08-يونيو-2022
هارون ابو عرام

قبل عام ونصف، استقرت رصاصةٌ أطلقها جنديٌ إسرائيليٌ خلف رقبة الشاب هارون أبو عرام (25 سنة) في قرية الركيز بمسافر يطا جنوبي الخليل، فتسببت بتفتيت عدد من فقرات ظهره، وأردته مشلولاً طريح الفراش، داخل مغارة صخرية.

هارون يمكث داخل المغارة دون أي قدرة على الحركة، ولا يستطيع إلا الكلام، تساعده أمه وشقيقته على الأكل واللباس وقضاء حاجاته

في الركيز والتوانة والكرمل وغيرها من التجمعات البدوية الفلسطينية في مسافر يطا، ما يزال المشهد الاستعماري يعيد إنتاج نفسه كل يوم.

وكان هارون قد أصيب برصاصة أطلقت عليه من مسافة قريبة خلال محاولة جنود الاحتلال مصادرة مولد كهربائي منهم في اليوم الأول من العام 2021.

يقول رسمي أبو عرام، والد هارون، إن ابنه أصيب بشلل كامل وما زال على حاله حتى اليوم، يمكث داخل المغارة دون أي قدرة على الحركة، ولا يستطيع إلا الكلام، تساعده أمه وشقيقته على الأكل واللباس وقضاء حاجاته، "فلم يعد ليلهم ليل ولا نهارهم نهار" أضاف أبو عرام.

هارون أبو عرام

أما رسمي، فمنذ إصابته وحتى اليوم لم يتمكن من الخروج للعمل، "لا أستطيع مفارقة هارون ولو دقيقة، وأهتم فقط بالأغنام هنا التي توفر لنا مصدر دخل قليل" أضاف لـ الترا فلسطين.

يشتكي والد هارون من إهمال حالة نجله. وأفاد أنه "في الأول وعدونا بزيارة أطباء لنا من الصحة وأنه سيحصل على الاهتمام، ولكن لم يحضر أحد".

وأضاف: "قريبًا سيحين موعده عند طبيب عام في يطا، أتردد إليه من أجل التغيير عن جرح هارون ومتابعة تطورات حالته على نفقتنا الخاصة. كذلك يحضر معالج طبيعي من منطقتنا من بدو الكعابنة كل ثلاثة أيام، بتكلفة 1000 شيقل في الشهر".

قبل إصابة هارون، كان يتولى أعباء الأسرة وأعمالها، ويستعد للزواج، إلا أنه عقب إصابته وتوجهه للعلاج في مستشفى إسرائيلي انفصل عن خطيبته.

قبل إصابة هارون، كان يتولى أعباء الأسرة وأعمالها، ويستعد للزواج، إلا أنه عقب إصابته وتوجهه للعلاج في مستشفى إسرائيلي انفصل عن خطيبته

وكانت قوات الاحتلال هدمت منزل عائلة هارون أبو عرام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أي قبل إصابته بنحو شهرين.

هشام الشرباتي؛ باحث ميداني في مؤسسة الحق، كان قد توجه لقرية الركيز ونقل شهادات شهود العيان ووثق حادثة إطلاق النار على هارون.

وبحسب التقرير الذي وثقه الشرباتي وأرسله لـ"الترا فلسطين" حول تفاصيل جريمة الاحتلال في أول يوم الجمعة 1 كانون الثاني/يناير 2021، فقد كان يعمل والد هارون مع الجيران على صيانة حظيرة أغنام باستخدام ماكينة لحام مزودة بالكهرباء من مولد كهربائي بسبب عدم وصول شبكة الكهرباء لهم. وعند الساعة 7:00 صباحًا وصلت سيارة إسرائيلية يقودها أحد نشطاء جمعية "ريجافيم" الاستيطانية التي تراقب البناء الفلسطيني في مناطق "ج"، وقام بتصوير العمل الذي يقومون به من إنشاء لبركس أغنام.

تلغرام

وأضاف التقرير، أنه بحلول الساعة 1.30 ظهرًا وصلت سيارة تابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية مع جيب عسكري، وقاموا بجمع أدوات العمل، وتم اعتراضهم كلاميًا من قبل الفلسطينيين، وتمكن الجنود من حمل مولد الكهرباء.

