26-أكتوبر-2016

صورة تعبيريّة

يكشف النزاع العميق الذي تقوده ثلاث شخصيّات تدّعي أحقيّتها في رئاسة مجلس القضاء الأعلى، عن أزمة حقيقيّة في السلطة القضائية الفلسطينية، وانعدامًا في استقلاليتها، خصوصًا بعدما كُشف مؤخرًا عن أنّ رئيس المجلس السابق سامي صرصور قد أُجبر على توقيع استقالته من رئاسة المجلس قبل حلف اليمين.

الخبير في الشأن القضائي ماجد العاروري، اعتبر الأمر بمثابة "زلزال" في جانب استقلاليّة القضاء، إذ لا يُعقل أن يبتّ القضاء في النزاعات بحيادية، ورئيسه موقِّع سلفًا على وثيقة استقالة قد تعرِّضه للابتزاز في أيِّ لحظة".

رئيس مجلس القضاء الأعلى أُجبر على توقيع استقالته قبل أداء اليمين الدستورية فظلّ طوال عمله عُرضة للابتزاز

وقرر صرصور التوجه إلى محكمة العدل العليا للطعن في إجراءات إقالته، إذ يدعي أنه وقّع مرغمًا على الاستقالة دون أن يكون المقصود بها الاستقالة، أي أنّه أدى مهامه طوال الفترة التي تولى فيها هذا المنصب، وهو موقع على الاستقالة.

اقرأ/ي أيضا: وأنت.. ما رأيك بتسمية "عرب إسرائيل"؟

وتزامن ذلك مع اتخاذ المحامي علي مهنا قرارًا بالتوجه إلى المحكمة الدستورية لانتزاع قرار بحقّه في استلام المنصب الذي عيّنه فيه الرئيس محمود عباس العام الماضي، قبل أن تلغي محكمة العدل العليا هذا القرار باعتبار أن مهنا لم يتم اختياره من قبل مجلس القضاء كما يجب أن يكون.

ويتولى المستشار عماد سليم مهام رئيس مجلس القضاء الأعلى حاليًا، بصفته القائم بمقام رئيس المجلس بعد استقالة صرصور، إذ يشغل سليم منصب نائب الرئيس، ليكون بذلك الطرف الثالث في النزاع ويدعي أحقيته بالمنصب بحكم شغوره.

وقال العاروري في حديث لـ "ألترا فلسطين"، إن هذا النزاع نابع من وجود تجاوزات في آليات التعيين، ونتيجة أيضًا لتدخلات السلطة التنفيذية ومحاولات فرض الوصاية، موضحًا أن القانون ينص على أن مجلس القضاء هو من ينسّب رئيسًا له.

وأشار العاروري إلى ما حدث مع الرئيس الأسبق لمجلس القضاء فريد الجلاد الذي يُعتقد أنه استقال من منصبه نتيجة ضغوط شديدة تعرض لها قبل نحو ثلاثة أشهر من انتهاء مهامه، معتبرًا ذلك دليلاً آخر على "تغوّل السلطة التنفيذية" وعدم استقلالية القضاء التي هي "مصلحة قضائية ومجتمعية أيضًا".

تشكيل المحكمة الدستورية عمّق أزمة السلطة القضائية واستقلاليتها لأن أعضاءها لم يؤدوا اليمين الدستوري أمام رئيس المجلس التشريعي

وأكد العاروري أن الوضع الحالي "خطير جدًا، خاصة إذا ما أُضيف إليه انقسام السلطة القضائية بين الضفة وقطاع غزة، وتشكيل المحكمة الدستورية في ظروف غير ناضجة، إذ لا يزال الجدل قائمًا حول اكتمال تشكيلها نتيجة عدم أداء أعضائها اليمين الدستوري أمام رئيس المجلس التشريعي".

وأضاف، أن هذه الأزمة تخلق حالة إرباك شديدة وتضعف ثقة الناس بالقضاء "ما يجعلنا في محنة شديدة".

ولم ينف العاروري وجود ترابط بين الحالة السياسية والصراعات القائمة على السلطة؛ وما يجري في جسم القضاء، مضيفًا أن هناك من يحاول اللجوء إلى القضاء ليستمد شرعيته منه نتيجة غياب الانتخابات، وهذا "إقحام للقضاء في أمور هي من هموم المستوى السياسي واختصاصه".

وللخروج من هذه الأزمة، تحدث العاروري عن مجموعة من النماذج التي يمكن اللجوء إليها، مقترحًا إجراء انتخابات تفضي إلى تسليم المنصب للذي يحصل على أكثر من 50% من دعم الهيئة العامة لقضاة المحكمة العليا، أو أن يتم انتخابه من القضاة ككل؛ حتى يتمكن القضاة من اختيار ممثليهم، دون أن ينكر وجود سلبية لهذا المقترح، تتمثل في استمرار حالة الشللية القائمة.

وأضاف، أن هناك بعض النماذج التي يتدخل فيها الرئيس في اختيار رئيس لمجلس القضاء الأعلى، لكنه نبّه إلى أن هذا الإجراء لا يحدث في الأنظمة الديمقراطية عادة، "لأن تعيين رئيس المجلس من قبل الرئيس يعني التبعية للسلطة التنفيذية والشعور بالامتنان لها، وهذا لا يقل خطورة عن الاستقالة المسبقة".

وأشار العاروري إلى أنه بالإمكان أيضا أن يكون في مجلس القضاء أعضاء من غير القضاة، أكاديميين مثلا أو مؤسسات مجتمع مدني.

اقرأ/ي أيضا:

الفلسطينيون في تشيلي.. البداية من اللا شيء!

"كنتُ أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن"

حكاية الشعب اليهودي في فلسطين