في قلب البلدة القديمة ببيت لحم وعلى مقربة من كنيسة المهد، وعبر أزقّة ضيقة يملؤها جمال العمران، يتربع فندق "معًا للحياة" بمبناه القديم الذي تجاوز عمره 100 عام.
فندق في بيت لحم، يعمل في طواقمه عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية والقصور الذهني
يكتسب الفندق الذي افتتح مؤخرًا في بيت لحم شهرته ليس من المبنى القديم الذي أعيد ترميمه فحسب، بل لأنه يضم ضمن طاقمه العامل عددًا من الأشخاص ذوي الإعاقة العقلية والقصور الذهني.
عملية الترميم بحد ذاتها حافظت على المبنى بحالته الأصلية، حيث تم الاحتفاظ بالجداريات المزركشة والرسومات التي تزيّن الأسقف، عدا عن البلاط فائق الجمال بألوانه الزاهية، كما تقول ماهرة نصار غريّب، مديرة جميعة معًا للحياة، المالكة للفندق.
وقالت غريب لـ "الترا فلسطين" إن الجمعية تأسست عام 2009، كمركز نهاري للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية فوق سن 16 عامًا، وهي إحدى الفروع الـ 150 لجمعية اتحاد الأرش العالمي الفرنسية حول العالم.
ولادة الفكرة
وتؤكد غريّب أن هدف الجمعية في بداية الأمر هو العمل على أن يكون لديها مركزًا نهاريًا لذوي الإعاقة الذهنية، يوفّر نشاطات ترفع من ثقة هذه الفئة بنفسها، وينشر الوعي بقدرات هؤلاء للعيش بالمجتمع كأي إنسان آخر.
واستمرارية العمل في هذا المركز وتمويل نشاطاته كانت أبرز التحديات التي واجهها، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بيت لحم كغيرها من المناطق الفلسطينية أثناء جائحة كورونا، وهو ما كان سببًا في ولادة فكرة تحويل المبنى القديم لفندق سياحي، يدر دخلًا للجمعية لتمويل نشاطاتها، تقول غريّب.
وأوضحت أن تلك الفكرة لاقت استحسانًا، كما فتحت الباب لخلق فرص عمل لذوي الإعاقة أنفسهم ليكونوا جزءًا من طاقم تشغيل الفندق الذي تم افتتاحه في حزيران/ يونيو الماضي.
تدريب ذوي الإعاقة على العمل الفندقي
وقالت غريّب إن طاقم العمل المشترك خضع للتدريب للتعامل الأمثل مع نزلاء الفندق، "وهم قادرون بالفعل على القيام بعملهم ويسعدون به جدًا، كما أنهم يحظون باحترام الجميع سواء الزوار أو القائمين على الفندق".
كما عملت الجمعية من خلال هذا المشروع على تغيير نظرة العائلة والمجتمع تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، كما تقول غريب لـ "الترا فلسطين" حيث كان الأهل يعتقدون سابقًا، أن أبناءهم لا يستطيعون القيام بأي من الأعمال والمهام المفيدة للمجتمع.
ويعاني العاملون في الفندق من أمراض مثل طيف التوحد أو متلازمة داون أو من إعاقات مرتبطة بإصابات في الرأس.
تقول مريم كنسان (27 عامًا) التي تعمل في ترتيب الغرف، إنها نشأت في جمعية معًا للحياة، حيث انضمت إليها في سن المراهقة وكوّنت فيها صداقات.
كما تمّ إسناد مهمة صباحية لمريم التي يتعيّن عليها تنظيف الطاولة بعد أن ينتهي الزبائن من تناول وجبة الإفطار.
ردود فعل مختلفة
ومنذ افتتاح الفندق وانطلاق أعماله رسميًا، كانت هناك ردود فعل مختلفة من قبل النزلاء حول وجود أشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية ضمن طاقم العمل، حيث تقول غريب إن هناك من نزلاء الفندق من تقبّلوا الفكرة ورحبّو بها، ودعموا هذه المبادرة، بينما كان هناك تخوف من فئة أخرى في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن طاقم العمل، نتيجة قلة الوعي بقدرات هؤلاء حسب تعبيرها.
