30-سبتمبر-2018

في شارع باريس أو "الملكة زين" سابقًا، اكتمل حلم وليد سمَّور، ودقَّ بيديه أول أوتاد مشواره في صناعة البوظة، تلك المهنة التي أحبها وتفنن في صناعتها لعشر سنوات قبل أن يخوض التجربة بنفسه ولوحده.

عقب احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 بسنتين فقط، كان سمّور هائمًا داخل فلسطين المحتلة عام 1948 يريد عملاً يقيه شر السؤال وينفق به على عائلته، فعثر على ضالته في معمل للبوظة، حيث قضى عشر سنوات كاملة قبل أن ينفرد بعمله الخاص.

يصنع وليد سمّور بوظة "الجليتو" التي يختلط بها الحليب مع النكهات والأطعمة المختلفة، بعيدًا عن المثلجات والأصباغ

كان سمَّور (66 عامًا) حينها يبحث عن ما يضيف الجديد وينطلق به للمستقبل وعدم البقاء رهين العمل أجيرًا، ليخوض غمار العمل مستقلاً وينشئ مصنعه الأول للبوظة بمدينة طولكرم تحت اسم "بوظة عصر الفضاء" ويختص ببوظة "الجليتو" التي يختلط بها الحليب مع النكهات والأطعمة المختلفة بعيدًا عن المثلجات والأصباغ.

[[{"fid":"74624","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

في بداياته كان الرجل لا يملك سوى آلة واحدة تمكنه من خلط المواد، وكانت تُدار يدويًا، بينما يغلي الحليب (عملية البسترة) جانبًا دون آلة، لينجح وخلال وقت قصير بتصنيع البوظة التي أراد وبأطعمة مختلفة تجاوزت الأربعين طعمًا "لكن ما يطلبه الزبائن بشكل دائم يقتصر على 22 منها فقط" كما يقول.

تطور عمل سمّور أكثر مستعينًا بخبرة الإيطاليين في تصنيع البوظة أو الآلات الخاصة بصناعتها لا سيما ماكينة البسترة (غلي الحليب وتعقيمه)، ويقول إن ذلك كان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث أنشأ مصنعًا مستقلاً قرب منزله في الحي الشرقي لطولكرم.

[[{"fid":"74630","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"9":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"9"}}]]

لم يُوثَّق فلسطينيًا، تاريخٌ محددٌ لصناعة البوظة بأنواعها المختلفة؛ ومن كان له الفضل في ذلك تحديدًا، لكن ذلك لم يمنع تبني أشخاصٍ معينين للفكرة وتفردهم بصناعتها دون غيرهم قبيل النصف الأول من القرن الماضي، غير أنها - كما يعتقد كثيرون - لم تكن لتضاهي الشكل والطعم الذي تميز به سمَّور. هذا التميز يكمن في سر الرجل وصنعته التي لم يبدها لأحد إلا لنجله محمد، ورغم ذلك هو "لا يحيط بكل التفاصيل" وفق الحاج سمَّور، بينما يُحضِّر مع زوجته خلطته المعهودة من البوظة.

[[{"fid":"74625","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

مصنعٌ من ست آلات ضخمة يقف على عامل واحد هو الحاج سمَّور، تساعده زوجته بعض الشيء لكنها لم تصل رغم عملها الممتد لعامين إلى "إتقان" زوجها في التصنيع ومعرفة الكميات المحددة للخلطات، وربما لاحتكار السر هذا ما يبرره لدى الرجل الذي يرفض توسيع نطاق عمله عبر توزيع بضاعته والبيع بكميات كبيرة وإبقائه مقتصرًا على متجره فقط.

مصنعٌ من ست آلات ضخمة يقف على عامل واحد هو الحاج وليد سمَّور

بدا الرجل واثقًا من كلامه وهو يحدثنا، بأنه يعرف ما يصنع لزبائنه القادمين من مدن محلية وعالمية، فالسر في الطعم الذي لم يتغير طوال نصف قرن، أنه لا يريد كسب المال الكثير مقابل الجودة التي عُرف بها ورفض لأجلها عروضًا تجارية كثيرة، رافعًا شعاره المعهود "سري مخبى تحت قرشي".

[[{"fid":"74627","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

في الاسم أيضًا (عصر الفضاء) تجد سرًا آخر، إنه إعلان تجاري كان يشاهده الحاج سمَّور على إحدى قنوات التلفزة مطلع سبعينيات القرن الماضي، فاستهواه واختاره اسمًا لمصنعه رغم نصائح مقربين منه بتسمياتٍ أخرى كبوظة سمَّور أو الشرق.

ولأجل الحفاظ على صنعته، يقصد الرجل إيطاليا سنويًا باعتبارها "الأشهر عالميًا" بصناعة البوظة، ومنها بدأ مشوار حياته، وهو يستورد الآلات وجُلَّ المواد الخام منها، وحتى الأواني التي يعد بها البوظة ويقدمها للزبائن.

[[{"fid":"74626","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

وفي إيطاليا أيضًا التقى سمَّور عمالقة البوظة العربية، السوري بكداش والأردني عطا علي، واستطاع أن يصنع منتجًا فلسطينيًا يضاهي ويتفوق بالجودة، لا سيما "المستكة" العربية، كما أحدث تغييرًا في بعض المكونات ليجعل من بوظته رائجة في الشتاء كما فصل الصيف.

في عادته لا يفضل سمَّور البقاء في المتجر ويقتصر دوره على التصنيع فقط، يترك تلك المهمة لابنه محمد الذي درس التسويق ومارسه واقعًا، ويحاول الاستفادة من خبرة والده وأخذ كل جديد عنه لتطوير نفسه.

[[{"fid":"74629","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"8":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":427,"width":640,"class":"media-element file-default","data-delta":"8"}}]]

في المحل الذي بالكاد يتسع لعددٍ قليلٍ من الطاولات والمقاعد، كان سامر حرب يجلس قبالتنا، أحضر معه قريبه القادم من السعودية للمكان المفضل لديه ويتناول فيه البوظة.

يقول حرب إنه اعتاد منذ سنوات طويلة أكل البوظة هنا والجميل أنه يتناول البوظة بذات المذاق، ويضيف والابتسامة تعلو وجهه "وصلنا الفضاء بالبوظة".

ظلت الغرابة في الاسم (عصر الفضاء) والطعم تأسران الزبائن وكل من يدخل المدينة، وهناك في غرفة لهم يقيمون بها قرب الجدار الفاصل الذي طوَّقت به إسرائيل طولكرم كما بقية مدن الضفة الغربية، خط متضامنون أجانب على أحد جدرانها عبارة تقول: "من يقصد طولكرم ولم يأكل من بوظة عصر الفضاء، فهو لم يزره".


اقرأ/ي أيضًا:

صور | مهند حجي.. نفش في التاريخ

صور | القصب.. أعواد ينسجها محترفون

صور | منتهى ياسين.. بالورد تحيا