01-مايو-2018

صورة توضيحية: بائع سمك متجول في غزة - (Getty)

فوجئت "أم يحيى حجازي" بعد أن أفرغت كيس الأسماك في وعاء لتنظيفه تمهيدًا لطهيه، بحالة السمك المترهلة، ومظهره الذي لا يبدو طبيعيًا أبدًا، وحين شقت بطن بعضها وجدته يميل إلى اللون الأسود، وفاحت منه رائحة خفيفة سيئة، ليتبين أنه ليس طازجًا خلافًا لما أكد عليه البائع، "صيد اليوم يا حجة"، مستغلاً جهلها بأنواع السمك. "انضحك علينا" قالت وهي تلملم السمك وتضعه في الكيس.

 هرولت أم يحيى إلى سوق السمك في معسكر جباليا، تبحث عن الصياد الذي باعها، وعندما وصلت، لم تجده في مكانه، قالت:  "هذه هي عادتهم، بيغشونا وبعدها برجعوش على السوق. نصابين أفسدوا يومنا".

جهلك في أنواع الأسماك وخصائص الطازج منها قد يعني تعرضك للغش في أسواق قطاع غزة

وهذه المرة الثانية التي تقع فيها حجازي في مصيدة غش السمك "الطازج"، التي يمارسها بائعو أسماك في مختلف أسواق محافظات غزة، مستغلين جهل زبائنهم في خصائص الأسماك الطازجة، ليتبين عند تجهيز الأسماك للطهي لاحقًا أنها ليست طازجة، بل وأحياناً تكون قاربت على الفساد، و إذا عادوا لمراجعة البائع يجدوه قد غادر المكان.

اقرأ/ي أيضًا: صيد السمك بالصنارة في غزة.. هل معك تصريح؟

تقول "أم يحيى" بعد أن ألقت 4 كغم من السمك في إحدى حاويات سوق معسكر جباليا: "أنا غير مستعدة، للمخاطرة في حياة أولادي، أرميه، أحسن، رغم إني كنت مترددة من البداية أن أشتري السمك من هنا. الخطأ مني أني لم أتعلم من المرة السابقة".

لم تتمكن  "أم يحيى" من اكتشاف غش الصياد، إذ منعتها قلة درايتها بخصائص السمك أولاً، و مظهره الذي عرضه به البائع ولا يوحي بأي شكوك ثانيًا، فالرجل - كما تقول -  عرض عليها بعض السمك الجيد الذي زيّن به  الكمية القليلة التي جاء بها، والمغموسة بالرمال والماء، وهذا لا يدلل إلا على أنها خرجت للتو من البحر.

ليست "أم يحيى" وحدها من تعرض لهذه المصيدة، فشكاوي المواطنين في هذا السياق لا تنقطع. محمد الدقس، مواطن آخر تعرض للخداع ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يعود للسوق ولا يجد البائع الذي اشترى منه، وعندما يسأل البائعين الذين كانوا يجاورونه عنه، يجيبونه بأنه أتى للسوق لأول مرة. ووفق قوله فإن البائع، لم يكن يعرض كمية كبيرة من السمك، وهذا كي يتمكن من بيعه مرة واحدة، كما فهم بعد فوات الأوان.

الغش في السمك الطازج في غزة يفعله عادة باعة متجولون يبيعون كميات قليلة ثم يختفون عن الأنظار

امتنع الدقس عن شراء الأسماك من سوق الشيخ رضوان - حيث يقطن - كي لا تتكرر حوادث الغش التي حدثت معه، وكذلك فعلت "أم يحيى". وإذا فكّرا في شراء الأسماك يذهبان إلى ميناء الصيادين مباشرة - غرب مدينة غزة - وهو الأمر الذي يفعله معظم المواطنين بعد حوادث الغش التي تعرضوا لها.

اقرأ/ي أيضًا: سردين غزة غذاء لفقرائها.. ماذا عن الصيد الجائر؟

ووفق شهادات لـ الترا فلسطين فإن باعة متفرقين في أسواق قطاع غزة متورطون أيضًا في الغش، إلا أن أغلب من يفعلون ذلك هم باعة متجولون، ويحملون كمية تستهدف شخصًا واحدًا فقط.

الترا فلسطين تحدّث مع الصياد محمود عكيلة، بهدف معرفة خصائص السمك الـطازج التي يتوه عنها المواطنون، ويقعون بسبب جهلهم بها في مصيدة البائعين. قال عكيلة: "السمك يعرف أنه طازج وصيد اليوم من خلال معايير عديدة أبسطها، أن عين السمكة تكون براقة، ولونها يلمع وليس باهتًا، كما يكون اللون الداخلي للخياشيم شديد الاحمرار".

