03-يوليو-2017

لي أسرة أُحبها، وأخوة وأخوات يذهبون لأعمالهم في السيارات العموميّة، يُحزنني ويُقلقني سلوك بعض السائقين وتهوّرهم، لكنني كحقوقيّ، ومحام، أرفض أن تُسيطر عليّ فطرة القلق على منطق القانون والعدالة.

هل قيام الشرطة بالملاحقة القانونيّة للسائقين المخالفين، بناءً على تسجيلات فيديو، يُعدّ أمرًا قانونيًا؟

نظّم قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001، عمل الشرطة في المخالفات، وذلك تحت الفصل العاشر "الأصول الموجزة"، وقد نصّت المادة 308 من القانون على أنّه "تسري الأصول الموجزة المبينة في هذا الفصل لدى مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بالبلدية والصحة والنقل على الطرق"، وقد تحدّثت المادة 309 من نفس القانون، بما معناه أنّه وعند وقوع المخالفة، فإن عون الضبط القضائي هو من يُحرر المحضر، وتُرسل أوراق الضبط القضائي إلى القاضي المُختصّ ليُصدر حكمه خلال عشرة أيام.

وفي نفس السياق؛ نصّت المادة 310 على أنّه "يأخذ القاضي بصحة الوقائع المثبتة في أوراق الضبط الموافقة لأصول تنظيمها". لنقرأ النّص الأخير بدقة وتمعُن، ونضع خطًا تحت "أوراق الضبط الموافقة لأصول تنظيمها"، ولهذه الغاية يتحتّم علينا الرجوع إلى القانون الذي ينظم أصول تحرير محاضر الضبط، التي تكون لها الحُجيّة الكاملة أمام القضاء، وبقراءة نصّ المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على أنّه "ليكون للمحضر قوة ثبوتيّة ما يلي: 1- أن يكون صحيحًا من حيث الشكل 2- أن يكون محرره قد عاين الواقعة بنفسه أو أبلغ عنها 3- أن يكون محرره قد دوّنه ضمن حدود اختصاصه، وأثناء قيامه بمهام وظيفته". انتهى النص، وبإسقاط النصوص على واقعة التصوير نجد خرقًا قانونيًا واضحًا، فالشرطيّ عند تحريره للمخالفة وهي محضر الضبط لا يكون قد عاين الجريمة بنفسه، وفي معرض الردّ على من يقول أن الفيديوهات تقوم مقام الإبلاغ فهذا القول غير صحيح، فالإبلاغ له شروطه وإجراءاته القانونيّة.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين.. قانون ضمان اجتماعي بلا أي تغيير

أمّا عن القيمة القانونيّة لتسجيلات الفيديو كقرينة، نجد أنّ قانون البينات الفلسطيني وكافة القوانين الناظمة قد خلت من ذكر حُجيّة الفيديو كوسيلة للإثبات، وفي الواقع العملي أمام المحاكم نجد أن تسجيلات الفيديو لا يكون لها قيمة قانونية وحدها في إثبات وقوع الجريمة، وقد قضت بعض المحاكم باعتبارها وسيلة للإثبات لأنّها كانت مؤيدة بدلائل وبينات أخرى، أمّا وحدها لا تكفي، فالمحاكم لا تأخذ بها إلّا على سبيل الاستئناس إذا كانت مؤيدة ببينات أخرى.

ولا ننسى أيضًا أنّ من يقوم بالتصوير ينتهك خصوصيات الناس، وهذه جريمة يُعاقب عليها القانون، وفي ذلك نجد أنّ التشريعات المقارنة جرمّت من يقوم بتصوير أي كان و نشر الصور والفيديوهات، وفي ذلك مخالفة للمادة 17 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أنّه "لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته، أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونيّة تمس شرفه أو سمعته، ومن حقّ كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس".

قد تكون الحملات التي يقوم بها المواطنون من تصوير المخالفين لأنظمة السير، رادعة للمخالفين، لكنّها تمسُّ حريات الناس وسمعتهم، خصوصًا أن غالبيّة الفيديوهات تُظهر بوضوح شخصية قائد المركبة، ولهذا تأثير على مهنته وسمعته بين السائقين والركاب.

اقرأ/ي أيضًا: ثغرات في قانون العمل الفلسطيني وجدت من يستغلها

الخرق الآخر للقانون، أنّ نشر الفيديوهات بهذا الشكل الشاسع يقيّد حرية القضاة، ففي قانون البيّنات، تنص المادة الأولى على أنّه "لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي"، وهذا مبدأ قضائي لا يجوز خرقه، والسادة القضاة يُشاهدون هذه الفيديوهات التي من شأنها أن تؤثر على أحكامهم.

والغريب في الأمر أن الشرطة الفلسطينية قد صرّحت بأن التصوير هو مهمة الشرطة، وهو مخالف للقانون إن كان من غيرها، ومع ذلك مازالت تلاحق السائقين الذين يظهرون في الفيديوهات.

ولا أدري ما سرّ الحملة الإعلامية والتباهي في نشر هذه الفيديوهات، وإصرار الشرطة على اعتمادها بنيّة ملاحقة السائقين، ولست في معرض الحاجة لأجد حلًا للحوادث، فهذا اختصاص خبراء النقل والطرق، وكل ما في الأمر أنني أؤمن أنّ القانون لم يوجد ليرضي الجميع، بل وجد لتحقيق العدالة في المجتمع، وما لا يصح ابتداءً لا يصح انتهاءً.

وفي الخلاصة، فإنّ خروقًا كثيرة للقانون، تحدث في هذا السياق، ابتداءً من عدم حجية الفيديو أمام القضاء، مرورًا بتحرير المخالفات دون معاينة، وانتهاءً بالتأثير على القضاة في نشر هذه الفيديوهات التي من شأنها أن تعرقل سير العدالة.


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | كاميرات الهواتف تترصّد المخالفين على الطرق

صور | "رستو كافيه" في غزة.. كيف دخلت رغم الحصار؟

فوضى السوق السياحي.. سمسرة وشركات وهمية