02-أكتوبر-2023
4  فلسطينيين خرجوا من سجون الاحتلال الإسرائيلي بحالة صحية ونفسية صعبة، بلا ذاكرة، ولم يتعرّفوا على أقاربهم..

أسرى خرجوا من سجون الاحتلال الإسرائيلي بحالة صحية ونفسية صعبة، بلا ذاكرة، ولم يتعرّفوا على أقاربهم..

يعدُّ الفلسطيني الخارج من سجون الاحتلال الإسرائيلي بصحة جسدية وعقلية جيّدة، نفسه ضمن قائمة "المحظوظين"، بالنّظر إلى أسرى غادروا السجن وهم في حالة صعبة، جرّاء سياسة التعذيب، أو العزل الانفرادي، أو الإهمال الطبي.

تفاصيل لحظة التحرر من السجن لا تغادر ذاكرة صاحبها، غير أنّ فرحة بعض عائلات الأسرى  تبدّلت إلى صدمة وذهول!

ويرى كثير من الأسرى المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، أن لحظة الحرية واحدة من اللحظات الأثمن في حياتهم، وتكاد تفاصيلها لا تغادر ذاكرتهم بما يصاحبها من أجواء احتفالية، غير أنّ فرحة عدد من عائلات المفرج عنهم، سرعان ما تتبدل إلى صدمة وذهول بعد أن يتبيّن لهم أن ابنهم فقد ذاكرته، ولم يعد يتعرّف عليهم، مثلما حصل قبل أيام مع المعتقل السابق باسل عيايدة (26 عامًا) من بلدة الشيوخ شمال شرق الخليل. 

يستعرض "الترا فلسطين" في هذا المقال، حالة المعتقل المفرج عنه باسل عيايدة، وعدد من المعتقلين والأسرى السابقين الذين نالت سجون الاحتلال من ذاكرتهم، وخرجوا للحرية وهم في حالة صحية صعبة للغاية. 


باسل عيايدة لم يتعرّف على والديه

اعتقل جيش الاحتلال باسل عيايدة عام 2013، وكان حينها طفلًا بعمر (15 عامًا)، لم يكن يعاني من أي مشاكل نفسية أو صحية وفقًا لعائلته، لكن وبعد انتهاء محكوميته البالغة 11 سنة خرج من السجن بذاكرة مفقودة، ولم يتعرّف على عائلته التي يواجه أفرادها صعوبة بالغة في التعامل معه.

المعتقل باسل عيايدة، قبل التحرر من السجن وبعده
المعتقل باسل عيايدة، قبل التحرر من السجن وبعده

يقول عزيز عيايدة، عمّ باسل، واصفًا لحظة الإفراج: الشعور بفرحة الحرية سرعان ما تحوّل إلى حزن وألم، وكانت الصدمة عند خروج باسل عبر البوّابة، إذ لم يتعرف على أمه وأشقائه، لقد خرج مستغربًا، خائفًا لا يثق بأحد، ولا يتفاعل مع أحد، وكان يردد "رجعوني ع الزنزانة". 

ووفق نادي الأسير فإن عيايدة أمضى سنوات سجنه الأخيرة في العزل الانفرادي، وأنّ الحالة النفسية والصحيّة التي خرج بها، تؤكّد أنّ إدارة سجون الاحتلال نفّذت جريمة بحقّه. 

ودعا إلى أن يكون هناك مسار قانوني لمتابعة تفاصيل ما تعرّض له عيايدة، الأمر الذي يعكس واقع عشرات الأسرى في زنازين العزل الانفرادي، سيما وأنّ قضية العزل الانفرادي من أخطر السياسات الممنهجة التي تستخدمها إدارة سجون الاحتلال، لتدمير الفلسطيني.  


منصور شحاتيت 

لم تكن حالة المعتقل عيايدة استثنائية، فالشاب منصور شحاتيت (35 عامًا) من قرية خُرسا جنوب غرب الخليل، الذي اعتقله الاحتلال عام 2003، حُكم عليه بالسجن 17 سنة، بتهمة طعن إسرائيليّ في بئر السبع.

كان منصور وقت اعتقاله في عمر 18 عامًا، ويتمتّع بعقلية وذهنية جيّدة، وفقًا لوالده الحاج يوسف الشحاتيت، لكنّه وبعد الإفراج عنه بعد انتهاء مدة محكوميته يوم 11 ابريل/ نيسان 2021، لم يتمكن من التّعرف على أهله وأقاربه الذين كانوا في استقباله. 

الأسير منصور شحاتيت قبل وبعد الحرية من السجن
الأسير منصور شحاتيت قبل وبعد الحرية من السجن

تنقّل منصور بين مختلف سجون الاحتلال، لكن الأصعب والأكثر قساوة كان في زنازين العزل الانفرادي التي أمضى فيها قرابة 10 سنوات، منها ثلاث سنوات كانت متواصلة في بداية اعتقاله، بحسب والده. 

