ما زال التحقيق في العراك الّذي حدث في السفارة الفلسطينيّة في بروكسل، وتَعرُّض السفير عبد الرحيم الفرّا للضرب على يد ضابط محطّة المخابرات العميد محمود عمر الريماوي، جاريًا، حيث تنقّلت لجنة التحقيق من رام الله إلى العاصمة الأردنيّة عمّان، ووصلت إلى بروكسل عاصمة بلجيكا، قبل يومين.
وأعادت أزمة السفارة الفلسطينيّة في بروكسل الاهتمام من جديد لوضع سفارات السلطة الفلسطينيّة في العالم، الّتي تُوجّه لها انتقادات دائمة واتّهامات بالمحسوبيّة والفساد.
ينفّذ رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس، سلسلة من التعديلات والتعيينات في السلك الدبلوماسيّ، بناء على وعد قدم للاتّحاد الأوروبّيّ
ووفق مصادر "الترا فلسطين"، فإنّ لجنة التحقيق الّتي اجتمعت في رام الله برئاسة وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجيّة والمغتربين فارسين شاهين، استمعت لأقوال ضابط المخابرات في محطّة بروكسل محمود الريماوي، وانتقلت لاحقًا إلى العاصمة الأردنيّة عمّان، لتستمع لإفادة السفير الفرا الّذي لا يمتلك قدرة على دخول الضفّة الغربيّة المحتلّة؛ لكونه لا يحمل هويّة الضفّة الغربيّة.
وأشارت المصادر إلى أنّه، "قبل أيّام انتقلت لجنة التحقيق، إلى بروكسل لتستمع إلى أقوال موظّفي السفارة حول حقيقة ما حدث وقيام الضابط الريماوي بضرب السفير الفرا أمام الموظّفين في السفارة".
وقالت مصادر لـ"الترا فلسطين"، أنّ اللجنة تدرس إعفاء كلا الموظّفين الدبلوماسيّين الفرا والريماوي من وظائفهما الدبلوماسيّة. وكانت وزارة الخارجيّة الفلسطينيّة قد أعلنت يوم 12 تشرين الأوّل/أكتوبر، عن "تشكيل لجنة للتحقيق والوقوف على ملابسات ما حدث".
وأصدرت عائلة الريماوي في 13 تشرين الأوّل/أكتوبر، بيانًا للرأي العامّ طالبت فيه: "الجهات الرسميّة والقانونيّة الفلسطينيّة المختصّة بتحقيق العدالة وتطبيق نصوص القانون ومحاسبة المجرم المعتدي -في إشارة إلى السفير الفرا- بأقصى العقوبات، حيث تلقّت العائلة بصدمة كبيرة تفاصيل الاعتداء على الحرمات، الّتي تجاوز فيها حدود الله وكرامات الوطن، وذلك ليكون عبرة لمن لا يعتبر وللفاسدين، علمًا أنّ العائلة تسير بمسار عائليّ وعشائريّ موازٍ ومنفصل للمسار القانونيّ والرسميّ حسب عادات وتقاليد شعبنا في هكذا نوع من الجرائم"، وفق ما ورد.
ورغم أن أزمة السفارة في بروكسل "ساخنة"، إلّا أنّ السلك الدبلوماسيّ الفلسطينيّ يشهد تعيينات وتنقّلات هادئة في ظلّ انشغال الشارع الفلسطينيّ بحرب الإبادة على قطاع غزّة.
وأكّد مصدر دبلوماسيّ لـ"الترا فلسطين"، أنّ رئيس السلطة الفلسطينيّة وعد الأوروبيين بأنّه سيقوم بإصلاحات هادئة في السلك الدبلوماسيّ.
أوضح مصدر لـ"الترا فلسطين"، أنّه مع نهاية العام سيكون الجزء الأكبر من السفراء المتقاعدين قد غادر منصبه بشكل فعليّ
وتابع المصدر الّذي اشترط عدم ذكر اسمه لمناقشة هذه القضيّة، قائلًا: "القيادة الفلسطينيّة أخبرت المسؤولين في الاتّحاد الأوروبّيّ، أنّه سيصار إلى إحالة السفراء الّذين وصلت أعمارهم إلى 65 عامًا إلى التقاعد، وعددهم نحو 25 سفيرًا وتعيين سفراء جدّد مكانهم، إلى جانب القيام بتغييرات جذريّة في السلك الدبلوماسيّ".
وأوضح المصدر لـ"الترا فلسطين"، أنّه مع نهاية العام سيكون الجزء الأكبر من السفراء المتقاعدين قد غادر منصبه بشكل فعليّ، على أن تُدار السفارات من قبل من ينوب عنهم أو قائمين بأعمال السفير في حال لم يعيّن سفراء إلى ذلك الحين.
وبالفعل، بدأت عمليّة تعيين صامتة في الأشهر الثلاث الماضية، حيث تسلّمت السفيرة أمل جادو في شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، مكان الفرا، سفيرة في بلجيكا والاتّحاد الأوروبّيّ.
