05-أكتوبر-2024
النزوح في غزة

(Getty) نازحون من غزة يتحدثون لـ"الترا فلسطين" عن نزوحهم الطويل

عام مضى، ولا تزال معاناة مئات آلاف النازحين من شمال غزة إلى وسط وجنوب القطاع تتعمق وتتعقد أكثر فأكثر، وفي ظل العيش في خيام بالية ومراكز إيواء عشوائية، لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة الآدمية، فإن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول هذه المعاناة إلى ورقة مساومة وتفاوض. 

وبعد عام من الحرب، يعيش أهالي قطاع غزة إحدى أقسى وأصعب تجارب النزوح التي شهدها الشعب الفلسطيني، ويعود جيل جديد لعيش تجربة النزوح واللجوء بعد 76 عامًا على النكبة الأولى.

نازحون غزيون يتحدثون لـ"الترا فلسطين" عن قصص نزوحهم والمعاناة المستمرة لهم، والأمنيات بالعودة

قسرًا، ترك النازحون منازلهم بينما كانت نيران الطائرات والدبابات والبوارج البحرية تتساقط عليهم من كل اتجاه، حملوا ما يمكن حمله من أمتعتهم، وفروا بأرواحهم وأطفالهم، مع أملهم منذ يوم النزوح الأول، بالعودة بعد بضعة أيام.

أربعة فصول من المعاناة مرت وكأنها دهر طويل، نحلت فيها الأجساد، وأرهقت الأرواح، وصبغت فيها الشمس لون الجلود، وجمد برد الشتاء أطراف الصغار والكبار. وبعد مرور عام كامل على معاناة النازحين من شمال غزة إلى وسط وجنوب القطاع، يسلط "الترا فلسطين" الضوء على قصص أربع عائلات نازحة ما زالت تحلم بالعودة إلى منازلها أو فوق ركامها.

النزوح الطويل

أماني جندية (40 عامًا) تركت بيتها الواقع شرقي حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في اليوم الأول للحرب الإسرائيلية بعد تهديد جيش الاحتلال أهالي الحي، وتوجهت برفقة زوجها وأطفالها الأربعة إلى مستشفى الشفاء غرب المدينة بحثًا عن الأمان.

تقول جندية، لـ "الترا فلسطين"، بتنا ليلتنا في ساحة المستشفى على دوي القصف الذي لم يتوقف للحظة واحدة، وفي الصباح عدت أدراجي إلى منزلي لأصنع بعض الخبز لأطفالي الجوعى، وأجلب بعض الأمتعة، ولـ"حسن حظي" قصف المنزل بعد خروجي منه بعدة ساعات.

بقيت جندية تحسب أيام الحرب ولياليها في ساحات المستشفى، حتى داهمها فصل الشتاء، وحينها لم تصمد قطع القماش التي صنعت منها ما يشبه الخيمة أمام زخات المطر، فلجأت إلى الاحتماء داخل غرفة صغيرة كانت مخصصة لعناصر الأمن. وبينما كانت أطراف أطفال النازحة جندية تتجمد من شدة البرد، كانت أصوات القذائف التي تطلقها دبابات الاحتلال المتقدمة صوب مجمع الشفاء الطبي يعلو، حتى حاصرت الدبابات المستشفى من الاتجاهات جميعها.

تقول جندية، بقيت مختبئة أنا والأطفال الأربعة وزوجي ونجل شقيقي داخل غرفة الأمن، وبدأ الجنود باقتحام المستشفى، وأنا أنظر إليهم من ثقب صغير في الحائط، وفجروا بوابة مبنى الأمير نايف واقتحامه، حينها فتحت بوابة الغرفة قليلًا حتى لا يفجره الجنود، وأموت مع أطفالي وزوجي.

تتابع جندية، عشنا ليلة مرعبة لم نعرف فيها للنوم طعمًا، وكان أطفالي من شدة الخوف يبولون في زجاجة بلاستيكية، وفي الصباح صرخ أطفالي من شدة الجوع والخوف، فسمع الجنود صوت صراخهم، وتوجهوا نحونا مباشرة، وهم يشهرون أسلحتهم، فوضعت أطفالي وزوجي ونجل شقيقي خلف ظهري، وفتحت ذراعي في وجه الجنود، وأخذت أصرخ: "أحنا مدنيين ما في معنا ولا عنا سلاح".

