يصوم السامريون يوم الغفران، وهو في تراثهم "يوم الصوم العظيم"، و"غرّة أعياد الرضوان"، وهو أيضًا "ملك الأعياد"، و"بزوغ ترانيم الاستغفار"، وكله سبتٌ وانقطاع عن العمل، لا يستثنون أحدًا من صيامه، رجلاً أو امرأة، ولا حتى طفلاً صغيرًا بلغ الفطام من حليب والدته.
إنه اليوم العاشر من الشهر السابع وفق التقويم السامري، ويوافق هذا العام 29 أيلول/سبتمبر. وبدءًا من الأكبر سنَّاً في الطائفة فياض ألطيف، الذي مضى على صيامه لأول "عيد غفران" 87 عامًا، وحتى أصغر طفلة لا تتجاوز الشهرين كورال عماد مفرج في صيامها الأول، سيلتزم الجميع بالصوم، بمن فيهم الحائض.
السامريون بدءًا من كل طفل بلغ الفطام وحتى أكبر رجل في الطائفة مُلزمون بصيام يوم الغفران، ولا يعفيهم من ذلك أي عذر حتى المرض
ولكل بيت سامري ذكريات عاشها مع صغير له خاض تجربة صيام هذا اليوم، فمريم عاشت هذه اللحظات مع ابنتها التي صامت وعمرها شهر لأنها لم تكن ترضع، وكذا مع وليدها لطفي الذي كان قد أتم الشهرين من عمره فقط، حين أصيب بالجفاف قبل صيام الغفران بثلاثة أيام، وكان في المستشفى الذي غادره يوم وقفة الصيام. تقول مريم: "أعطيته رضاعة حليب قبل المغرب بخمس دقائق ولكنه استفرغها، ويوم الصيام صام، وكان الجميع يقولون سيحصل له مكروه، لكن بحمد الله عادت له صحته بعدها".
اقرأ/ي أيضًا: أبناء الديانة الرابعة في فلسطين يحتفلون بالعرش
أما عزيزة السامري فتختزن في ذاكرتها بدايات صيام ابنتها تيا، ابنة السبع سنوات، التي كانت تصوم منذ صغرها، فقالت لنا: "كنتُ أشعر بخوف وقلق من صيامهم، و لكنني أُلهيهم، وأحضر لهم ألعابًا، و أتمشى معهم في محيط البيت، وعندما يطلبون الطعام ألهيهم بموضوع آخر، أو أجعلهم ينامون، ليمر هذا اليوم بدون أي ضرر والحمد لله. هذا اليوم يكون أكثر صعوبة على الأم من أطفالها بسبب قلقها عليهم".
ولا تخفي مريم السامري قلقها هي الأخرى ومعاناتها أحيانًا، "لأن الأطفال يُعذّبون ويُجوّعون" رغم محاولات إلهائهم بالألعاب والأحاديث حتى انقضاء وقت الصيام. تقول مريم، إن الأطفال يستوعبون فكرة الصيام دينيًا وواجبًا، والنساء السامريات، رغم فهمهن طبيعة الصيام، إلا أنهن أحيانًا يحاولن مناقشة إمكانية إطعام الطفل الرضيع أو سقيه الماء، إلا أن الجواب دائمًا هو أن كل نفس عليها الصيام، ولم يتم تحديد كبير أو صغير.
وورد تكليف الصيام في "سفر اللاويين" من التوراة السامرية، حيث جاء: "إن كل النفس التي لا تُشقى في جُرم اليوم هذا تنقطع من قومها". تقول مريم: "رغم صعوبة الصيام ومشقته إلا أنه لم يحصل أي مكروه لأحد من الطائفة أبدًا بمن فيهم الأطفال".
الطفلة "تيا" التي كانت بجوار والدتها أخبرتنا عن تجربتها في صيام الغفران قائلة: "أنا أصوم، و أحب أن أصوم لأننا نلعب و نأخذ الهدايا والشوكلاتة، وأنا لا آكل حتى وقت الإفطار، وعندما يضرب بالبوق عمو عابد أعرف وقت الإفطار". تبتسم تيا وتضيف، "أصوم لأن ربنا طلب منا الصيام. أشعر بالجوع والتعب لكنني أحتمل لأنني لا أريد أن أكسر كلام الله".
ويرى السامريون، في "أصول الديانة السامرية"، بأن الله قد فرض في هذا النهار شقاء النفوس والتعطيل من كافة الأعمال. ويختلف السامريون عن اليهود في أحكام يوم الصوم هذا، فعند السامريين يجب الصوم على كل نفس من نوع الإنسان من صغير وكبير؛ ولا يوجد فيه فسحة ما لأي نفس كانت، ولا مريض أبدًا، ما عدا الولد الرضيع، فهذا يُسوغ له أن يرضع من أمه فقط، وأما إن كان الولد في أوان سن الفطام فيجب فطمه قبل حلول هذا الشهر حتى يصوم في الغداة، مهما كان عمره.