توجّهنا لمدير عام الثروة السمكية في وزارة الزراعة، عادل عطالله،  لمعرفة دور دائرته في متابعة هذه القضية، لكنه قال إن مهمتهم مقتصرة فقط على متابعة  السمك عند خروجه من البحر فقط، ولا يمارسون أي دور في عملية البيع للمواطنين.

أما رئيس مراقبة الأغذية في البلديات رشاد عيد، فعلق بعد أن عرضنا عليه حالات الغش بالقول إن خدمات  البلدية تشمل المحافظات التي تدخل في نطاق الخدمة للبلدية فقط، ولا يوجد نشاط لنهم في الأسواق الأخرى، أو خارج حدود السوق الذي يقع تحت صلاحيات البلدية.

تواصلنا مع مدير الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة زكي مدوخ، لمعرفة كيفية مراقبة الغش الذي يتعمده بعض البائعين، فاعترف بأن هذه الظاهرة خطيرة جدًا وتنتشر بشكل كبير، ويصعب على المواطنين مواجهتها. وأضاف، "نراقب بشكل دقيق هؤلاء البائعين، لكن العائق الأكبر أمامنا هو قلة الإمكانيات المتوفرة، التي تمنعنا من أداء العمل وفق الشكل المطلوب".

وزارة الصحة: باعة السمك الغشاشين يشكلون ظاهرة خطيرة في غزة وأسماكهم تسبب بكتيريا مسممة

وأكد أن مراقبة هؤلاء الصيادين والبائعين، تكون بشكل دوري ويومي، خلال أوقات العمل وخارجها أيضًا، لكن العثرة في ضبط هذه الظاهرة تعود إلى أن معظمهم متجولون، مشيرًا إلى أن الطب الوقائي تلقى عدد من الشكوات من المواطنين، وتم التعامل معها بشكل فوري.

اقرأ/ي أيضًا: عيد غزة في يومه الأول.. الفسيخ في كل مكان

وبين مدوخ، أن هناك طريقة أخرى للغش، وهي بيع السمك المجمد على أنه طازج؛ بعد تذويب الجليد وغمسه برمال البحر ومياهه، وقد وقع كثير من المواطنين ضحايا لهذه الحِيل، وتم التعامل مع حالات عديدة من هذا القبيل.

وأضاف، أن من يتم ضبطه مرتكبًا لهذه المخالفات يُحال إلى النيابة العامة فورًا، ويُحكم عليه بالسجن 4 شهور - على الأقل - إضافة لغرامات مالية، لكن ذلك لم يمنع كثيرًا من الباعة عن العودة إلى هذا الغش، "لأنه مربح"، مضيفًا، "هؤلاء نشدد كثيرًا العقوبات عليهم، وقد تصل لمنعهم من البيع، بهدف التغلب على هذه الظاهرة التي لها تداعيات خطيرة على صحة المواطنين، وتصيبهم ببكتيريا مسممة".

تتابع دائرة حماية المستهلك أيضًا هذه المخالفات ميدانيًا بشكل يومي في الأسواق، وفق ما أفادنا به مديرها فارس شحادة، الذي أوضح أنهم ضبطوا صيادين وبائعين يمارسون هذا الغش، وتم تحويلهم إلى النيابة العامة.

وبين شحادة لـ الترا فلسطين أنه على الرغم من الحملات المكثفة التي تقوم بها دائرة حماية المستهلك، إلا أن هناك من يتعذر ضبطهم، منهم الباعة المتجولون، الذين يصعب مراقبتهم، ومعظهم ليسوا صيادين، بل يشترون السمك بسعر زهيد، ثم يبيعونه للمواطنين، وكثير منهم لا يعود لممارسة هذا العمل.

ورأى شحادة أن التعامل مع هذه الظاهرة فرديًا، هو الطريقة الناجعة للتخلص من هذا الغش. ويبدو أن على المواطنين الاعتماد على أنفسهم في محاربة هذه المصيدة، ويُمكن ذلك بالتعرف إلى خصائص السمك الطازج المذكورة سابقًا، أو الاستعانة بأصدقاء عارفين في خصائصه إلى حين تعلم تمييز السمك الطازج عن غيره، أو تجنب التعامل مع باعة متجولين نهائيًا.


اقرأ/ي أيضًا:  

إسماعيل الفصيح.. رائحة بحر يافا في بحر غزة

صيادو غزة.. عزلة وحرب في الظلمات

سموم لذيذة على موائد الغزيين