وتضيف جندية، صرخ الجنود علينا، وطلبوا من زوجي ونجل شقيقي الخروج من الغرفة بعدما أجبروهم على التعري من ملابسهم، ومن ثم اعتقلوهم تحت الضرب وكيل الشتائم، ومن ثم جاءت مجندة، وفتشتني وتفتيش الغرفة التي كنا جالسين في داخلها، ومن ثم أعادتني إلى داخل الغرفة، وهددتني "إن قمت بالنظر إلى الخارج".

تتابع جندية، قبل أذان المغرب سمعت صوت صراخ شقيقي من أعلى مبنى التخصصات، وهو ينادي: "أماني عايشين؟"، ورددت عليه "آه احنا عايشين بس أخذوا زوجي"، فطلب مني الخروج بسرعة من الغرفة مع أطفالي والتوجه إلى المبنى الذي يوجَد فيه.

أماني جندية 1.jpg

وتضيف أماني جندية، شعرت ببعض الأمان في المبنى، لكن استمر قلقي على زوجي خاصة بعدما أخبرني شاب كان الجيش يحتجزه بأنهم قد "ألبسوه درعًا، وطلبوا منه السير أمامهم وفتح الأبواب المغلقة في المستشفى".

وتواصل جندية سرد قصة نزوحها، قائلًا: "بعد ثلاثة أيام تفاجأت بإفراج الجيش عن زوجي ودخوله للمبنى الذي كنا نوجَد في داخله، وكان مكبل اليدين، ولا يرتدي سوى سرواله الداخلي، فقمت بقص القيود البلاستيكية، وقدمته له بعض ملابسي".

وتقول جندية، إنها شاركت مع زوجها وبعض النازحين في دفن جثامين عدد من الشهداء والأطفال الخدج داخل حرم المستشفى في أثناء حصاره، فيما لا تنسى صراخ سيدة على بوابة ثلاجات الموتى بعد استشهاد زوجها وأطفالها الخمسة، إذ وصفت جندية المشهد والدمع يتساقط من عينها.

وفي الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، أجبر جيش الاحتلال النازحة جندية ومئات النازحين والمرضى والطواقم الطبية على مغادرة مجمع الشفاء، لتتوجه إلى جنوب قطاع غزة، وتبدأ رحلة جديدة من النزوح والعذاب، اضطرت خلالها للتنقل في خيمتها المهترئة بين دير البلح، وخانيونس، ورفح، والزوايدة.

وتشير جندية إلى أن أصعب مرحلة في رحلة النزوح لجنوب القطاع بدأت بعد إصابة زوجها في قصف إسرائيلي أفقده القدرة على الحركة وإعالة أسرته، ما أجبرها على صناعة الكعك وبيعها بين خيام النازحين.

مشتاق لغزة كشوقي لمكة

المسن سعيد أبو غديين (60 عامًا) من سكان شرق بيت لاهيا شمال قطاع غزة، اضطر للنزوح من منزله المتاخم للمنطقة الحدودية يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، بسبب كثافة القصف الإسرائيلي، متوجهًا إلى منزل العائلة في منطقة العطاطرة بواسطة عربة يجرها حمار، ووصله مع حمل بعض الأمتعة عليه.

يقول أبو غديين لـ "الترا فلسطين"، لم نلتقط أنفاسنا في بيت العائلة قبل أن نهرب مجددًا من القصف الإسرائيلي، وهذه المرة توجهنا إلى غرب مدينة غزة، وتحديدًا إلى مدرسة المأمونية التابعة للأونروا. 

ويتابع أبو غديين، كانت الطريق للمدرسة طويلة جدًا ومرهقة خاصة أن عددنا يفوق الـ40 فردًا، ولا يوجد معنا سوى عربة واحدة يجرها حمار ضعيف، فكان الرجال والشباب يمشون على الأقدام والنساء والأطفال يتناوبون الجلوس على العربة.

ويضيف أبو غديين، حل الظلام علينا ونحن داخل الفصل الدراسي، وكما أذكر في ذلك اليوم، فإن صوت القصف الإسرائيلي العنيف "لم يتوقف، ولو لرمشة عين واحدة"، لكن مع شدة التعب ذهبنا جميعًا في النوم، وفي تمام الساعة الواحدة فجرًا قصف الاحتلال ساحة المدرسة بأربعة صواريخ.

ويتابع أبو غديين، قفزنا من النوم نتخبط في بعضنا البعض، وخلال ثواني معدودة هربنا بأرواحنا وأطفالنا خارج أسوار المدرسة، وبدأنا السير في عتمة الليل، دون أن نعرف إلى أين نتجه، قبل أن تصادفنا مدرسة أخرى تبعد عن مدرسة المأمونية بأقل من كيلومتر واحد، فأمضينا ليلتنا داخل فصل دراسي دون فراش أو طعام أو شراب.

ويضيف، جلسنا في هذه المدرسة قرابة الأسبوع قبل أن تسقط طائرات الاحتلال منشورات ورقية تطالبنا بالإخلاء والتوجه لجنوب وادي غزة، أو ما يسمى بالمنطقة الآمنة.

ويردف أبو غديين، توجهنا مجددًا مشيًا على الأقدام نحو شارع صلاح الدين حيث الحاجز الذي أقامه جيش الاحتلال على الطريق، وطوال المسير كانت الطائرات تشن غاراتها على الأحياء والمباني السكنية، وكنا نخشى أن نُقْتَل قبل أن نصل إلى الحاجز.

سعيد أبو غديين.jpg

ويواصل أبو غديين سرد تفاصيل رحلة النزوح، قائلًا: بعد تجاوز الحاجز ونحن في حالة من الخوف الشديد توجهنا إلى أقرب مدرسة بعده في المخيم الجديد شمال مخيم النصيرات حتى نستريح فيها، وحتى نبقى في أقرب نقطة إلى غزة، مضيفًا بلهجة حزينة: "كنا بنفكر كلها كم يوم وبعدها بنرجع، وهي صارلنا سنة كاملة في النزوح".

ويضيف أبو غديين، بقينا في تلك المدرسة ثلاثة أشهر في حياة صعبة، قبل أن تسقط طائرات الاحتلال علينا منشورات ورقية تطالبنا بالنزوح إلى حي تل السلطان غرب مدينة رفح، ويقول: "لم نكن نملك مبلغ 1000 شيكل حتى نتمكن من استئجار شاحنة للوصول لرفح التي تبعد قرابة 22 كيلومترًا عن النصيرات، فاضطررنا للنزوح مجددًا عبر العربة التي يجرها الحمار، واستغرق الطريق معنا 8 ساعات بسبب الازدحام الشديد".

ويردف، بقينا في رفح ثلاثة أشهر في خيمة مهترئة، وعشنا أيامًا صعبة كلها مليئة بالمعاناة، قبل أن ننزح أخيرًا بتاريخ 20 أيار/مايو إلى بلدة الزوايدة وسط القطاع بعد اجتياح مدينة رفح.

وفيما تتعاظم المخاوف لدى المسن أبو غديين من قدوم فصل الشتاء على عائلته التي تعيش في خيمة مهترئة، يأمل بأن تتوقف الحرب، ويعود إلى شمال قطاع غزة الذي يشتاق إليه "كشوقه إلى زيارة مكة"، كما يقول.

ويتابع أبو غديين بلهفة، نفسي أرجع أعيش حياتي الطبيعية في الشمال، أشوف جيراني وأرعى أغنامي، كان لدي حوش كبير أربي فيه الأغنام والخيل والنُوق، معقبًا: "أنا جالس في الزوايدة كجسد، روحي هناك في الشمال".

النزوح لمستشفى القدس

المسنة عائشة شملخ (64 عامًا) من سكان حي الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة، رفضت مغادرة بيتها بعد تهديدات الاحتلال، إلا أنها اضطرت لذلك بعدما شنت طائرات الاحتلال سلسلة غارات عنيفة جدًا في محيطه.

وتقول شملخ لـ "الترا فلسطين"، كان القصف عنيفًا وقريبًا جدًا لدرجة أن وهج انفجار الصواريخ كان يضيء منزلي من الداخل، ما دفعنا للهروب مشيًا على الأقدام إلى مستشفى القدس في حي تل الهوى، لاعتقادنا أن الاحتلال لن يُقدم على قصفه.

وتضيف شملخ، عندما وصلنا المستشفى تفاجأنا بأن عشرات آلاف النازحين قد سبقونا إلى هناك، كان المستشفى مكتظًا بصورة لا يتخيلها عقل، كان الناس ينامون في الممرات، وعلى سلالم المستشفى، أما أنا وزوجات أولادي الثلاثة، فقد حالفنا الحظ بالنوم داخل قاعة المؤتمرات بالمستشفى، التي خُصِّصَت للسيدات.

وتتابع عائشة شملخ، طوال الليل كانت الطائرات تقصف بصورة عنيفة جدًا الأبراج السكنية المحيطة بالمستشفى في محاولة لدفع النازحين إلى تركه والتوجه إلى جنوب القطاع دون فائدة.

وتردف شملخ، مضت عدة أيام ونحن في حالة رعب وذعر شديد؛ بسبب كثافة القصف المحاذي تمامًا للمستشفى، قبل أن تتقدم دبابات الاحتلال صوب حي تل الهوى الذي يقع به المستشفى، وبدأ الجنود باعتلاء المباني المرتفعة المحيطة به وقنص كل شخص يتحرك، لقد شاهدت أحد الشبان قنصه الجنود في رأسه داخل المستشفى فيما قنص شاب آخر قرب البوابة الرئيسية، وما هي إلا بضع ساعات، حتى كانت الدبابات تحاصر المستشفى بصورة كاملة.

عائشة شملخ1.jpg

وعن تلك اللحظة تقول شملخ، استلقى الجميع على الأرض، ووضعوا أيديهم فوق رؤوسهم من شدة القصف وإطلاق النار، ولم يعد بمقدور أي شخص التحرك إلا في الممرات الداخلية خوفًا من القصف ونيران القناصة، بقينا على هذا الحال حتى أُجْبِرْنَا على الخروج من المستشفى برفقة عناصر من الصليب الأحمر عبر شارع 8 وصولًا إلى الحاجز الذي أقامه جيش الاحتلال بعد دوار الكويت جنوب مدينة غزة.

بعد تجاوز الحاجز توجهت شملخ وعائلتها إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهناك تشتت شمل عائلتها، فأحد أبنائها تمكن من نصب خيمة حصل عليها من مؤسسة إغاثية، فيما استقر الحال بنجلها الآخر داخل غرفة من النايلون كانت تستخدم للزراعة، أما هي وزوجها المسن، فقد استقر بهم الحال في غرفة صغيرة لدى زوج ابنتها.

مكثت شملخ في رفح أربعة أشهر، قبل أن يبدأ الاحتلال باجتياح المدينة، ففرت إلى منطقة المتنزه الإقليمي شمال غرب رفح وهناك أقامت خيمة من النايلون، إلا أن الدبابات وصلت إلى مشارف المنطقة بعد ذلك، ففرت إلى محيط مدينة حمد غرب خانيونس، قبل أن تعود إلى منطقة الإقليمي التي نزحت منها إلى بلدة الزوايدة وسط القطاع بعد تدهور الأوضاع وتقدم الدبابات مجددًا وإطلاق النار والقذائف باتجاه المنطقة.

360 يومًا مضت على نزوح المسنة عائشة شملخ، وتقول بلهفة: "نفسي أرجع على أرضي في الشيخ عجلين، واطمن على شجرات العنب والتين اللي كنت برعاهم وبأهتم فيهم، ونفسي أشوف بيتي، وأعرف كيف حاله؛ لأنه ما وصلنا عنه أي خبر غير إنه الجيش دمر المنطقة وجرفها بالكامل".

نزوح تحت النار

إبراهيم إسليم (67 عامًا) من سكان حي الصبرة وسط مدينة غزة، رفض هو الآخر إخلاء بيته والتوجه لجنوب القطاع، إلا أن تصاعد دوي الانفجارات إثر تقدم دبابات الاحتلال صوب حي تل الهوى والصبرة دفعه للتوجه نحو بيت ابنته التي تقطن في حي الزيتون المجاور.

