وبينما تنهال القنابل من السماء مثل الشُّهب، والعمارات العالية تنهار مرة واحدة، مثل ألواح الزجاج، كان يشغلني في ذلك الوقت صوت الطفل الذي يصرخ بعد كل انفجار.
كنت أسمع شهقته المخنوقة من الرعب، وصدى بكائه الذي يتردد في مخبأي، حيث أقرفص في زاوية مظلمة من البيت وأنا أشدُّ خوفًا منه، ولكنّه أكثر شجاعة في التعبير عن مشاعره منّي، فملأ ببكائه الفراغ الصامت الذي أحدثه فزع الناس من الطائرات.
قنبلة أخرى انفجرت، صمتَ الطفل، يبدو أنها استهدفته هو بالذات، هل تمزّق جسده الصغير مثلما كُنّا نرى في التلفاز، أو أنّ شظية اخترقت ظهره مثل "إيمان حجو" بنت الأربعة أشهر، وسيعرض الآن لحمه الطري أمام الكاميرات.. وأبوها رافع ذراعيه للسماء وللطائرات ويصرخ: ماذا فعلت إيمان كي تقتلوها؟
خفتُ أن يتكرر مشهد إيمان مرّة ثانية أمامي، ولكنّي تذكرت أنهم قصفوا محطة الكهرباء، والمدينة الآن كلها غارقة في الظلام، باستثناء ومضات التفجير، مثلما أغرق أنا في دموع طفل يبكي على بعد مئات الأمتار، ولكن كان لصوته دموع تسيح من سقف الغرفة التي أختبئ فيها مثل تفشّي الرطوبة.
وضعت يدي على مقبض الباب، فتحته، وخرجتُ للشارع، أتتبع صوت بكاء الطفل بين البيوت، وبعكس ما كنت أتخيل؛ كلما أوغلتْ قدماي في المدينة المظلمة، وابتعدت أكثر عن سكناي، كان صوته يخفت ويكاد يختفي، حتى غاب نهائيًا، كأنّ أمّه احتضنتهُ وهدهدتْ عليه، أو أن الطفل الباكي كان في داخلي وظلّ هناك مختبئًا يرتجف في زوايا البيت، وها أنا الآن أسيرُ من دونه في شوارع المقاومة.
اقرأ/ي أيضًا: