الترا فلسطين | فريق التحرير
أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الرابع من أيّار/ مايو 2023، بإخلاء مبنى لبلدية الخليل في منطقة "عين عسكر" داخل البلدة القديمة، تمهيدًا لتسليمه إلى جماعات استيطانية، بذريعة عدم ملكية البلدية للمبنى تحت بند المستأجر، بحكم "قانون أملاك الغائبين" أو "أملاك المتروك".
يطالب الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء مبنى سابق تابع لبلدية الخليل، بزعم ملكيّته لجماعات استيطانيّة
ويقول محامي بلدية الخليل سامر شحادة لـ "الترا فلسطين" إنّ سلطات الاحتلال تخالف بهذا الإجراء، القرار الصادر عام 2006، والذي يخص "أملاك الغائبين" بأن تبقى حسب وضعها القائم (أن يضل الفلسطيني مستأجرًا) إلى حين عقد اتفاقية سلام تبتُّ في أمر الأملاك، حيث أن معظم المستخدمين لهذه الأملاك فلسطينيو الأصل.
وعرّف قانون "حارس أملاك الغائبين" الذي أصدره الاحتلال الإسرائيلي في مارس/ آذار 1950 بعد انتهاء حكم الأردن على أراضي الضفة الغربية، أنّ كل يهودي أو فلسطيني ترك أو هجر مكانه عام 1947 بأنّه "غائب"، ويحق للسلطات الإسرائيلية التصرّف بأملاكه تحت إطار هذا القانون.
وقال مصدر أمنيّ فلسطيني لـ "الترا فلسطين" إن الإشكالية في قضية مبنى بلدية الخليل، أن الاحتلال الإسرائيلي يزعم وجود أوراق تثبت ملكيّته للمبنى بعد أن وقّع أحد أعضاء المجلس البلدي قبل أكثر من 30 عامًا على أوراق تشير لملكية الاحتلال الإسرائيلي للمبنى، وأنها تعود ليهودي يدعى "حاييم أهارون فاليرو".
مصادر أمنية لـ "الترا فلسطين": الإشكالية في قضية مبنى بلدية الخليل، أن الاحتلال يزعم وجود أوراق تثبت ملكيّته للمبنى بعد أن وقّع أحد أعضاء المجلس البلدي قبل أكثر من 30 عامًا على أوراق تشير لملكية الاحتلال للمبنى
وأضاف المصدر أن الاحتلال الإسرائيلي ادّعى وجود أوراق ومقاطع مصورة توثيقية للحظة التوقيع، "إلا أنها ادّعاءات لم يثبتها الاحتلال، ولم يبلّغ الجانب الفلسطيني بها".
لكن نائب رئيس بلدية الخليل، أسماء الشرباتي، تؤكد لـ "الترا فلسطين" أن البلدية تملك أوراقًا ثبوتية تنص على أن المبنى كان حامية عسكرية خلال عهد العثمانيين في ثمانينيات القرن التاسع عشر، من ثم اشترته بلدية الخليل في عشرينيات القرن الماضي ووسّعته، ثم أقامت عليه الطابق.
وكانت بلدية الخليل قد اشترت المبنى من مالكه الأصلي ناصر الدين ناصر الدين، والذي كان رئيسًا لبلدية الخليل عام 1935.
وتشير الشرباتي إلى أن البلدية تملك وثائق مؤرشفة ستكشف عنها في الظرف المناسب، تشير إلى إشغال البلدية للمبنى منذ أن تملّكته حتى يومنا هذا، وأنها تملك أوراق الضرائب والالتزامات المادية التي توضح ملكية البلدية للمبنى، والموثقة في أوراق السلطات الثلاث المتعاقبة على فلسطين: الدولة العثمانية، والانتداب البريطاني، وإمارة شرق الأردن.
وكان مبنى بلدية الخليل القديم يعتبر المبنى الرسمي لها إلى حين الانتقال للمبنى الحالي في منطقة عين سارة في المدينة منتصف ستينات القرن الماضي، إلا أنها استمرت بالتعامل مع المبنى القديم على أنه مرفق من مرافقها وكانت تشغله بخدمات البلدية أو التأجير حتى عام 2000 الذي بدأ بعده تضييق الاحتلال على استخدام المبنى، وفق الشرباتي.
وبعد أن تلقت بلدية الخليل إخطارًا بإخلاء المبنى، قدّمت البلدية اعتراضًا عند الشرطة الإسرائيلية. وتقول الشرباتي: "ننتظر الرد، وحال رفض اعتراضنا، سنذهب للاستئناف في المحكمة الإسرائيلية العليا، وتقديم كل ما لدينا من أوراق رسمية؛ لخوض معركة قضائية هدفها إعادة فتح المبنى".
وحسب الشرباتي فإن بلدية الخليل تواصلت مع "اليونسكو" كونها منظمة تابعة للأمم المتحدة تعتبر أحياء البلدة القديمة بالخليل، مناطق أثرية، ومع مؤسسات دولية لها توأمة مع بلدية الخليل، لكن دون إبداء أي اهتمام بالقضية.
وتأمل نائب رئيس بلدية الخليل من المؤسسة الرسمية الفلسطينية بأن تكون شريكًا حقيقيًا في الدفاع عن المبنى، مع عدم إغفال الدور الشعبي لأهل الخليل بالتضامن وتنظيم الوقفات الشعبية دفاعًا عن أحياء البلدة القديمة والمبنى الذي يحاول أعضاء المجلس البلدي فتح أبوابه بشكل يومي ويتعرضون للمنع والاعتداء من قبل قوات الاحتلال.
وحسب اتفاق داخلي بين الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فإن المساعي الإسرائيلية تتركّز لإعادة السيطرة على أراض في قضاء الخليل، إضافة لأكثر من 70 عقارًا في البلدة القديمة من ضمنها مبنى بلدية الخليل، تحت بند أملاك الغائبين، وفق ما أكده محامي بلدية الخليل لـ "الترا فلسطين".
اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية متهميْن بمحاولة تسريب عقارات في البلدة القديمة بالخليل
ولا تقتصر محاولات تهويد البلدة القديمة في الخليل على طرق الاحتلال بالالتفاف على القانون، بل باتباع طرق مختلفة، منها: محاولات شراء العقارات، أو عبر تزوير أوراق ملكية، أو الاستيلاء بالقوة، أو بتسريب العقارات بصمت وهدوء.
وحسب مصادر أمنية فلسطينية لـ "الترا فلسطين" فقد اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية متهميْن بمحاولة تسريب عقارات في البلدة القديمة، في التاسع من أيار/ مايو الجاري، وتمت إحالتهم للتحقيق لدى جهاز المخابرات العامة.
وأضاف المصدر لـ "الترا فلسطين" أن أحد المتهمين بالتسريب من عائلة (د) ومحكوم غيابيًا لمدة 10 سنوات على قضايا بيع وتجارة المخدرات، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من اعتقاله طيلة السنوات السابقة، إثر تواجده بشكل دائم في مناطق تصنف (ج) غير الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية.
ويقع منزل المتهم بالتسريب قرب آخر نقطة عسكرية محاذية للمسجد الإبراهيمي من الجهة الشمالية الغربية، مقابل المدخل الرئيس للمسجد، حسب المصدر الذي أكد أن المنزل مهجور لا يسكنه أحد، وحاول (د) تسريبه من خلال شخص من منطقة النقب داخل الخط الأخضر، ويعمل مع منظمات استيطانية.
ما يزيد تعقيد قضايا المباني الفلسطينية في الخليل، اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بالأوراق الثبوتية البريطانية، والتي يسهل على اليهود والإسرائيليين امتلاكها أو تزويرها
وتابع: يملك المتّهم بالتسريب أوراق ملكية المنزل وطابو عثماني، أي أنه يملك أوراق ثبوتية بملكية فلسطينية خالصة، ولكنّه بدأ جمع تواقيع لإتمام عملية التسريب من الملّاك الآخرين للمنزل والمقيمين في العاصمة الأردنية عمان، عبر محامٍ خاص وكّله بجمع التواقيع.
وأضاف المصدر أنه بعد ورود معلومات استخباراتية ببدء جمع التواقيع والأوراق اللازمة لعملية البيع والتسريب، نصبت الأجهزة الأمنية كمينًا للمتهمين في منطقة باب الزاوية وسط البلد، وتم اعتقالهم وإحالتهم للقضاء. فيما لم يفصح المصدر عن ماهية شكل التعامل القضائي مع المسربين.
وفي سياق مشابه، أخطرت قوات الاحتلال في27 نيسان/ ابريل المنصرم، بإخلاء مبنى يعود لعائلة ناصر الدين في البلدة القديمة، واستولوا على مفاتيحه من عبد المهدي أبو عيشة الذي كان يستأجر محلًا في المبنى، وهددته بتفريغه بالقوة حال عدم الانصياع للقرار. وتفاجأ أبو عيشة بعدها بأيام من إغلاق أبواب المحل بالحديد، ومنعه من إخراج أدواته وممتلكاته، وسيطرة الاحتلال على المبنى بالكامل.
ويعود مبنى ناصر الدين، حسب مصادر "الترا فلسطين" إلى ملكية شخص من عائلة ناصر الدين وآخر يهودي كان شريكه قبل بدء الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، إلا أن الاحتلال تعامل مع المبنى وكأنه ملك يهودي بشكل كامل، تحت بند قانون أملاك الغائبين.
وما يزيد تعقيد قضايا المباني الفلسطينية في البلدة القديمة بالخليل، هو اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بالأوراق الثبوتية البريطانية في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، والتي يسهل على اليهود والإسرائيليين امتلاكها أو تزويرها بشكل كبير.