11-أكتوبر-2024
دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلية أشجار الزيتون في قطاع غزة، وأصبح موسم قطف الثمار لا يحمل للمزارعين في القطاع أي نذر بمحصول جيد

(Getty) دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلية أشجار الزيتون في قطاع غزة، وأصبح موسم قطف الثمار لا يحمل للمزارعين في القطاع أي نذر بمحصول جيد

يمسك المزارع الفلسطيني يوسف شراب بغصن شجرة زيتون جافة، في دليل على أن الموسم هذا العام لا يختلف عن سابقه بسبب الحرب الإسرائيلية، التي دمرت شجر الزيتون في قطاع غزة بالتجريف والتدمير والتعطيش.

ويصف المزارع الأربعيني والمكنى بـ"أبو عمرو" موسم الزيتون الحالي بأنه "سيئ جدًا"، ويقول لـ"الترا فلسطين"، إن الموسم الماضي فشل بالنسبة لغالبية المزارعين لتزامنه مع اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وعدم تمكن المزارعين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية لقطف ثمار الزيتون.

لم يتبق إلّا 4 معاصر زيتون من أصل 37 معاصرة تعمل في مختلف أنحاء القطاع، وتم اقتلاع أكثر من مليون شجرة زيتون منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، على يد جيش الاحتلال

أما الموسم الحالي، وبحسب المزارع أبو عمرو، فإن الحرب المستمرة منذ نحو عام، لم تبق سوى مساحات قليلة من الأراضي المزروعة بالزيتون، وقد دمرت الغارات الجوية وعمليات التجريف خلال التوغلات البريّة غالبية أشجار الزيتون.

وتدعم بيانات وزارة الزراعة في غزة حديث المزارع شراب، وتظهر أن القطاع كان يحتوي على 50 ألف دونم مزروعة بمليوني شجرة زيتون قبل الحرب، التي تسببت في تدمير 40500 دونم منها وتجريف أشجارها.

دمار هائل

المزارع يوسف شراب، 45 عامًا، ينحدر من عائلة تعمل في الزراعة، وتتوارثها جيلًا بعد جيل، ويقول إنه وعيه على هذه المهنة بدأ منذ طفولته، ولم يشهد في حياته أسوأ من هذين الموسمين بالنسبة للزيتون، وأشار بيده إلى أراضٍ على امتداد البصر في منطقة القرارة شمال شرقي مدينة خانيونس، وقد بدت قاحلة جرداء، وأكد أنها كانت شجرية مزروعة بمئات أشجار الزيتون، ودمرتها الغارات الجويٍة والمدفعية وجرافات الاحتلال خلال الحرب. 

وينظر إلى بضع شجرات من الزيتون نجت من التدمير والتجريف، لكن ثمارها صغيرة وشحيحة، ويرجع أبو عمرو سبب ترديّ جودة الزيتون وكميته هذا العام، إلى عزوف المزارعين عن الاهتمام بأشجارهم وسقايتها، لعدم توفر المياه والأسمدة ومستلزمات الزراعة، أو لتعذّر وصولهم إلى أراضيهم الزراعية القريبة من السياج الأمنيّ الإسرائيليّ، أو الواقعة على خطوط التماس في مناطق توغلّ قوات الاحتلال. 

 يقطف المزارع يوسف شراب ثمار الزيتون من بضع شجرات نجت من التدمير والتجريف-أحلام حماد-الترا فلسطين_0.JPG
يقطف المزارع يوسف شراب ثمار الزيتون من بضع شجرات نجت من التدمير والتجريف | أحلام حماد | الترا فلسطين

وهناك سبب آخر لتردي جودة ثمار الزيتون هذا العام يعود بحسب المزارع أبو عمرو، إلى قوة الانفجارات الناجمة عن الغارات الجويّة والمدفعية، التي تسببت في تساقط الثمار عن القليل من الأشجار المتبقية، وقد أصيبت بالجفاف بسبب قلة المياه.