وقالت: "هذا دورنا في العمل على توعية المجتمع والسياح بأهمية الأشخاص ذوي الإعاقة، وقدرتهم على العمل، وتقديم خدمة مميزة، من ناحية الخدمات والنظافة وحتى بالنسبة للطعام، كما نهدف لزيادة الوعي في التعامل معهم ليس على مستوى المجتمع المحلي فقط بل على المستوى العالمي".
ما دور وزارة السياحة والآثار؟
القائمون على القطاع السياحي في بيت لحم وخصوصًا وزارة السياحة يرون أن هذا الفندق يكتسب أهمية مزدوجة؛ الأولى أنه يقع في مبنى قديم تم ترميمه ليكون فندقًا سياحيًا، والثانية هو دمج ذوي الإعاقة في العمل في القطاع السياحي.
يقول المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، جريس قمصية، لموقع "الترا فلسطين" إن فندق "معًا للحياة" يعد من المبادرات الناجحة في الاهتمام بذوي الإعاقة ودمجهم في سوق العمل، "وهو ما تشجِّعه وزارة السياحة بكل تأكيد، فمثل هذه المبادرات الخلّاقة تهدف لتوعية الجميع بأهمية ذوي الإعاقة في المجتمع، وتشجع المزيد من المستثمرين للعمل على دمجهم في القطاعات المختلفة ومن بنيها قطاع السياحة".
كما أن هذا الفندق يحقق المتطلبات التي تحددها وزارة السياحة للفنادق والمحال السياحية بأن يكون هناك حصة لذوي الإعاقة في طاقم العمل المشغل لتلك المنشآت، كما يقول قمصية.
موسم الأعياد على الأبواب
وفي مثل هذا الوقت من العام تبدأ الترتيبات الخاصة بأعياد الميلاد في بيت لحم، حيث يقول قمصية إن هذا الموسم هو فرصة كبيرة للترويج السياحي لفلسطين بشكل عام ومدينة بيت لحم بشكل خاص،"وفندق معًا للحياة كغيره من الفنادق والأماكن السياحية الأخرى، يحظى بمكانة مميزة من حيث الترويج والتشجيع على الزيارة والنزول فيه، ليكون على أجندة الزوار من كافة بقاع العالم".
مع نهاية هذا العام تشهد الفنادق في بيت لحم ارتفاعًا كبيرًا في الحجوزات يصل 70 في المئة
وأضاف: "هذا الفندق بمكانه المميز القريب جدًا من ساحة كنيسة المهد، وهي مركز احتفالات أعياد الميلاد، سيكون محط أنظار السياح، سواء من الخارج أو من الداخل المحتل".
السياحة وبداية مرحلة التعافي من "كورونا"
ويشهد قطاع السياحة في بيت لحم بداية تعافيه من آثار جائحة كورونا الكارثية، حيث تكبّد هذا القطاع خسائر بمئات الملايين من الدولارات، كما يؤكد قمصية.
وقال إن الزائر لبيت لحم يلاحظ الأعداد الكبيرة للوفود السياحية التي تأتي لزيارة بيت لحم والمبيت في فنادقها، "فهناك أفواج من السياح تتسوق في بيت لحم، وينظرون دورهم لزيارة كنيسة المهد، هو مؤشر على نجاح خطة إنعاش القطاع السياحي التي أطلقتها وزارة السياحة".
وقال: "نستطيع الحديث عن عودة حقيقية لقطاع السياحة للحياة، حيث ومع نهاية هذا العام تشهد الفنادق ارتفاعًا كبيرًا في الحجوزات يصل لـ 70 في المئة، وهو مؤشّر على أن هذا الموسم سيكون ناجحًا جدًا لقطاع السياحة".
وبلغت كلفة ترميم الفندق نحو 200 ألف دولار تمّ تأمينها من مانحين من سويسرا وألمانيا وإيطاليا وكندا، عن طريق مركز حفظ التراث الثقافي.