بعد يومٍ شتوي ماطر، وتقاطر زخات المطر على أشجار الزيتون في قطاع غزة لتغسل عنها الأتربة مُعلنةً حلول "تصليبة أيلول" كما يسميها المزارعون، شرع مجموعة من الشباب، الذين يجدون في موسم قطف الزيتون فرجًا محدودًا ومؤقتًا، في التوّجه للأراضي الزراعيّة، استعدادًا منهم لتجهيز الأرضِ وتسويتها قبل القطف، وطرح الناتج من المحصول في الأسواق المحليّة نزولًا عند رغبةِ صاحب الأرض.
مع بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر يبدأ موسم الزيتون في فلسطين، ومنها قطاع غزة، ويُعتبر من أهم المواسم بالنسبة للمزارعين والفلاحين، خاصة في قطاع غزة المحاصر، إذ تجني منه عائلات كثيرة قوت يومها، سواء من خلال العمل في قطف الزيتون، أو من خلال بيعه بالنسبة لأصحاب الأراضي.
"ألترا فلسطين" رافق مجموعة من العاملين في قطف الزيتون خلال عملهم الذي يبدأ قُبيل ساعات الصباح الأولى وينتهي مع أذانِ المغرب.
في غزة تتراوح أجرة العامل في قطف الزيتون بين دولار، ودولار ونصف، ويستمر عملهم لـ12 ساعة يوميًا تقريبًا
الشاب عماد النمروطي (22 عامًا) طالبٌ في كلية الآداب بإحدى جامعات قطاع غزة، مع أولى ساعاتِ عمله، انتعل حذاءه الرياضي ذو اللون السكني، ووضع على رأسه قبعة من القش تقيه حرارةَ الشمس، وتحمي وجهه من خدش الأغصان غير المُقلمة، حاملًا معه مجموعةً من الأكياس البيضاء الفارغة، فيما تبعه زميله بسلّمٍ خشبيٍ طويل يساعده في الوصول إلى أعالي الأشجار.
اقرأ/ي أيضًا: "أبو المواسم".. فرحة الفلاحين
يتنقل العمال بين أشجار الزيتون، يفرشون قطع البلاستيك أو الخيش تحت الشجر؛ لتغطية المساحة كاملة حتى لا تتساقط حبات الزيتون خارجها، وينقسمون إلى مجموعتين، تتولى إحداهما قطف الزيتون عن الشجر، والأخرى جمعه عن الخيش وتنظيفه من الورق ليصبح جاهزًا للعصر.
ساعات العمل التي تصل إلى نصف يوم كامل، تقابلها أجرة تتراوح بين 50 – 70 شيقلًا (15 – 20 دولارًا) وفق ما أفادنا به النمروطي مع ابتسامة خفيفة، مبينًا أن تكلفة الساعة الواحدة تتراوح بين 3 – 5 شواقل (دولار – دولار ونصف)، وتختلف هذه الأجرة حسب المساحة وساعات العمل، وعدد الأكياس التي يجمعها العمال خلال اليوم.
يضيف النمروطي أنه لا توجد أجرة ثابتة متفق عليها في قطف الزيتون، وإنما يكون الأمر وفقًا للاتفاق مع صاحب الأرض. هنا قاطعهُ زميلهُ عثمان السموني مشتكيًا من سوء الوضع الاقتصادي الذي أوصله إلى هذا العمل، بعد ثلاث سنوات من تخرجه حاملًا شهادة في الأشعة. يقول عثمان إنه يعمل طوال اليوم فقط من أجل تحصيل مصروفه الشخصي.
ويقدّر عدد الأيدي العاملة في قطاع الزيتون هذا الموّسم بسبعة آلاف أسرة، بمتوسط 5 أفراد، ليستفيد بالتالي 35 ألف شخص من هذا الموسم.
يذكر أنهُ بحسب تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني عام 2016، فإن نسبة البطالة في الضفة وقطاع غزة بلغت بين الذكور 24%. أما بالنسبة للأجور، فقد أوضح التقرير، أن معدل الأجر اليومي الحقيقي للمُستخدمين بأجر في قطاع الزراعة سجل أدنى معدل أجر يومي، بواقع 55 شيقلًا في الضفة الغربية و24 شيقلًا في غزة، كما بلغ معدل ساعات العمل الأسبوعيّة حوالي 42 ساعة عمل.
تحدثنا إلى المزارع عبدالله الخطيب، صاحب قطعة أرض زراعية، لسؤاله عن الأسباب وراء انخفاض أجور العاملين لديه، فبرر ذلك بالقول إنّ انخفاض الإنتاج هذا العام أثّر سلبًا على الربح العائد من الإنتاج العام، خاصة بعدَ رفع أسعار المبيدات الحشريّة الخاصة بالشجر والأسمدة، مبينًا أن تكاليف القطف تُشكل ما بين 35– 40% من مجمل التكاليف الكليّة لدونم الزيتون الواحد.
يبرر أصحاب الأراضي في غزة ضعف أجور عمال قطف الزيتون بانخفاض إنتاج الأشجار، مقابل ارتفاع أسعار المبيدات الحشرية والأسمدة
ويبين الخطيب، أن النقص في معدات الإنتاج خلال موسم الزيتون من أبرز المشكلات التي يواجهها، "فهي إن وجدت تكون مرتفعة السعر، إضافة لصعوبة توافر قطع الغيار خاصة لأصحاب المعاصر".
ووفقاً لقانون العمل الفلسطيني المُعدل 2012-2013، وحسب المادة (24) منه، فإن عقد العمل الفردي "اتفاق كتابي أو شفهي صريح أو ضمني يبرم بين صاحب عملٍ وعامل لمدة محددة أو غير محددة، لإنجاز عمل معين يلتزم بموجبه العامل بأداء عمل لمصلحة صاحب العمل وتحت إدارته وإشرافه، ويلتزم فيه صاحب العمل بدفع الأجر المتفق عليه للعامل".
فيما تنص المادة (27) من القانون على أن "يتمتع العاملون بعقود عمل محددة المدة، بمن فيهم العاملون بموجب عقد عمل عرضي أو عقد عمل موسمي بنفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات التي يخضع لها العاملون بعقود عمل غير محددة المدة، على أن تتخلل ساعات العمل اليومي فترة أو أكثر لراحة العامل لا تزيد في مجموعها عن ساعة، مع مراعاة ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعاتٍ متصلة" بحسب المادة (28).
ويجيز القانون للطرفيّن، بحسب المادة (71) منه،" الاتفاق على ساعات عمل إضافيّة لا تتجاوز اثنتي عشرة ساعة في الأسبوع بحيث يُدفع للعامل أجر ساعة ونصف عن كل ساعة عمل إضافيّة".
هناك تراجع في إنتاج الزيت بغزة هذا العام، ما أدى لعجز يقدر بـ1200 طن من الزيت، ويُتوقع أن يتم تعويض ذلك من الزيت المبيّت
المهندس محمد أبو عودة، رئيس قسم البستنة الشجريّة بوزارة الزراعة في غزة، أوضح لـ"ألترا فلسطين"، أن مساحة أشجار الزيتون في القطاع تصل لـــ38 ألف دونم، والمثمر منها حوالي 28 ألف دونم، وقد قُدّرَ إنتاج هذا العام للدونم الواحد بحوالي 650 كيلوغرام من الزيتون، ووصل إنتاج المساحة المثمرة لـــ20ألف طن، وهي أقل من إنتاج العام الماضي الذي وصل لـــ30 ألف طُن.
ومن المتوقع، وفق أبو عودة، أن يذهب 5 آلاف طُن من الناتج للتخليل، و15 ألف طُن لعمليات العْصر، موزعين على 29 معصرة زيتون ممتدة من شمال القطاع حتى جنوبه، على أن ينتُج منها 2700 – 2800 طن زيت، غيرَ أن احتياج القطاع يصل لـــ4000 طن من الزيت سنويًا، ما يعني وجود عجز يُقدر بــ1200 طن من الزيت إجمالًا.
وينوّه أبو عودة إلى أنه تم رصد حوالي 1000 طُن زيتْ مُبيّتة من العام الماضي لدى المُزارعين، ما قد يوّصل القطاع لحالة من الاكتفاء الذاتي هذا العام.
وأشار أبو عودة إلى أن ضعف القوة الشرائيّة في غزة عمومًا، أثّر على أذواق الناس واستهلاكهم، وحالَ دون شراء تنكة الزيت كاملةً لدى البعض، بعد أن وصل سعرها إلى 100 دينار أردني (ما يعادل 145 دولارًا).
اقرأ/ي أيضًا:
بين النبي والقديسة.. مواسم للفلاحين