وأوضح، أن أحد الجنود ضرب والد هارون بالبندقية على ساعده الأيمن، وألقاه أرضًا، كما قبض الجنود على هارون من عنقه مرتين. دخلوا إلى مسكن عائلة هارون فأثاروا الرعب بين الأطفال والنساء، وحملوا المولد الكهربائي وساروا به باتجاه سيارة الإدارة المدنية فقام الأهالي بملاحقتهم إلى قرب السيارة لاسترجاع المولد، فقامت القوة بضربهم ودفعهم بالأيدى. هناك تمكنوا من تخليص المولد أكثر من مرة، وكانت المعركة تدور بين هارون ووالده وجارهم مع الجنود على المولد.

وتابع: "خلال ذلك قام أحد الجنود المتمركز بوضعية القنص قرب سيارة الإدارة المدنية،  بإطلاق رصاصة سمعها والد هارون وهي تمر قرب رأسه، وبعد نصف دقيقة أطلق نفس الجندي رصاصة أخرى فسقط هارون على صدر الوالد، ومن ثم سقط أرضًا".

يقول والده لـ الترا فلسطين: "أخذ هارون يتشاهد ورفع إصبع السبابة، وتبين لي أنه يوجد ثقب خلف رقبته". نقل الأهالي هارون بسيارة تعود ملكيتها لأحد السكان المحليين، فأطلق الجنود رصاصهم في الهواء لإخافتهم. غادر الجنود وعناصر الإدارة المدنية الموقع، تاركين المولد خلفهم، بينما السيارة التي كانت بداخلها هارون انطلقت حتى وصلت إلى المفترق المؤدي المؤدي إلى قرية الكرمل.

كانت بانتظارهم هناك مركبة الإدارة المدنية والجيش، وطلبوا منهم التوقف فأصيب السائق بالذعر، لكن والد هارون طلب منه استمرار القيادة بالرغم من ارتباكه. أطلق الجنود عدة رصاصات، لكن السيارة وصلت السير حتى وصلت إلى عيادة طبية في قرية الكرمل.

الصراع بين هارون وعائلته مع الجنود لم يكن على المولد الكهربائي فحسب، بل هو صراع على البقاء والعيش في منطقة مسافر يطا التي تصنفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منطقة إطلاق نار

الصراع بين هارون وعائلته مع الجنود لم يكن على المولد الكهربائي فحسب، بل هو صراع على البقاء والعيش في منطقة مسافر يطا التي تصنفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منطقة إطلاق نار.

ومنذ عام 2000، تقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي بقضية لإجلاء السكان الفلسطينيين من 8 تجمعات سكانية، بدعوى أنها مناطق "تدريب وإطلاق نار"، مدعيًا أن المنطقة كانت غير مأهولة قبل 1980، ويُطالب بترحيل السكان، وهو ما ينفيه الفلسطينيون.

وفي يوم 4 أيار/مايو الماضي، صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على إخلاء الفلسطينيين الذين يسكنون في مسافر يطا، لإفساح المجال أمام إجراء التدريبات العسكرية الإسرائيلية، وبات نحو 1200 مواطن فلسطيني، من بينهم 580 طفلاً عرضة لخطر الإخلاء والتهجير الوشيكين من مناطق سكناهم.

منسق لجان المقاومة والصمود في مسافر يطا وجنوب الخليل فؤاد العمور قال لـ الترا فلسطين، إنهم يتعرضوا بشكل يومي لأعمال هدم ومصادرة واعتداءات، وقبل يومين تم إجبار مواطن على هدم غرفة سكنية بشكل ذاتي في منطقة الركيز، على بعد أمتار قليلة من منزل هارون، وذلك بقوة السلاح من الاحتلال.

وأوضح العمور، أن الهدف من هذه الاعتداءات هي عملية تشتيت الجهود والأنظار عن القرارات التوسعية والاستيطانية، التي تجري في عملية متسارعة وفي سباق مع الزمن لفرض واقع جديد، وتهجير الفلسطينيين من مسافر يطا.