تلاحق آثار انقطاع التيار الكهربائي سكان قطاع غزة المحاصرين حتى مأكولاتهم، إذ أصبح التيار الكهربائي يصل قطاع غزة ثلاث أو أربع ساعات يوميًا، ما جعل تخزين الأطعمة أو تبريدها في المنازل أو المحلات التجارية أمرًا صعبًا، وبالتالي تحويل الأغذية المجمدة إلى سموم فتاكة، وهي الأزمة التي يستفيد منها بشكل مباشر الاحتلال الإسرائيلي، وهو ذاته المسبب لها منذ 10 سنوات.
"ألترا فلسطين" تواجد في أهم ثلاثة أسواق في قطاع غزة، وسأل بعض بائعي المجمدات عن آلية التخزين في ظل أزمة الكهرباء. يقول أحمد الحلو إنه يعتمد على كهرباء المولدات الضخمة مع جيرانه من أصحاب المحلات، لكنه بيّن أن الاشتراك يمنحهم الكهرباء لـ10 ساعات فقط، تُضاف إليها أربع ساعات مصدرها شركة توزيع الكهرباء.
اللحوم المجمدة في قطاع غزة مسكن مناسب للبكتيريا الممرضة، والمستشفيات تتعامل يوميًا مع عشرات الحالات نتيجة ذلك
ومن أجل حل هذه المشكلة، يشتري الحلو ألواحًا من الثلج الصلب يوميًا لوضعها فوق ثلاجات العرض عندما يغلق محله. يقول إنها تحمي محتويات الثلاجات من التلف أو العفن، وهي ذات الطريقة التي يتبعها بائع اللحوم المجمدة أحمد عوض مؤخرًا، بعد أن أتلف قرابة نصف طن من اللحوم والأسماك المجمدة قبل شهر نتيجة موجة الحر وتعطل الثلاجات.
اقرأ/ي أيضًا: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" بغزة
أما أحمد الجمل، أحد أصحاب المحلات في سوق الشيخ رضوان، فقد استغنى عن التجارة في اللحوم المجمدة وخصص محله لبيع الخضار. يقول لـ"ألترا فلسطين": "اللحوم المجمدة تجارتها في غزة لا تنجح، والمشكلة أن ثلثي الناس يعتمدون عليها لأنها رخيصة واللحوم الطازجة بضعف السعر، لكن لا أستطيع تحمل مسؤوليتي أمام الله في حفظها على أكمل وجه، ومن يستطيع التجارة فيها شركات اللحوم والمحلات الضخمة في مراكز المدينة فهذه تستطيع توفير وقود للتبريد على مدار الساعة".
ويبين الجمل، أن السلطات المختصة ألقت القبض على كثيرٍ من بائعي اللحوم المثلجة الذين يتهربون من الرقابة عند أيام التفتيش، مضيفًا، أنه باع أحد زبائنه 2 كيلو من اللحم المطحون، لكنه أعادها له وهي تحمل رائحة العفن، ما أجبره على الاعتذار وطلب السماح منه وإعادة أمواله له، وعلى إثرها وجد نفسه قد يخسر زبائنه وسمعته، وقرر الانتقال لتجارة أخرى.
تداولت مواقع إخبارية أنباءً عن حملات ضبط بضائع فاسدة في المحلات أو المطاعم على مدار شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو، خاصة مع اشتداد أزمة انقطاع التيار الكهربائي. وفي شهر تموز تحديدًا، تم ضبط كميات كبيرة من اللحوم المثلجة في ثلاجة مطعم شعبي، وكانت تُستخدم في إعداد الشاورما.
كما أعلنت الإدارة العامة لحماية المستهلك في محافظة غزة، غن إغلاق مطعمٍ شعبيٍ في شهر تموز أيضًا، لعدم التزامه بقانون حماية المستهلك بشأن مكافحة التدليس والغش التجاري. وقال مدير مكتب محافظة غزة فارس شحادة، إن قرار الإغلاق جاء بعد أن تم ضبط ما يقرب من طن ونصف الطن من اللحوم المثلجة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي.
السلطات المختصة في غزة ضبطت هذا العام أطنانًا من اللحوم غير الصالحة للاستخدام الآدمي في المطاعم بسبب سوء التخزين
أيمن الزعيم من غزة توقف منذ عام عن شراء المجمدات، بعد أن تعرض للتسمم هو وابنته الصغيرة، نتيجة تناولهم وجبة من صدر الدجاج والكبدة أعدها بنفسه، إذ أُجري له حينها غسيل كامل للمعدة.
