09-نوفمبر-2017

لا يزال محمد أمين عازفًا عن الزواج بعد أن بلغ 30 عامًا، إذ يحاول حتى الآن إقناع عائلته بقبول زواجه من الشابة التي يريد، فيما تتمسك عائلته برفض الفكرة كون ابنها والعروس التي اختار من ذوي الإعاقة، وتخاف العائلة من أن يسفر زواجهما عن إنجاب أطفال يعانون إعاقات مشابهة أيضًا.

محمد من حي تل الهوا وسط مدينة غزة، يعمل نجارًا خلافًا بعيدًا عن تخصص إدارة الأعمال الذي درسه في جامعة الأزهر، وهو ناشط منذ 14 عامًا في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، وقد واجه منذ بداية انطلاقه إلى الحياة عقبات عديدة أمام ممارسة حياته بشكل متساوٍ مع بقية مجتمعه، لم يكن آخرها عدم حصوله على وظيفة في مجال دراسته، ويبدو أن وقوف أهله في طريق زواجه ممن اختار لن يكون العقبة الأخيرة أيضًا.

في غزة.. يميل ذوو الإعاقة إلى الزواج من ذات الفئة التي ينتمون لها، لكن عوائلهم ترفض ذلك خوفًا من "توارث الإعاقة"

يقول محمد: "الزواج من درجة أولى هو حقي، والفتاة التي اخترتها تستطيع تيسير حياتها اليومية والتعايش مع الإعاقة، لكن لازلت أحاول مع اسرتي".

اقرأ/ي أيضًا: العريس سليم والعروس ذات إعاقة.. معقول؟ 

ويبين محمد لـ"ألترا فلسطين" أن الشابات ذوات الإعاقة يواجهن تعقيدات أكبر في الزواج، بسبب القيود المجتمعية التي يفرضها الأهل والأقارب والبيئة المحيطة، إضافة لتخوّف عائلات كثيرة من خسارة الراتب الذي يُصرف لابنتهم في حال تزوجت.

ويواجه الشاب إياد أبو أشقر (29 عامًا) من حي الزيتون شرق غزة، متاعب مشابهة مع عائلته، فهو من ذوي الإعاقة السمعية، وقد تعرف على شابة ذات إعاقة شبيهة في أحد المشاريع التشغيلية التي استهدفت فئتهم العام الماضي في صناعة الخزف والاواني الزجاجية، لكن طلبه الزواج منها قوبل بالفرض من أسرتها وأسرته، وعليه رفض أن يكمل عمله في المشروع الذي كان قد بقي على انتهائه ثلاثة شهور.

عبر مترجم للغة الإشارة، قال إياد لـ"ألترا فلسطين" إن أهله يبررون رفضهم بالتساؤل كيف سيكون العرس؟ وماذا عن التعليقات التي سيسمعونها؟ كما يشيرون إلى المخاوف من حدوث الطلاق الذي انتهت إليه تجارب أخرى سمعوا بها، مضيفًا، "أتمنى أن أسافر للخارج لأجد شريكة حياة وأتزوج بعيدًا عن أسرتي".

أما الشابة "آية" من شمال قطاع غزة، فقد بلغت سن الـ47 عامًا دون زواج، بعد أن رفضت عائلتها عدة عروض زواج من شبان يعانون إعاقات حركية مثلها. تعمل "آية" الآن في مجال التطريز، وتقول إن تدخل الآباء في بعض تفاصيل الحياة الزوجية تكون أكبر عند زواج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة.

وتقول "آية" لـ"ألترا فلسطين"، إن عائلتها كانت ترغب بتزويجها من رجل مطلق، أو كبير في السن، أو أن تكون زوجة ثانية، فيما كانت هي تنظر للزواج من شخص من نفس فئتها على أنه يتيح لها الفرصة بأن تتشارك معه معاناته، فيفهما وتفهمه، أكثر مما سيحدث لو كان زوجها ليس من ذوي الإعاقة.

وتضيف، "ذوو الإعاقة لهم حالة خاصة في إعاقاتهم ومختلفون عن بعضهم في طقوس العمل والتحرك أو خلال أداء بعض المهام اليومية، وهم لا يعملون على مصارحة عوائلهم بشكل كامل".

ويميل الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الارتباط ببعضهم، وتحديدًا من يعانون إعاقات سمعية، وفقًا لما أفادتنا به حنين السماك، الناشطة في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة لـ20 عامًا. وتشير حنين إلى أنها نجحت في إقناع عائلتي شاب وشابة يعانيان إعاقة سمعية بالسماح لهما بالزواج، وكانت نتيجة ذلك إنجابهما طفلاً ناطقًا.

شاب من غزة يعاني شللاً أسفل جسده أضرب عن الطعام حتى الموت بعد أن رفض والد حبيبته التي تعاني إعاقة شبيهة تزويجه إياها

وتوضح حنين، أن شابًا من غزة في أواخر العشرينات، يعاني شللاً في المنطقة السفلية من الجسد، وتهتكًا في النخاع الشوكي والأعصاب، حاول قبل ثلاث سنوات الزواج من فتاة من نفس فئته، لكن والدها رفض ذلك، فأضرب عن الطعام حتى فارق الحياة، رغم كل محاولاتها التدخل من أجل إنهاء معاناته والسماح بإتمام الزفاف.

وتقول السماك: "غالبية الأشخاص ذوي الإعاقة يفضلون الزواج من نفس فئتهم كنوع من المشاركة المجتمعية وتفهمهم لبعضهم أكثر، لكن تصعب أكثر عند الإعاقة الحركية، لأنها تحمل معايير أصعب من إعاقة تستطيع التنقل بجهد ذاتي، لكن المجتمع يرفض بالغالب تزويج غالبية الإعاقات ببعضهم".

ووفق ما أفادتنا به آمنة رضوان، التي تعمل في مجال التدخل النفسي، فإن أشخاصًا ذوي إعاقة تعرضوا لأزمات نفسية نتيجة عزلهم أنفسهم عن المجتمع، بعد أن رفضت عوائلهم تزويجهم من شابات أو شبان من ذات فئتهم، مؤكدة أنها تعاملت منذ عام 2014 مع أكثر من 15 حالة مشابهة.

تجدر الإشارة إلى أن أحدث الإحصائات لذوي الإعاقة صدرت مطلع عام 2016، وأشارت لوجود 43.642 ألف شخص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، بنسبة 2.4% من إجمالي عدد السكان. ويشكل ذوو الإعاقة الحركية 31% من ذوي الإعاقة في غزة، يليهم ذوو الإعاقة البصرية بنسبة 30%، ثم ذوي الإعاقات متعددة بنسبة 13%، ثم ذوي الإعاقة السمعية بنسبة 8%، إلى جانب نسب من إعاقات ناتجة عن صعوبة في النطق والحركة والبصر ومشاكل سلوكية ونوبات وعجز.


اقرأ/ي أيضًا: 

في مؤسسات غزة.. ذوات الإعاقة للاستغلال فقط

قصار القامة في غزة: صناعة الضحك تخفي وجعا

ذوو الإعاقة في دفتر كشكول.. قراءة نقدية