21-يوليو-2018

توارث أبناء الهندي صناعة القصب ولا زالوا حتى اليوم يعملون بها - تصوير عاطف دغلس

بيدين نحيلتين يمسك العشريني قيس الهندي حزمة من عصي القصب ويبدأ بفرزها واستصلاح الجيد منه، ليحولها بذات اليدين إلى "لوحة فنية" متماسكة تصير جدار  زينة أو مظلة (عُرش) يرد لهيب الشمس.

على كرسيه البلاستيكي يجلس قيس أو "نسَّاج القصب" كما بات معروفا  ليواصل عمله بجمع أعواد القصب تمامًا مثلما يفعل عمه محمد الهندي (40 عامًا). بينما كان ناصر (عم محمد الأصغر) ينشغل بقطف القصب من أحد الأودية القريبة في قرية الباذان شمال مدينة نابلس.

منذ ست سنوات تطورت صنعة نسج القصب لعمل الجدران والمظلات للحدائق والمتنزهات والمنازل

مثل خلية نحل ينشغل قيس وعائلته هذه الأيام أكثر من غيرها خلال السنة في حرفة اعتادوها منذ نحو أربعة عقود، وإن اختلف شكلها الآن عما كانت عليه سابقًا، فمنذ ست سنوات لم تقتصر صنعتهم على سلال القصب والفُرُش الصغيرة، بل تطورت لعمل الجدران والمظلات للحدائق والمتنزهات والمنازل بأطوال وأحجام مختلفة.

[[{"fid":"72723","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

[[{"fid":"72724","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

بدا قيس مع ساعات الظهيرة حين التقيناه منهكـًا، كان قد استيقظ باكرًا للمباشرة بالعمل قبل أن تشتد عليه حرارة الشمس، فعمل الشاب ينقسم إلى فترتين صباحية وأخرى مسائية.

احتراف العمل

يروي الشاب قيس لـ الترا فلسطين - بينما يشد بيده عصي القصب لجانب بعضها - أن غالب أفراد العائلة يشتركون عادة في العمل، وكلٌ يعرف مهمته وينفذها بانسجام "فننتج أفضل الأنواع وأجودها لزبائننا".

اقرأ/ي أيضًا: حلاوة شاور.. علامة خليلية في مواجهة التهويد الإسرائيلي

بين واجهتين من الأسمنت تتأرجح أسلاك حديدية لتوضع فوقها أعواد القصب، ثم تُرصُّ بمحاذاة بعضها بشكل منتظم لتبدأ يد النسَّاج بواسطة عود صغير أشبه بالمسلَّة تتداخل بينها لشدها وتوثيقها وجعلها متكاملة. وهي تنتج بالحجم والشكل المطلوب، وعادة ما يصل طول الفرش لخمسة أمتار، وبعرض متر واحد، ويحوي أكثر من 100 عود.

يُلقي قيس ما تم نسجه من القصب أرضًا ثم يطويها قبل أن يُحوِّلها لحزم، يتأبطها بين ذراعيه ليسندها لأحد الجدران لعرضها للبيع، وتُعدُّ حسب رغبة الزبون الذي يحدد الشكل الذي يريد، وإذا ما كان يريدها القصب بقشرته الخارجية أم دونها، أم يريده مطليًا "وكل شكل له سعره".

[[{"fid":"72727","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"8":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"8"}}]]

[[{"fid":"72726","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

يستقل قيس وأعمامه محمد وناصر كل بعمله لوحده وبزبائنه أيضًا، تجمعهم الخبرة ومكان العمل وصنعة احترفوها منذ أجل، وصار همهم التفرد بها لإخراجها بأحسن حِلَلِها شكلاً ونوعًا.

صنعة متوارثة

دأبت عائلة الهندي على نسج القصب، توارث الأبناء المهنة وأضفوا عليها ميزة بالشكل والنوع، فلم تعد تقتصر على السلال أو الفُرش القديمة، بل تطورت وتنوعت لتشمل أشياء جديدة ومختلفة.