وتشير تقديرات هيئات محلية ودولية إلى أن قوات الاحتلال دمرت زهاء 70% من مصادر المياه في القطاع، والآبار الجوفيّة والشبكات، وإثر ذلك يواجه السكان تحديات كبيرة للحصول على المياه للاستخدام الآدمي أو للنظافة وريّ الأشجار والمحاصيل.

موسم ضعيف ومعاصر مغلقة

وبينما كان أبو عمرو وأطفاله يعملون على فرز حبات الزيتون من بقايا أشجار سلمت من التدمير، وتجهيزها سواء للعصر وإنتاج الزيت أو تخزينها، قال إن القليل من المعاصر ما تزال تعمل في جنوب القطاع، جرّاء أزمة انقطاع الكهرباء الدائمة منذ اندلاع الحرب أو لشحّ الوقود.

وفي بلدة عبسان شرق مدينة خانيونس، جلس المزارع محمد قديح أمام كومة من ثمار الزيتون قطفها من أرضه الزراعية التي غامر بالوصول إليها، وتبعد بضع مئات من الأمتار عن السياج الأمنيّ الإسرائيليّ، وبدا عليه الحزن الشديد، وهو يقلّب حبات الزيتون بين يديه، إذ بدت صغيرة وقاتمة اللون.

المزارع محمد قديح غامر من أجل الوصول لأرضه الزراعية في بلدة عبسان القريبة من السياج الأمني شرق خانيونس| أحلام حماد | الترا فلسطين
المزارع محمد قديح غامر من أجل الوصول لأرضه الزراعية في بلدة عبسان القريبة من السياج الأمني شرق خانيونس| أحلام حماد | الترا فلسطين

ويمتلك قديح وأسرته 50 شجرة زيتون، ويقول إن إنتاجها هذا الموسم لا يزيد عن 50 كيلو فقط، لعدم تمكنهم من رعايتها وسقايتها والاهتمام بها في الشكل المطلوب، لخطورة الوصول إلى هذه المنطقة الحدودية خلال الحرب.  

ووفقًا للمزارع قديح، فإن هذا الإنتاج سواء من حيث الجودة أو الكمية لا يصلح لعصره للحصول على زيت الزيتون؛ لأنه لن يُنتج سوى بضع لترات من الزيت، وفي الوقت نفسه فإن هذه الكمية لا تكفي لتخليلها للاستهلاك الذاتي، لـ6 أسر مكونة من أكثر من 30 فردًا.

وخرجت غالبية المعاصر عن الخدمة، سواء بسبب الاستهداف المباشر أو لقلة الإنتاج وارتفاع تكاليفه وعدم توفر الكهرباء للتشغيل، واختفت الطقوس والعادات المرتبطة بموسم الزيتون، التي اعتاد عليها وتوارثها المزارعون الفلسطينيون جيلًا بعد جيل.

 خرجت غالبية المعاصر عن العمل بسبب تداعيات الحرب وانقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود | أحلام حماد | الترا فلسطين
 خرجت غالبية المعاصر عن العمل بسبب تداعيات الحرب وانقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود | أحلام حماد | الترا فلسطين

وفي معصرة بمدينة خانيونس بدت خالية إلا من بضعة مزارعين وقفت المزارعة نهى قديح، تنتظر دورها لعصر كمية من ثمار الزيتون، وتقول لـ"الترا فلسطين"، في مثل هذا الوقت من مواسم سابقة لم يكن في هذه المعصرة متسع لقدم والازدحام يكون على آخره بانتظار عصر ثمار الزيتون، وتفسر واقع الحال بضعف الموسم نتيجة التدمير والتجريف، إضافة إلى عدم وفرة الثمار وجفاف الأشجار نتيجة عدم توفر المياه.

كما أن المزارعة قديح تشكو ارتفاع كلفة الوصول للمعصرة وإنتاج زيت الزيتون، وقد دفعت أجرة 50 شيكلًا للوصول إلى المعصرة التي تبعد عنها مسافة قريبة، وأحضرت معها 80 كيلو من الثمار، بينما يكلّفها عصر الكيلو الواحد شيكلًا ونصف. 