فياض ألطيف السامري، أكبر أبناء الطائفة سنًا، ومن علمائها الكبار، يستذكر التزام أبناء الطائفة بصوم يوم الغفران، ويبرره بكونهم أقلية والمفروض من الجميع حضور الصلاة في الكنيسة، مضيفًا، بأنه لم ير "تميّعًا"، أو تهربًا من الالتزام بهذا الأمر، "فالجميع يلتزم، ومن النادر جدًا أن يحدث خلاف بين السامريين".
يقول فياض: "طيلة سنين عمري التي صمت بها سبعة وثمانين غفرانًا، لم أصدف أنه لم يصم أي شخص من الطائفة، وأذكر أن أحد أبناء الطائفة كان مريضًا واحتياطًا قاموا بوضع طاسة مرقة دجاج على الشباك ليشربها حين يسوء وضعه، الا أن قطة أسقطتها و بقي صائمًا (..) عندما يكون هناك إيمان كل شيء سهل، و كل دقيقة تمر تقصر وقت الصوم وبالتالي الفرج قادم، و الحمد لله تعلمنا الصبر".
في يوم الغفران يُحرّم على السامريين شم رائحة من الروائح الطيبة، أو أخذ علاج، أو التحدث مع غير أهل الملة والدين، أو النوم، ولا قطع الصلاة ليل نهار
وبحسب التراث السامري "لا يجوز في يوم الغفران أخذ علاج، وشمّ رائحة من الروائح الطيبة وغيرها، ولا يجوز أيضًا الكلام مع غير أهل الملة والدين، ولا الخروج من المعابد، ولا النوم، ولا قطع الصلاة مدة الليل والنهار، وليس عندهم عذر بمنع الصوم البتة".
وتبدأ تجهيزات السامريين لعيد الغفران في النهار السابق لليلة الصيام، إذ يتم تحضير الطعام الذي يحاولون أن يشمل الحديد والبروتين، لمنحهم قوة وطاقة لتحمل صيام يوم الغفران، فيما يكون الطعام نهاية يوم الغفران بعد المغرب، مكونًا من السلطات فقط. تقول مريم: "هذه السنة سننهي صيامنا بابتداء يوم سبت، وهو يوم لا نستطيع أن نطبخ فيه أو نعد أي طعام، ولذا سنقتصر فيه على سلطات نكون قد أعددناها سابقًا".
ومن أنواع الطعام التي تقوم نساء الطائفة بتجهيزها لوجبة إفطار صيام الغفران، بحسب مريم، ما يُعرف بـ"الخشاف"، وهي أكلة شامية تتكون من قمر الدين مع المشمش المجفف، يقومون بغليه ونقعه ويضعون له القلوبات "لوز، جوز" مع رمان"، وهي أكلة مغذية تعوض الجسم ما فقد وتمده بالطاقة.
وفي يوم الغفران هناك أيضاً عادة "الفقدة" للنساء المتزوجات والأخوات، وتكون قبل الصوم، ليشعرن بمودة ومحبة أهاليهم، وهي تشبه فقدة رمضان لدى أهل نابلس لبناتهنَّ.
السامريات يذهبن للكنيسة في يوم الغفران فقط، وصلاتهن بقية السنة تكون في البيوت، لكن كهنة سامريين يرون في ذلك كسلاً منهن ولا علاقة له بشرائع دينهم
وهذه الأيام، هي الوحيدة التي يُسمح فيها لدى السامريين للنساء بمشاركة الرجال في الصلاة. تقول مريم: "نحن شرقيون والرجال لا يحبون الاختلاط إلا في يوم الغفران فقط. وأنا أذهب للكنيسة يوم الصيام، وفي الأعياد صباحًا فقط".
ورغم أن مريم تؤكد أن النساء يصلين في منازلهن ولا يلتزمن بالصلاة في الكنيسة، إلا أن عددًا من كهنة وعلماء الطائفة يخالفون هذا الأمر، فالكاهن خضر السامري يقول: "السامرية غير معفاة من الصلاة ويجب عليها الصلاة مثل بقية الديانات الأخرى، ولكن عندنا بعض العلماء فسروا وجود المرأة في الصلاة بأنه يمكن أن يلهي المصلي عن الصلاة، ولكن المرأة تختم التوراة كلها و يقام لها احتفال، وأنا برأيي أن هذه العادة هي مجرد كسل من المرأة السامرية التي يجب عليها المشاركة في جميع الصلوات في الكنيسة وليس يوم الغفران فقط".
ويضيف، "تاريخيًا لا يوجد نساء ملتزمات بالصلاة، أجدادنا حدثونا بأنه منذ 70-80 سنة كان التزام المرأة في الصلاة بنسبة 15-20% تقريبًا.
هذا الكلام يوافقه عليه أحد كبار الطائفة ومحترميها أبو عفيف ألطيف، إذ قال: "لا يوجد أي مبرر يمنع المرأة من دخول الكنيسة، لا في صيام الصوم ولا في غيره، أصبحت النساء السامريات يكتسبن عادات هن أنفسهن يفرضنها".
اقرأ/ي أيضًا:
السامريون: لا ذكر للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا