدة كليومترات، وهي قادرةٌ بعد شحنها بطاقةٍ كهربائيةٍ على تنفيذ خمس عمليات اعتراضٍ متتاليةٍ بفارق ثانيةٍ بين كل اعتراض وآخر.
ومنظومة "ناوتيلوس" لم تصل إلى مرحلة دخول الخدمة الفعلية في الجيش الإسرائيلي، وهي أصلاً ثمرة اتفاقٍ وقعه رئيس الوزراء الإسرائيل الأسبق شمعون بيرس، مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، يتم بموجبه تطوير المنظومة بتمويلٍ مشتركٍ.
بعد استثمار أكثر 200 مليون دولار في هذه المنظومة -من بينها 50 مليون دولار قدمتها إسرائيل- تم تجميد المشروع بسبب توقف إسرائيل عن تقديم التمويل، لكن بعد تعرض مستوطنة "سديروت" للقصف في انتفاضة الأقصى عاد المشروع للواجهة مجددًا.
ما تم أنجازه حتى الآن من منظومة "ناوتيلوس" يظهر أنها تعاني من أوجه قصورٍ عديدة يُمكن تلخيصها في ما يلي:
- نطاق قدرتها على الاعتراض قصيرٌ نسبيًا ولا يتجاوز 10 كم إلا في حالاتٍ نادرة.
- نقلها وتحريكها صعبٌ جدًا بسبب حجمها الضخم الذي يتجاوز حجم ست حافلات ركاب كبيرة مجتمعة.
- تستهلك كمية هائلة من الكهرباء.
- فعالية المنظومة ينخفض ويصل أحيانًا إلى الصفر في حالات الغيوم الكثيفة والضباب والمطر والغبار.
- في حال جرى اعتراض صاروخ فإن رأسه المتفجر سينتشر في السماء، وأجزاء منه ستنتشر في أماكن قريبة من النقطة المستهدفة أصلاً.
- انخفاض مستوى الأمان في هذه المنظومة بسبب استخدام الليزر الذي قد يؤدي لمخاطر كبيرةٍ من بينها اشتعال النار بمواد مشتعلة دون قصد، إضافة إلى أن الغاز العادم الناجم عن احتراق الليزر يشكل خطرًا على جودة البيئة والبشر.
أما نقاط قوة منظومة "ناوتيلوس" فتكمن في التالي:
- بلغت نسبة نجاحها 100% في مواجهة صواريخ كاتيوشا، لكن لم يتم اختبارها في مواجهة وابلٍ مكثف، فالقبة الحديدية كانت نسبة نجاحها تصل إلى 100% عند إنشائها.
- قادرة على اعتراض قذئف الهاون بتكلفة لا تتجاوز ألف دولار.
- كلفة بناء المنظومة الواحدة منها تصل إلى 56 مليون دولار، في حين أن كلفة بناء المنظومة الواحدة من القبة الحديدية تصل إلى 100 مليون دولار.
الخيار الثاني أمام إسرائيل للتغطية على عجز قبتها الحديدية يكمن في منظومة "سكاي غارد" الأمريكية، وفق ما كشف عنه الخبير عوديد عمخاي -الوارد اسمه سابقًا- في هذا التقرير. هذه المنظومة تعتمد أيضًا على الليزر في عملها، لكنها حتى الآن ليست متاحة للاستخدام الفعلي.
ويؤكد عمخاي أن إسرائيل غير قادرة على تصنيع هذه المنظومة، فهي أولاً بحاجةٍ للمعلومات والتقنيات، وهذا يتطلب الحصول على إذن الإدارة الأمريكية، كما يتوجب على إسرائيل إعداد بنيةٍ تحتيةٍ لبناء هذه المنظومة، وهذا يكلفها مليارات من الشواقل، وبدون الحصول على "سكاي غارد" ستظل إسرائيل غير قادرة على التصدى لإطلاق آلاف الصواريخ والقذائف يوميًا، بحسب تقديرات الخبير ذاته.
اقرأ/ي أيضًا:
إسرائيل تبحث آلية جديدة لاعتراض الصواريخ