اقرأ/ي أيضًا: المقاولات في غزة.. تدليس أم شطارة
خلال الفحص، تبين للزعيم أن نسبة من البكتيريا الممرضة نزلت إلى معدته هو وابنته، ما أحدث غثيانًا ومغصًا شديدًا، لأن المعدة لم تتقبل حجم البكتيريا، يقول لـ"ألترا فلسطين"، إن الطبيب لم يتردد في تحديد مرضه وسببه، مضيفًا، "أخبرني الطبيب أن حالتي واحدة من عشرات الحالات التي تصل يوميًا إلى مجمع الشفاء الطبي نتيجة الأطعمة الفاسدة، وتحديدًا اللحوم المجمدة البيضاء والحمراء".
وتابع، "الطبيب وصف هذه اللحوم بأنها سموم لذيذة، ونصحني بالابتعاد عنها كليًا، لأنها لا تخزن بشكل صحي".
الطبيب المختص في الجهاز الهضمي طلال أبو زينة، أكد لـ"ألترا فلسطين"، أن منظمة الصحة العالمية أوصت بعدم إعادة تجميد اللحوم مرة أخرى لأنها تجمع البكتيريا المضرة في جسم الإنسان. لكن على صعيد الأسواق في قطاع غزة، وتحديدًا الأسواق الشعبية، يعرض الباعة أمام الجميع لحومًا تسبح في الثلوج، ثم يشتريها الزبون ويخزنها في المنزل مرة أخرى.
ويقول أبو زينة: "أغلب اللحوم المجمدة في غزة لا يتم تخزينها وفق معايير منظمة الصحة العالمية، ومن الطبيعي جدًا أن تحتوي على 5 أنواع بكتيريا ممرضة تعيش على الهواء، بعد أن يفك الجليد عنها فتتكاثر وتتنامى. وعلى مدار سنوات من التناول تشكل سمومًا متراكمة، وتختلف آثارها باختلاف الأجسام، لكن لا بد من أنها تضر الكل بنسب متفاوتة".
ويصل استهلاك قطاع غزة من اللحوم والأسماك المجمدة إلى ألفي طن شهريًا، وفق طاهر أبو حمد مدير عام التربية الحيوانية في وزارة الزراعة بغزة، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنسبة لمنطقة جغرافية صغيرة يسكنها مليوني شخص.
أغلب المجمدات التي تدخل قطاع غزة مصدرها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاصر القطاع ويروج فيه منتجاته معززًا بذلك قوة اقتصاده
ويوضح أبو حمد، أن اللحوم البيضاء المجمدة التي دخلت قطاع غزة الشهر الماضي بلغت نحو 800 طن، إضافة لـ347 طن من اللحوم الحمراء، ونحو 261 طنًا من أحشاء الدجاج الداخلية، ونحو 322 طنًا من الأسماك المجمدة، لكنه استدرك قائلاً، إن كل أنواع المجمدات التي تستورد يتم أخذ عينات منها وفحصها بمختبرات وزارة الاقتصاد، إضافة لفحصها من قبل الأطباء البيطريين العاملين في المعبر، مشيرًا إلى أن معظم المجمدات يتم استيرادها من داخل الخط الأخضر.
ويعلق الخبير الاقتصادي مازن أحمد، قائلاً، إن قطاع غزة في قضية المجمدات بين نارين، ففي الوقت الحالي يحتاج لها قطاع غزة أكثر من أي وقت مضى، وفي نفس الوقت لا يستطيعون توفير الحماية والتخزين اللازمة لها على مدار الساعة، مضيفًا، أن الحاجة الماسة لها ترجع إلى إنتاج المزارع الحيوانية في القطاع المحاصر أقل من نصف المكيات المطلوبة من اللحوم البيضاء والحمراء، خاصة آخر ثلاثة أعوام.
ويشير أحمد إلى أن المشكلة تفاقمت بسبب ضعف تنوع الثروة السمكية مؤخرًا، وقد زاد ذلك تلوث البحر بالمياه العادمة غير المكررة، ما أبعد الأسماك عن الشواطئ والمنطقة التي يسمح الاحتلال الإسرائيلي للصيادين بدخولها للصيد منها. ويرى أن الاحتلال الإسرائيلي يستفيد في هذه الجوانب من خلال إدخال أطنان من المجمدات لغزة، وبالتالي تسويق منتجاته وتعزيز قوة اقتصاده على حساب السكان المحاصرين في قطاع غزة.
اقرأ/ي أيضًا:
في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط