04-يونيو-2018

صورة أرشيفية: محطة وقود في غزة - (gettyimages)

حتى خمسة أعوام سابقة تقريبًا، لم تكن محطات الوقود في قطاع غزة تشبه نظيراتها في دول العالم، لا من حيث الشكل ولا الخدمات التي تقدمها، إذ اعتاد الناس على رؤية ماكنتين متهالكتين وسقف من الصفيح معلق على عمودين كبيرين ومساحة حرة تسمح بحركة المركبات، بينما الآن أصبحت ذات أنماط معمارية جذابة وتحتوي على بقالات ومحلات لبيع زيوت السيارات وأدوات الزينة وغيرها من الأشياء.

وتشهد محطات الوقود العاملة في القطاع تطورًا ملحوظـًا في عملها، إذ تم إدخال الماكينات الرقمية الحديثة لتعبئة الوقود للمركبات، الأمر الذي شجع أصحاب المحطات على التنافس لاقتناء أحدث الأجهزة وأجمل الديكورات، لتظهر المحطات بحلة تضاهي الدول المجاورة.

تشهد محطات الوقود في قطاع غزة تطورًا ملحوظًا في عملها، كما أصبحت ذات أنماط معمارية جذابة

هذا التنافس، عكس انتشارًا واسعًا لمحطات الوقود التي باتت تتزايد بشكل ملفت وملحوظ في مختلف شوارع محافظات غزة، على الرغم من صعوبة الواقع الاقتصادي، الأمر الذي فسرته جهات حكومية على أنه مرتبط بعامل سياسي وليس مهني.

اقرأ/ي أيضًا: ثالوث التدمير لم يُبق رجال أعمال في غزة

ومما هو واضح، فإن سلعة الوقود لا يمكن التوقف عن تداولها أسوة بغيرها من السلع التي اضطر الناس تحت وطأة الفقر والبطالة التراجع عن استخدامها، أو على الأقل شراؤها بالدين، وهذا يفسر توجه رأس المال نحو إنشاء هذه المحطات.

وحتى شهر أيار/مايو مايو 2014، كان عدد المحطات المرخصة في مدينة غزة وحدها 19 محطة، بينما يفوق عددها الآن 40 محطة، فيما يتجاوز العدد الإجمالي لهذه المحطات في قطاع غزة عمومًا 300 محطة. 

وفي ظل انهيار الحركة التجارية في القطاع، تخلى الحاج محمد حرب عن الاستثمار في سوق العقارات، واتجه إلى الاستثمار في قطاع البترول، إذ أنشأ محطة وقود على قطعة أرض حيوية وسط مدينة غزة، بتكلفة مالية تزيد عن نصف مليون دولار.

وقال حرب لـ الترا فلسطين، إن جملة من الدوافع كانت وراء إنشائه لتلك المحطة، أبرزها تراجع النشاط الاقتصادي عمومًا، وتحديدًا في مجال العقارات، وتلمسه لحاجة السوق إلى الوقود كسلعة لا يمكن الاستغناء عنها، لاسيما في ظل ازدياد عدد السيارات في القطاع.

وأشار حرب إلى أن الوقود سلعة غير مرتبطة بتاريخ صلاحية - لا تفسد ولا يتراجع ثمنها - على عكس المواد الغذائية أو الملبوسات، وغيرها من السلع التي تعاني كسادًا وتراجعت أسعارها تحت وطأة انخفاض الطلب، وهذا ما شجعه على الاستمار في البترول. 

وذكر أن المحطات الآن تشهد تنافسًا شكليًا يتعلق بالمظهر الخارجي والتصميم الفني للأسقف؛ الذي يعد عنصر جذب بالنسبة لسائقي المركبات، فيما أن مستوى تقديم الخدمة يعتبر واحدًا في جميع المحطات، وهذا ما يجعله أكثر تفاؤلاً بمجازفته بدخول هذا السوق.

وكان قد صدر قرار قبل أكثر من عامين عن الهيئة العامة للبترول في قطاع غزة، يقضي بوقف إصدار تراخيص لمحطات الوقود، قبل أن تستأنف الهيئة منح التراخيص ابتداء من تموز/يوليو 2017، إلى الآن. الأمر الذي يشير إلى أن للحكومة في غزة مآرب آخرى تتعلق بما يمكن أن تجبيه من هذه المحطات من رسوم ترخيص وضرائب في الوقت الذي تعاني فيه من ضائقة مالية.

الشروط التنظيمية لمحطات الوقود في غزة، تفرض خلافًا حادًا بين المستثمرين وجيران المحطات

فضلاً عن ذلك، فإن قضية الشروط التنظيمية لمحطات الوقود، تفرض خلافًا حادًا بين المستثمرين وجيران المحطات، على اعتبار أنها قد تُشكل خطرًا عليهم، لاسيما إذا ما أقيمت داخل الأحياء السكنية، إلا أن انتشارها بالشكل الذي هي عليه الآن يعطي دلالة كبيرة على أنها أصبحت السبيل الوحيد للاستثمار في القطاع.

اقرأ/ي أيضًا: "المحل للإيجار".. الإعلان الأشهر في غزة

غير أن المنافسة الوحيدة القائمة بين هذه المحطات، تتعلق بالمظهر الخارجي فقط، بعيدًا عن الشعارات التي تستخدم في الإعلانات الإذاعية المتعلقة بجودة الخدمة أو تقديم الحوافز بالدخول على سحوبات للفوز بسيارات حديثة، فالخدمات واحدة في جميع المحطات وبأسعار موحدة. 

ويوضح حامد بهلول، أمين سر جمعية محطات البترول في غزة، بأن هذا التطور في المحطات غايته جذب الزبائن لهذه المحطات وتقديم أفضل الخدمات وأسرعها للمواطنين.

ورغم ذلك، فإن المهندس خالد عياش، أمين سر اللجنة المركزية التابعة لوزارة الحكم المحلي؛ والمخولة بإصدار تراخيص لإنشاء محطات وقود، يُعبّر عن استيائه من الانتشار غير المبرر لمحطات الوقود في أرجاء قطاع غزة.

وقال عياش لـ الترا فلسطين، "يوجد الآن في قطاع غزة أكثر من 300 محطة وقود، والازدياد مطَّرد لدواعي غير مقنعة. صحيح أن اللجنة المركزية هي المخولة بإصدار تراخيص للمحطات، لكن ذلك مرتبط بإعادة الهيئة العامة للبترول بصفتها المورد للوقود، فتح الباب أمام المستثمرين للحصول على تراخيص منذ يوليو الماضي".

وأقر في الوقت ذاته، بأن السماح بإنشاء المزيد من محطات الوقود مرتبطة بعامل سياسي أكثر منه مهني، قائلا: "هناك توجه بفتح أبواب أرزاق جديدة للمواطنيين في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، غير أنه أصبح هناك تضخم في عدد المحطات وهذا أمر غير مقبول ويجب إغلاق نصفها على الأقل".

إنشاء محطات الوقود في غزة مرتبط بعامل سياسي وليس مهني

وعمليًا تجني الحكومة عبر الجهات الإدارية المخولة بمنح التراخيص لمحطات الوقود، نحو 10 آلاف شيكل مقابل كل ترخيص، فيما أن تكلفة إنشاء المحطة الواحدة تتجاوز 200 ألف دولار.

وأفاد عياش بأن غزة بحاجة الآن إلى إغلاق نصف المحطات القائمة، موجهًا اللوم إلى الهيئة العامة للبترول بإعادة فتح باب الحصول على التراخيص الذي أغلق لمدة عامين. وقال: "لو توقفت الهيئة عن تزويد المحطات بالوقود ستغلق من تلقاء نفسها".

وأشار عياش إلى أن تضخم محطات الوقود في غزة، أدى إلى تدني قيمة أرباح شركات الوقود، لكنه فسر توجه المستثمرين نحو إنشاء محطات جديدة بأنه "يأتي انطلاقًا من قاعدة أن قليل مستمر خير من كثير منقطع".


اقرأ/ي أيضًا:

تجار وموظفون "رايحين جايين" على سجون قطاع غزة

الذهب في غزة في عصره الحجري

من أين يأتي المحاصرون في غزة بمصاريفهم؟