وتعرّض منصور خلال التحقيق لجولات تعذيب قاسية وضرب شديد، ما أدى لإصابته باضطراب وعدم انتظام دقات القلب، وفقًا لمكتب إعلام الأسرى، الذي أشار إلى أنه وبدل متابعة حالته أقدمت إدارة سجون الاحتلال على عزله، ما أدى لإصابته بضيق في التنفس، وحالة من فقدان الذاكرة، لدرجة أنّه لم يعرف والدته خلال إحدى الزيارات.

أمّا عن لحظات الإفراج عن منصور، فيقول والده الذي لم يتمكّن من زيارته على مدار 7 سنوات، إن الأسرى الذين أفرج عنهم تحدّثوا عن حالة منصور "لكن ما توقعت يكون هيك وضعه صعب".


عويضة كلاب لم يتعرّف على ابنه 

الأسير المحرر عويضة كلاب هو الآخر كان ضحية لسياسة الاحتلال، فقد جرى اعتقاله عام 1988 بعد أن ألقى قنبلة تجاه جيب عسكري إسرائيلي في مدينة غزة، وكان شابًا بكامل قواه العقلية والجسمانية، وحُكم عليه بالسجن المؤبد 4 مرات. 

عويضة الذي أمضى قرابة 20 من سنوات اعتقاله في العزل الانفرادي، جرى الإفراج عنه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وتعرّض خلال اعتقاله لأقسى أنواع التعذيب والضغط النفسي، ما تسبب بإصابته باضطراب الفصام العقلي البارانويدي.

الأسير المحرر عويضة كلاب
الأسير المحرر عويضة كلاب

وتقول فاطمة كلاب شقيقة عويضة إنها تفاجأت لحظة مشاهدتها لشقيقها بعد الإفراج عنه، فبالكاد تعرّفت عليه، وعندما دخل البيت كان يخجل من التعامل مع أهله، وظلّ يجلس وحيدًا في غرفته ورفض الاختلاط بالقادمين لتهنئة العائلة بالإفراج عنه.

وتشير إلى أن شقيقها تذكّر -بعد الإفراج عنه- بعض التفاصيل التي عاشها قبل الأسر، وعندما سألناه عن عمر ابنه وقت اعتقاله، أجاب: "40 يومًا". وتضيف أنه لم يتعرف حينها على ابنه الذي لم يشاهده منذ كان في عمر عامين بسبب العزل الانفرادي. وتبيّن أن شقيقها لم يكن يحب أن يرى بابًا أو شباكًا مغلقًا، وكان يحاول إخفاء وجهه بكفيه، كما أنه كان يجلس معظم الوقت بوضعية القرفصاء كمان اعتاد أن يجلس داخل الزنزانة. 


محمد عبيد.. 18 شهرًا من العذاب 

الشباب محمد عبيد نموذج آخر من ضحايا السجون الإسرائيلية، فقد اعتقلته قوات الاحتلال في شباط/ فبراير 2021، وأمضى 18 شهرًا في السّجن، ‏كانت كفيلة بتردي حالته النفسية وتغيّر ملامحه وفقدانه -مرحليًا- القدرة على الحركة والحديث. 

وبعد انقضاء مدة محكوميته ألقت قوات الاحتلال بالمعتقل محمد عبيد على معبر الظاهرية جنوب الخليل في حالة صحية سيئة للغاية بتاريخ 24 يوليو/ تموز 2022، وساعده عدد من العمال الفلسطينيين على الوقوف والمشي، فيما أصيبت عائلته بالصدمة لحظة مشاهدته إذ كان كثيف الشعر وشاحب الوجه. 

الشاب محمد عبيد
الشاب محمد عبيد

ويقول أحمد عبيد إن شقيقه تعرض لضغوط نفسية كبيرة أثناء التحقيق في مركز تحقيق الجلمة، وقد طلبت العائلة إحضار طبيب نفسي لتقييم حالته إلا أن الاحتلال رفض ذلك.  

وأشار عبيد إلى أن شقيقه متزوج ولديه ثلاثة أطفال، وكان يتمتع بصحة ممتازة قبل اعتقاله.

وقالت هيئة الأسرى والمحررين إنّ عبيد تعرض لاعتداءات جسدية ونفسية أدت إلى فقدانه للذاكرة، لدرجة أنه أصبح غير قادر على القيام بأموره اليومية، وقد جرى نقله إلى المستشفى بعد الإفراج عنه، ولم يتمكن من التعرّف على شقيقه وذويه الذين وصلوا المستشفى. 


700 أسير مريض 

وفي آخر إحصائية لأعداد الأسرى المرضى، قال نادي الأسير إن أكثر من 700 أسير في سجون الاحتلال يعانون أمراضًا بدرجات مختلفة، وهم بحاجة متابعة ورعاية صحية حثيثة، منهم 24 على الأقل مصابون بالسرطان، وبأورام بدرجات متفاوتة.

وتواصل إدارة سجون الاحتلال اعتقال الأسير الفتى أحمد مناصرة منذ نحو عامين في العزل الانفرادي في ظروف قاسية وصعبة. وبحسب المحامي خالد زبارقة، فإن الوضع الصحي والنفسي لأحمد يتفاقم، وهو أكثر سوءًا الآن مقارنة بالأشهر الماضية، وطالب ببذل أقصى جهد لإنقاذه والإفراج عنه.