ينشط عاصم عصيدة (40 عامًا) من قرية تل جنوب غرب نابلس منذ عدة سنوات، في إعادة إحياء البيوت القديمة وترميمها في بلدته الشهيرة بمبانيها وحاراتها الأثرية. عاصم، الذي يعمل مترجمًا قانونيًا في اللغة العبرية، لم يدرس علم الآثار والترميم في الجامعة، لكنه ورث هذا العلم كهواية وشغف عن والده الذي كان مشهورًا في إتقانه لبناء الحجارة القديمة.
عاصم، الذي يعمل مترجمًا قانونيًا في اللغة العبرية، لم يدرس علم الآثار والترميم في الجامعة، لكنه ورث هذا العلم كهواية وشغف عن والده الذي كان مشهورًا في إتقانه لبناء الحجارة القديمة.
بداية القصة كانت من بيت عائلته الذي يعود بناؤه إلى الحقبة العثمانية، ويقدر عمره بما يزيد عن 200 عام. يقول عاصم إنه أمضى شهورًا في إعادة ترميم المنزل الذي يتميز بأقواسه وحجارته الرملية وسقفه المقبب، ثم انتقل إلى ترميم رواق للعائلة يشبه المصلى المرواني في المسجد الأقصى، ومنزل آخر يقدر عمره بأكثر من 100 عام، يوجد به "عليَّة"، وهي غرفةٌ في الطابق الثاني من المباني القديمة، ويجمع بين الطراز القديم والحديث للبناء.
"شغف" عاصم بالمنازل والمباني القديمة الذي "يفوق الحد" وفق وصفه، دفعه للاستمرار في ممارسة هذه الهواية التي تحولت فيما بعد لمهنة، إلى جانب عمله في الترجمة، وإدارة موقع عبر الإنترنت مختص في متابعة الأرصاد الجوية. فبعد إتمامه المنزلين السابقين، بدأ يتلقى طلبات مواطنين لإعادة ترميم بيوتهم القديمة، خاصة في الحارات القديمة، وهو يعمل حاليًا على ترميم بيت "عقد قديم" يُقدر عمره بـ150 عامًا.
مؤخرًا، بدأ عاصم بعرض بعض من أعماله في ترميم وإحياء المنازل القديم عبر حسابه على فيسبوك. يقول: "بعدما بدأت بنشر أعمالي، وصور المباني الجميلة بعد ترميمها، بدأت أتلقى العديد من طلبات إعادة ترميم بيوت قديمة من قبل مواطنين، فيما طلب آخرون شراء منازل قديمة، لكن للأسف قدراتي متواضعة ولا أستطيع تلبية جميع الطلبات".
ويضيف عاصم أن العمل في ترميم البيوت القديمة شاقٌ، وترميم بيت واحد يستغرق عدة شهور، مبينًا أنه يعتمد في عمله على الأدوات اليدوية ولا يستخدم أي معدات كهربائية نظرًا لدقة عملية الترميم، وللحفاظ على الحجارة القديمة.
وأوضح أنه يُخصص وقته الصباحي للعمل في الترجمة، ثم ينتقل إلى الترميم بعد العصر وحتى ما بعد منتصف الليل.
سألنا عاصم أن يُلخص لنا خطوات عملية الترميم، فأجاب منوهًا أن البيوت القديمة تختلف عن بعضها من حيث الهيئة والتركيب والبناء الداخلي، وتبعًا لذلك تختلف الخطوات من منزل إلى آخر. فكثير من البيوت القديمة تكسو جدرانها الداخلية -المبنية من الحجارة القديمة- طبقةٌ من الاسمنت، وقد لجأ المواطنون إلى ذلك قبل ما يزيد عن 50 عامًا، خوفًا من اختباء الحشرات والزواحف بداخلها، "لكن ذلك يُخفي المعالم الجميلة للجدران" حسب قوله.
وأوضح، أن بداية الترميم تكون بنزع طبقة الاسمنت بدقة، ويستخدم في هذه العملية مطرقة وإزميل، حتى لا يتضرر جسم الحجر الأساسي، ثم يبدأ بعملية تكحيل الحجر بمواد بناء متينة مكونة من الاسمنت الأبيض والغراء، للمحافظة على شكله ورونقه، ثم يغسل الحجر بسائل "ماء النار" لتنظيفه من الشوائب العالقة به، وفي النهاية تكون مرحلة الدهان بطلاء شفاف يمنح الحجارة لمعة جذابة ويمنع اتساخه مرة أخرى.
البيوت القديمة تختلف عن بعضها من حيث الهيئة والتركيب والبناء الداخلي، وتبعًا لذلك تختلف الخطوات من منزل إلى آخر. فكثير منها تكسو جدرانها الداخلية طبقةٌ من الاسمنت، وقد لجأ المواطنون إلى ذلك قبل ما يزيد عن 50 عامًا
ويحاول عاصم نشر فكرة إحياء البيوت والمنازل القديمة في بلدته التي تضم عشرات المنازل والبيوت القديمة المهجورة، مؤكدًا أن العائد المادي لن يحول بينه وبين ترميم أي منزل قديم "حفاظًا على تاريخ وتراث الآباء والأجداد" وفقًا له.
يعتقد عاصم أن إعادة ترميم البيوت والمباني القديمة في قرية تل من شأنه أن يحول القرية إلى "تحفة أثرية" حسب تعبيره، فهي تضم عشرات المنازل القديمة المهجورة التي يناهز عمر بعضها ألف عام، هذا عدا عن مبانٍ أخرى "مطمورة في الرمال" كما يقول، ولذلك فهو يأمل أن يهتم المجلس القروي بإعادة ترميم هذه المباني.
وتقع قرية تل جنوب غربي نابلس، وسميت بهذا الاسم بسبب وقوعها على تلة مرتفعة عن سطح البحر 2064 قدمًا، ويعود تاريخ إنشائها إلى فترة الحكم البيزنطي.
ويوجد في قرية تل العديد من الأماكن والمناطق الأثرية المهملة والمهجورة، منها خربة الصورتين، خربة أوفار، خربة كفرور، الخرابة، خربة فقاس، خربة طفسه، خربة العين، خربة الكرم، كما تعد الحارة الشامية من أبرز المعالم الأثرية في بلدة تل، وقد هجرها سكانها جميعًا للعيش في المباني المبنية على الطراز الحديث.