يقول إسليم لـ "الترا فلسطين"، كنت رافضًا بشدة لفكرة خروجي من البيت، حتى لو هدموه فوق رأسي، لكن الاحتلال قصف ثلاثة منازل في محيط منزل على رؤوس ساكنيها، وأصبح أحفادي يتوسلون إلي طلب الخروج.

ويتابع إسليم، خرجنا من البيت هرولة تجاه حي الزيتون، ولم نتمكن من حمل سوى القليل من الفراش والملابس بسبب اشتداد القصف، وصوت إطلاق الرصاص من قبل الطائرات المسيرة "الكواد كابتر" التي كانت تنخفض إلى مستوى المباني.

ويضيف المسن إبراهيم إسليم، مكثنا في حي الزيتون ثلاثة أيام، قبل أن يكثف الاحتلال قصفه لمنازل الحي في ليلة هي الأكثر سوءً ورعبًا في حياتي، وما أن طلع ضوء الصباح توجهت أنا وأحفادي اتجاه شارع صلاح الدين حيث الحاجز العسكري الفاصل بين جنوب وشمال القطاع.

ويردف إسليم، كان الجو ماطرًا، ولا يوجد مركبات تقلنا واستمرينا بالمشي تحت المطر حتى وصلنا مدخل مخيم النصيرات، وهناك وجدنا سيارة نقلتنا إلى مدرسة في دير البلح، وعندما وصلنا كان الوقت متأخرًا والفصول ممتلئة، فأمضينا ليلتنا في ساحة المدرسة.

وفي الصباح الباكر توجهت مع أحفادي الذي احتجز الاحتلال والديهم الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر، إلى منطقة وادي السلقا جنوب شرق دير البلح، حيث رحب بنا أحد أقربائنا، ووفر لنا مخزنًا كان يستخدمه لتخزين المواد الصحية، يضيف إسليم.

ويواصل المسن سرد معاناة نزوح عائلته، مكثنا في هذا المخزن قرابة 150 شخصًا لشهرين كاملين، قبل أن تتقدم دبابات الاحتلال صوت منطقة القرارة، وأصبح القصف قريبًا جدًا والرصاص يخترق جدران المخزن المصنوع من الصفيح، فهربنا في وقت متأخر من الليل إلى دير البلح، وهناك نام الأطفال والنساء داخل منزل أحد أقربائنا فيما بقينا نحن في الشارع.

في صباح اليوم التالي، توجهت برفقة عائلتي إلى قطعة أرض في مخيم المغازي وسط القطاع، قبل أن نغادرها بعد عدة أسابيع إثر اجتياح جيش الاحتلال لمخيم البريج المجاور، للتوجه إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، حيث المنطقة الآمنة التي كان يزعمها الاحتلال، يقول إسليم.

إبراهيم إسليم.jpg

ويتابع إبراهيم إسليم مكثنا في رفح ثلاثة أشهر داخل خيمة أقمناها بالقرب من معبر رفح الفاصل مع مصر، وفي تلك الفترة، وردني نبأ استهداف طائرات الاحتلال لمنزل أبناء عمي واستشهاد 42 شخصًا منهم.

ويواصل حديثه بصوت مختنق، لم يكن أمامنا مجال كبير للحزن، فبدأ الاحتلال عملية اجتياح مدينة رفح، وهنا نزحنا مجددًا إلى بلدة الزوايدة وسط القطاع، وأقمنا مجموعة من الخيام من قطع النايلون والقماش.

أخبار الفقد لم تتوقف لدى المسن إسليم، فقد تلقى مجددًا نبأ استشهاد شقيقه وابنه، ثم نبأ استشهاد عائلة ابن عمه المكونة من عشرة أشخاص في حي الصفطاوي شمال غزة، الأمر الذي ضاعف معاناة النزوح لديه.

ويختم إسليم حديثه بألم وحسرة، "نفسي أروح على غزة، وانتشل شهداء العائلة من تحت الركام، وندفنهم بطريقة تليق بهم، وبعدها أبني غرفة أو خيمة على فوق حجار بيتي، أعيش ما تبقى من عمر، إن كان لنا في العمر بقية".