حذّرت أطراف عديدة من أنّ فلسطين ستشهد هذا العام "رمضان ساخن"، منها الأوساط الأمنية الصهيونية، والأوساط الأمنية الأمريكية، وأطراف عربية مجاورة لفلسطين. إذ اجتمعت هذه الأطراف في العقبة، مع وفد مكلّف من القيادة الفلسطينية للاستماع، والاتفاق على ما قد يجعل رمضان القادم يمر بسلام، دون أحداث لا ترغب فيها أطراف الاجتماع، طبعًا كلٌ بحسب مصالحه التي تتقاطع بشكل أو بآخر مع مصالح باقي الشركاء. إذًا كنّا أمام اجتماع أمني بالدرجة الأولى، وهدفه المعلن الحيلولة دون وقوع ما هو متوقع. ولأنه كذلك، تلتفُّ علامات استفهام كثيرة حول عوامل التفجير المتوقعة في رمضان ومنفذيها، إن كانت فلسطينية أم صهيونية يهودية متطرفة؟
من أين يأتي اليقين أن رمضان القادم سيكون ساخنًا أو متفجرًا داخل فلسطين المحتلة؟ هل هي معلومات استخبارية أم أن ذلك نتيجة القياس على رمضانات السنوات الماضية؟
يشيرُ المعلّق السياسي في صحيفة "هآرتس" العبرية تسيفي باريل في تقريرٍ تحليلي إلى "أنّ القمة لم تكن سياسية، بل أمنية، بغرض بحث سبل التعاون من أجل كبح التدهور الأمني في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وأن الهدف المشترك لجميع الأطراف لا منع التصعيد فقط، بل وقفه ومنع امتداده إلى الدول المجاورة أيضًا". وعليه، إذا استثنينا المصلحة الأمنية الأمريكية والإسرائيلية، وهي مصلحة واحدة هدفها كما كان دائمًا كبح النضال الوطني الفلسطيني التحرري وقمعه، تُصبح دوافع الموقفين المصري والأردني وفق المحلل الإسرائيلي، هو الخشية من تفجّر الأوضاع داخلهما، وبالتالي تفجُّر المنطقة أمنيًا، وتدمير كل ما بنته الولايات المتحدة خلال "الربيع العربي" وما بعده.
اقرأ/ي أيضًا: القدسُ قبرٌ جماعيّ يحيط به سور
لطالما كانت فلسطين صاعق التفجيرات في المنطقة. قد تكون الروح القومية المتضامنة مع فلسطين ضعفت نتيجة ما حصل من كوارث اقتصادية ومعيشية في دول الجوار الجغرافي لفلسطين، لكن بات الانطباع العربي العامّ أن الولايات المتحدة وربيبتها دولة الصهاينة هي المسؤولة عن تردي كل هذه الأوضاع في عموم المنطقة (يُنظر في هذا الخصوص نتائج استطلاع المؤشر العربي 2022 الذي ينفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الذي يشير إلى أنّ الرأي العام العربي متوافق وشبه مجمع، بنسبة 84%، على أن سياسات إسرائيل تهدّد أمن المنطقة واستقرارها. كما تَوافق 78% من الرأي العام على أن السياسات الأميركية تهدّد أمن المنطقة واستقرارها). قد لا يكون المواطن العربي ملمًا بكل التفاصيل، لكن ثمّة أمور تُقرأ بعناوينها، فالولايات المتحدة وربيبتها الصهيونية لن تسمحا بديمقراطية ونهضة اقتصادية واجتماعية عربية، مهما كانت الظروف، وستتآمر الدولتان لوأد أي تحرك شعبي عربي يُخرّب خططهما الاستراتيجية في جعل دولة الصهاينة حاكمًا مهيمنًا متحكمًا بالمنطقة، بحسب الخطة المسماة "الإبراهيمية".
المفاجئ، أنّ رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الخارج، خالد مشعل، كرّر نفس التوقعات بقوله: "إن الأمور ذاهبة إلى التصعيد في شهر رمضان المبارك"، مضيفًا أننا "مقبلون على أيام ساخنة". السؤال الذي يُطرح هنا: من أين يأتي اليقين أن رمضان القادم سيكون ساخنًا أو متفجرًا داخل فلسطين المحتلة؟ هل هي معلومات استخبارية أم أن ذلك نتيجة القياس على رمضانات السنوات الماضية؟
بظني، لا علاقة لذلك بالمعلومات الاستخبارية، بل هو نتيجة قراءة موضوعية للوضع الراهن، وهو وجود قيادة المستوطنين المتطرفين المتعصبين أيديولوجيًا، أو ما يمكن وصفه بـ "داعش يهودية" في الحكم. ما يعني أن تفجّر الأوضاع، كما يحدث اليوم، وقبل رمضان حتى، هو نتيجة لهذه الداعشية الحاكمة في دولة الصهاينة. الخشية من عصابات الإرهاب اليهودية المنظمة والمحمية من قبل الحكومة وجيشها، لا من "العنف" الفلسطيني كما يظن البعض، فهذا "العنف"، إن صحّ الوصف أصلًا، سيكون نتيجة وردّ فعل، لا سببًا مباشرًا لتفجُّر الأوضاع. فالفلسطيني يقاوم الاحتلال؛ احتلال طال أمده كثيرًا، بل وأصبحت الدول العربية والغربية تتعامل معه بوصفه قدرًا على الشعب الفلسطيني. بل ويُنتظر من الفلسطيني رفع راية الاستسلام، والقبول بالذل والسلام الاقتصادي، دون حلول تعيد اللاجئين إلى بلداتهم التي هجروا منها عام 1948، ولا تمنحهم أي أفق سياسي يمنحهم الاستقلال في دولة خاصة بهم.
اقرأ/ي أيضًا: "القدس بوابة الأرض إلى السماء".. هوية المدينة وذاكرتها
يبدو أن "رمضان ساخن" قادم، ولكن من سيزرع المتفجرات لجعله متفجرًا. ليست المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال بالتأكيد، بل العصابات الصهيونية التي ارتكبت "محرقة" في حوارة و"باغروم"، وهي الكلمة التي استخدمها يهود روسيا في وصف الهجمات الروسية ضد اليهود خلال الحكم القيصري. واليوم يشجّع وزير مالية الاحتلال والحاكم الفعلي للضفة الغربية بتسلئيل سموتريتش على "باغروم" مماثل. وهو يهودي أوكراني اسمه مستمد من بلدته الأوكرانية، وهو سليل عائلات يهودية تعرضت للعنصرية والمذابح في شرق أوروبا بسبب التمييز، إلّا أنّه يعيد تكرار الأفعال الإجرامية ويحرّض عليها ضد شعب مُحتل، بل ويتحدث عن محو بلدات فلسطينية من الوجود.
يقول مثلُ روسي: "من يزرع الريح يحصد العاصفة"، ومن يزرع الريح اليوم هو جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، هذا إذا فصلنا التاريخ عن أحداث اليوم، واعتبرناها كما تريد الإدارة الأمريكية وأطراف عربية مُطبّعة وتابعة، أن ما يحدث هو "عنف" و"إرهاب" من طرف واحد، هو المقاومة الفلسطينية، في نابلس وجنين على وجه التحديد.
سيكون مفجّر الوضع هو جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه وحكومته الفاشية، التي وصفت من قبل المعارضة الإسرائيلية نفسها بأنها حكومة نازيين جدد ومجرمين
يظنُّ بعض المراقبين أن التحذيرات تعود إلى أسباب أخرى جوهرية، أهمها تزامن "عيد الفصح" اليهودي مع منتصف شهر رمضان والعشر الأواخر منه. وبحكم ما وقع في السنتين الأخيرتين، فإن جماعات "المعبد" الصهيونية اليهودية المتطرفة، تُنفذ في العادة اقتحامات موسّعة للأقصى خلاله، وهذا ما سيؤدي لتفجّر المواجهة مع الاحتلال. وفي كل الأحوال، سيكون مفجّر الوضع هو جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه وحكومته الفاشية، التي وصفت من قبل المعارضة الإسرائيلية نفسها بأنها حكومة نازيين جدد ومجرمين، فهي تمارس الإجرام كل يوم، ولن يكون رمضان القادم استثناءً أو شهر حرام، لكن الاستثناء الذي تخشاه الولايات المتحدة ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية، هو إثارة المشاعر الدينية الإسلامية في رمضان، ووحدة المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولكن قرب الدولتين؛ الأردن ومصر من فلسطين، ستجعل مشاعر شعبيهما هو الأكثر تأججًا، خاصةً الأردن، لذلك عُقدت القمّة في العقبة. وفي خضمِّ ذلك، تظهرُ السلطة الفلسطينية عاجزةً، فهي لن تقوى على منع الانفجار القادم، حتى لو أرادت، كون عنف المستوطنين وجيشهم لن يسمح لها، حتى بالبقاء على الحياد في المعركة القادمة، التي ستكون في أغلب الظن، نسخةً مُحدثة عن هبّة ومعركة أيار عام 2021.