وقدّم نصري أبو جيش، في بداية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري أوراق اعتماده سفيرًا فوق العادة لدولة فلسطين لدى جمهوريّة بلغاريا.
ويرى مصدر لـ"الترا فلسطين"، أنّ تعيين أبو جيش سفيرًا للسلطة في بلغاريا يأتي لـ"مكافأته على عدم الانصياع لأوامر حزبه، حزب الشعب والانسحاب من حكومة محمّد اشتيّة، ردًّا على قتل الأمن الفلسطينيّ الناشط والمعارض السياسيّ نزار بنات". وقرّرت اللجنة المركزيّة لحزب الشعب، في تمّوز/ يوليو 2021، إنهاء عضويّة وزير الحزب ومرشّحه في الحكومة أبو جيش، لعدم التزامه بقرار الانسحاب من الحكومة على خلفيّة "عدم احترام القانون والحرّيّات العامّة".
وتسلّم فايز أبو الربّ، عمله سفيرًا فوق العادة ومفوّضًا لدى دولة قطر في أيلول/سبتمبر الماضي، وكان أبو الربّ يشغل منصب مستشارًا في وزارة الخارجيّة والمغتربين، وذلك بعد أن أصدر رئيس السلطة الفلسطينيّة قرارًا عام 2011 بنقله من عمله موظّفًا في الأمانة العامّة لمجلس الوزراء إلى وزارة الشؤون الخارجيّة بدرجة مستشار.
ودون أيّ إعلان رسميّ غادر السفير فريز مهداوي سفارة فلسطين في الصين، لينوب مكانه نائبه شادي أبو زرقة في إدارة السفارة.
وفي أيلول/سبتمبر، غادرت السفيرة روان أبو يوسف هولندا الّتي بدأت العمل فيها كسفيرة ومندوبة فلسطين الدائمة لدى المنظّمات الدوليّة منذ 2017، لتستلم عملها سفيرة في البرتغال بديلة للسفير نبيل أبو زنيد الّذي بلغ من العمر 70 عامًا، فيما تسلّم مهامّ السفارة في هولندا السفير عمّار حجازي.
وبذات الهدوء وبعيدًا عن "البلبلة الإعلاميّة" كما تُفضّل الرئاسة الفلسطينيّة، باشر مازن غنيم رئيس سلطة المياه سابقًا، عمله في تشرين الأوّل/أكتوبر، سفيرًا لدولة فلسطين في السعوديّة. وغنيم هو الوحيد الّذي عُيّن سفيرًا من خارج السلك الدبلوماسيّ في الآونة الأخيرة من بين الأسماء الواردة أعلاه.
يذكر أنّ رئيس السلطة الفلسطينيّة عبّاس، أصدر قرارًا رئاسيًّا عام 2014 بنقل مازن غنيم من وزارة الحكم المحلّيّ، وتعيينه رئيسًا لسلطة المياه الفلسطينيّة بدرجة وزير، وبعد عشر سنوات عيّن سفيرًا في السعوديّة.
وحول إصرار قيادة السلطة الفلسطينيّة وتحديدًا عبّاس، أن تتمّ إجراءات تعيين، وتنقل السفراء بهدوء ودون إعلان رسميّ كما جرت العادة، قال مسؤول فلسطينيّ مقرّب من الرئاسة لـ"الترا فلسطين"، إنّ "الرئيس أبو مازن لا يريد أن يفتح باب الضغوط والمطالبات من أعضاء تنفيذيّة المنظّمة ومركزيّة فتح والمجلس الثوريّ لحركة فتح، حيث هناك مطالبات كثيرة لعدد كبير منهم أن يتولّى أبنائهم أو أقربائهم رتبة سفير".
قال مسؤول فلسطينيّ مقرّب من الرئاسة لـ"الترا فلسطين"، إنّ "الرئيس أبو مازن لا يريد أن يفتح باب الضغوط والمطالبات من أعضاء اللجنة التنفيذيّة للمنظّمة ومركزيّة فتح والمجلس الثوريّ لحركة فتح، حيث هناك مطالبات كثيرة لعدد كبير منهم أن يتولّى أبنائهم أو أقربائهم رتبة سفير"
وحسب المصدر: "فإنّ اللجنة المركزيّة لحركة فتح، ترى أنّ تعيين السفراء في الدول المهمّة يجب أن يكون بتوافق وموافقة أعضاء اللجنة المركزيّة للحركة، على سبيل المثال الصين وروسيا، التي سيغادرها السفير الفلسطيني عبد الحفيظ نوفل قريبًا".
وتابع المسؤول: "تعيين سفراء جدد لا يقلّ صعوبة عن إصلاح السفارات، حيث تردّ انتقادات دائمة حول عمل السفراء مثل وجود سفير وزوجته يعملان في السفارة نفسها، أو وجود سفير يحمل جنسيّة البلد الّتي يعمل فيها، والكثير من الانتقادات الّتي لا يمكن نشرها".