 المزارعة نهى قديح تنتظر دورها لعصر ثمار الزيتون في معصرة بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة-أحلام حماد-الترا فلسطين.JPG
المزارعة نهى قديح تنتظر دورها لعصر ثمار الزيتون في معصرة بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة | أحلام حماد | الترا فلسطين

ويبدأ موسم قطف الزيتون في فلسطين، سنويًا من مطلع تشرين الأول/أكتوبر، وحتى ما بعد منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر، غير أن مزارعين في جنوب القطاع فضلوا التبكير في قطفه خلال الأسبوع الأخير من أيّلول/سبتمبر توجسًا من فشله وخسارة الثمار.  

وبحسب قديح، فإن الكثير من المزارعين صدمتهم ما آلت إليه أراضيهم وأشجارهم، ولم يقطفوا ما تبقى من ثمار على أشجار قليلة لا تزال قائمة، ولم تطلها أعمال الجرف والتدمير، وذلك أما لخطورة العمل في الأراضي القريبة من السياج الأمني، أو لعدم جدوى القطف لتدني جودة الثمار وضعف الإنتاج.

حرب على الزيتون

يقول مدير عام دائرة البستنة الشجرية في وزارة الزراعة المهندس محمد أبو عود، لـ "الترا فلسطين"، إن "شجرة الزيتون في بلادنا تمثل قيمة وطنيّة وتاريخيّة، وهي أيضًا مصدر دخل، ومحصول استراتيجي"، لافتًا إلى أن الاحتلال "يدرك هذه القيمة، ولذلك فإنه يشنّ حربًا من نوع خاص على هذه الشجرة بالقصف والتدمير والتجريف".

ووفقًا لآخر تحديثات وزارة الزراعة، فإن من بين 50 ألف دونم كانت مزروعة بمليوني شجرة زيتون قبل اندلاع الحرب، جرّفت قوات الاحتلال، ودمرت 40500 دونم، ولم يتبق سوى 380 ألف شجرة فقط.

وقال المهندس أبو عودة، إن هذه المساحة كانت تمثل 50% من مساحة البستنة الشجرية على مستوى القطاع، وتنتج 5 آلاف طن زيتون للتخليل و35 ألف طن للعصر مع إنتاج 5 آلاف طن زيت زيتون، وبفعل الحرب هناك عجز يصل إلى 2500 طن من زيتون التخليل و4 آلاف طن من زيت الزيتون.

 انتاج قليل وجودة رديئة لثمار الزيتون في قطاع غزة بسبب الحرب الاسرائيلية-أحلام حماد-الترا فلسطين.JPG
إنتاج قليل وجودة رديئة لثمار الزيتون في قطاع غزة؛ بسبب الحرب الإسرائيلية | أحلام حماد | الترا فلسطين

وحول عمل المعاصر في ظل الحرب، أوضح هذا المسؤول أن 40 معصرة كانت تعمل على مستوى القطاع قبل اندلاع الحرب، التي تسببت في خروج غالبيتها عن الخدمة، ولم يتبق سوى 6 معاصر فقط، معصرة وحيدة في شمال القطاع، و4 معاصر بالمحافظة الوسطى، وواحدة في خانيونس.

وبحسب أبو عودة، فإن سبب خروج هذه المعاصر عن الخدمة يعود إلى استهداف عدد منها على نحو مباشر، إضافة إلى ارتفاع التكاليف الإنتاجية، وانقطاع الكهرباء وشح الوقود اللازم للتشغيل، وعدم توفر كميات من ثمار الزيتون بسبب التدمير والتجريف، وعدم توفر عبوات التعبئة للزيت وثمار الزيتون.

جرفت ودمرت قوات الاحتلال أشجار الزيتون في قطاع غزة
جرفت ودمرت قوات الاحتلال أشجار الزيتون في قطاع غزة | أحلام حماد | الترا فلسطين

وبحسب أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا"، لم يتبق إلّا 4 معاصر زيتون من أصل 37 معاصرة تعمل في مختلف أنحاء القطاع، وتم اقتلاع أكثر من مليون شجرة زيتون منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، على يد جيش الاحتلال.