[[{"fid":"72728","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"9":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"9"}}]]

كان للمكان الذي تقطنه عائلة الهندي أثره في تطوير صناعتها ورواجها، فمنزلها يعد نقطة التقاء بين قرى ومدن شمال نابلس، وهناك أيضًا تنتشر الأودية حيث ينبت القصب "فهو يحتاج للمياه والرطوبة لينمو بكثافة" يقول محمد الهندي.

اقرأ/ي أيضًا: "تشبارة" الفلاحين.. صناعة حققت اكتفاء ذاتيا قبل قرن ونصف

تنمو شجيرات القصب طوال العام، وتكون أكثر ملاءمة خلال حزيران/يونيو وحتى أيلول/سبتمبر، وإذا ما قطفت في شهر أيار/مايو تنمو مرة أخرى بشكل أسرع.

[[{"fid":"72718","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

واستخدم القصب قديمًا في بناء المنازل (الطين والقصب)، يستدرك محمد قائلاً إنه ومن وقت قريب رممت مؤسسة أجنبية منازل مواطنين في إحدى قرى مدينة جنين بهذه الطريقة.

يضيف محمد لـ الترا فلسطين - بينما يلف حزم القصب المصنعة - أن بضاعتهم أضحت رائجة في مدن الضفة الغربية سيما الجنوبية منها، وفي الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وأن هذا ضاعف إنتاجهم لأكثر من 500 متر سنوي.

يعكس ذلك محاولة "التفرد والريادة" التي تسعى لها العائلة، ولذلك يسري ناصر شقيق محمد باكرًا لجمع القصب من مناطق عدة، بعض القصب يدفعون ثمنه لأصحابه وآخر  ينتشر في مناطق عامة.

تستغرق "القطفة" الواحدة أكثر من ثمان ساعات، يقول ناصر - بينما كان يترجل عائدًا - للتو من مهمته الشاقة في جني القصب، إنه يستخدم لذلك منجله الحديدي "فهذا النبات يُعرف بقساوته وقوته".

[[{"fid":"72719","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

منغصات الاحتلال

في مهمته الصعبة خلال قطف القصب يواجه ناصر الخنازير البرية التي يطلقها الاحتلال، ويمنع الاقتراب من مناطق "سي" أو "المحميات الطبيعية" وفق تصنيف الاحتلال، ويعاقب بالحبس والتغريم ماليًا كل من يخالف، "فقبل أقل من سنة احتجز الجنود مركبتنا لأربعة أشهر وغرِّموا بثلاثة آلاف دولار"، يقول الرجل، أما جفاف ينابيع المياه فهو مهدد آخر لحاصدي القصب.

رغم ذلك يبقى للمهنة رونقها وجمالها واستخداماتها المتعددة ليس في المتنزهات والحدائق العامة كما هو الحال في قرية الباذان وإنما في المنازل أيضا، تمامًا كما فعل ضياء جناجرة الذي ينحدر من القرية نفسها.

من قريب انتقل جناجرة للعيش بمنزله الجديد، وليضفي عليه جمالاً زانه بمظلات (معرشات) القصب بمحيطه وفوق مدخله، يقول إنه نصب حتى الآن حوالي 50 مترًا وهو يعكف على نصب المزيد منها، مبينا أنها وإضافة لمنظرها الخلاّب فهي "تلطف الجو وترطبه". وهي أيضًا أقل كلفة بكثير من مظلات القرميد أو الصفيح والبلاستك وأكثر جمالا، كما أنها عازلة ومقاومة لأشعة الشمس والأمطار في الوقت ذاته.

لا يُخال لكثيرين أن لأعواد القصب الصامدة والمتناثرة على ضفاف الأودية وينابيع المياه حكاية تنسجها عائلة الهندي وآخرون ممن احترفوا الصنعة وسطروا عبرها صمودا توارثه الأجيال ويكسبون عبره قوتهم.

[[{"fid":"72721","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

[[{"fid":"72722","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]


شاهد/ي أيضًا:

فيديو | غابة صبار في غزة

فيديو| آية كشكو مديرة البساطة

ذكرى وسجى.. الحلويات فن أيضًا