12-أبريل-2018

صورة توضيحية: بائع ذرة في غزة - عدسة محمد عابد (Getty)

تزداد تفاصيل الحياة تعقيدًا في قطاع غزة، في ظل الأحداث العصيبة التي يمر بها المُحاصرون منذ عام 2006؛ إذ بلغت نسبة البطالة في القطاع ما يقرب 58%، وقد زاد الطين بلّة اقتطاع السلطة الفلسطينية من رواتب 60 ألف موظف حكومي، مع توجه لقطع الرواتب كاملة. وبالرغم من أن 80% من أهالي القطاع يتلقون مساعدات إنسانية، إلا أن معدلات الفقر عالية جدًا، وبما أن الظروف الاقتصادية هي الحاكم الأول في حياتهم، فإن الترا فلسطين يستعرض لكم كيف يستطيع الغزيين تأمين احتياجاتهم وسداد مصاريفهم.

يعمل في قطاع غزة ما يزيد عن 10 آلاف موظف لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في مجالي الصحة والتعليم، لكن هناك من يعملون بعقود مؤقتة تبدأ من 300 دولار أمريكي إلى 600 دولار، بينما يعمل آخرون بنظام العقود الدائمة التي يتراوح أجرها من 650 دولار أمريكي، وتصل إلى أكثر من 1500 دولار، تبعًا لتوالي المناصب.

10 آلاف غزّي يعملون في "الأونروا"، و55 ألف آخرين في السلطة، و40 ألف في حكومة حماس

أما الوظائف الحكومية، فهي موزعة بفعل الانقسام ما بين الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية وحماس. ويبلغ عدد موظفي السلطة نحو55.577 موظفًا، برواتب أقلها 1450 شيكل، بحسب قانون العمل الفلسطيني، وأقصاها رواتب نواب المجلس التشريعي التي تبلغ 3 آلاف دولار أمريكي. في الوقت ذاته، هناك موظفون تابعون لحكومة حماس في غزة، يبلغ عددهم أكثر من 40 ألف موظف، يتقاضون الحد الأدنى للرواتب منذ سنوات عديدة.

اقرأ/ي أيضًا: تقليصات "الأونروا".. القادم أعظم

ونتيجة لهذه الإمكانيات المحدودة، تضاعف عدد الشيكات المرتجعة بين عامي 2015 و2016 بقيمة 37 مليون دولار أمريكي إلى 62 مليون دولار. وفي العام الماضي بلغت الشيكات المرتجعة 112 مليون دولار، وفقًا لسلطة النقد الفلسطينية.

وتوفر المؤسسات المدنية غير الربحية (NGOs) الكثير من فرص العمل بشكل خاص للشباب؛ لمساعدتهم على إعادة استقرارهم الاقتصادي، إلا أن فرصها تبقى على شكل عقود غير دائمة ومرتبطة بعمر المشروع المقترح.

في هذا السياق، يقول سيف داود لـ الترا فلسطين، ويعمل في مؤسسة أهلية، إنه تجاوز سن الـ35 عامًا، وما زال مصدر دخله يعتمد على عقد عمل مؤقت؛ ما يمنعه من تحقيق الأمان الوظيفي. مضيفًا، "من الصعب ادّخار أي جزء من الراتب للمستقبل".

يُعاني موظفو قطاع غزة بشكل مُضاعف نتيجة تعثر المصالحة الفلسطينية، إذ قررت الحكومة قبل قرابة العام، خصم أجزاء من رواتب موظفيها في غزة، بنسب تتراوح ما بين 50% إلى 70%، بهدف الضغط على حركة حماس، مما زاد من معاناة الموظفين الذين يرتبط بعضهم بقروض جعلت ما يصلهم من رواتب لا يتعدى بضعة شواكل.

وتتجه الأمور إلى وضع أكثر سوءًا بالنسبة لهذه الفئة خلال الأشهر المقبلة، بعد أن باشرت السلطة بقطع رواتبهم بشكل كامل منذ بداية شهر نيسان/إبريل الجاري، ولذلك توجه الكثير منهم إلى أعمال توفر دخلاً يوميًا، كسائقي سيارات نقل عامة (تكاسي) حتى يستطيعوا إعالة عائلاتهم وتوفير حاجاتهم الأساسية.

ودائمًا ما تحاول المرأة الغزية البحث عن طرق جديدة لتوفير مصدر للرزق باستخدام أبسط الوسائل المتاحة. تداولت صفحات على مواقع التواصل مؤخرًا بيع سيدات منتجات غذائية تقوم بطبخها في المنزل ثم توصيلها إلى منازل الزبائن، أو بيع منتجات الخياطة والتطريز اليدوية. "أم عبد الله" (24 عامًا) اضطُرت إلى العمل خادمة في المنازل للمساعدة في توفير مصاريف البيت، والقروض المتراكمة على العائلة، وهي تتعامل مع الأمر بسريّة ودون ارتياح جعلاها تطلب منّا عدم ذكر اسمها.

العمل الحر مع جهات عربية وأجنبية شكّلت حلاً بديلاً لفئة الشباب في غزة، لكن أزمة الكهرباء أضعفت جدواه

انعدام الوظائف الثابتة، دفع فئة الشباب في غزة من الجنسين (شبانًا وشابات) إلى العمل الحر، حتى بات هناك الكثير من المتخصصين في مجال الحاسوب والجرافيك والإعلام يعملون في هذا المجال، معتمدين على العمل عن بعد مع مؤسسات في دول عربية أو غير عربية، كمصدر أساسي للرزق.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | خديجة وخبز مجفف

يقول محمود العمصي، مصمم جرافيك، لـ الترا فلسطين: "عدم توفر فرص العمل جعلني أبحث عن عروض عمل في مؤسسات بالخارج وأعمل لديهم أونلاين. بدت هذه الخطوة جيدة في بادئ الأمر، لكنها ازدادت صعوبة مع انخفاض ساعات الكهرباء؛ مما يمنعني أحيانًا من إنجاز عملي في الوقت المحدد".

يعتبرُ خريجون جامعيون - مهما كانت شهاداتهم - الأعمال الحرة هي الملجأ الوحيد لكسب الرزق، ومن هذا المنطلق يعمل الممرض محمد عودة (29 عامًا) في ما يُعرف بالـ "Home Care"، أي رعاية المريض في منزله، طوال الأسبوع، ليستطيع إعالة عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أبناء، لعدم توفر وظيفة في المستشفيات الحكومية.

أما الشاب جهاد أبو حصيرة (30 عامًا)، فكانت له قصة مختلفة، إذ حاول أن يدخل السوق بشهادة دبلوم "جرافيك"، ووجد أن فرصه للعمل شبه معدومة، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق، لكن النتيجة كانت واحدة؛ وهي أنه عمل في مشاريع البطالة المؤقتة.

يقول أبو حصيرة لـ  الترا فلسطين: "عملت في مشروع لمدة 144 فقط، وادخرت مرتبي لفتح مشروع صغير (بيع ساندوتشات) ليعيلني أنا وأسرتي وزوجتي، حتى أن زوجتي باعت من ذهبها لمساعدتي على افتتاح هذا المشروع البسيط والصغير".

وكانت فصائل كُبرى على رأسها حركة حماس دعمت بقوة مسيرات العودة إلى السياج الفاصل، وإقامة مخيمات العودة بالقرب منه، على أمل إنهاء الحصار من الجانبين الإسرائيلي والمصري، وقد شارك عشرات الآلاف في المسيرات، واعتصموا في المخيمات، إلا أن الانفراجة لا تزال بعيدة حتى اللحظة، بل إن الأمور تذهب نحو الأسوأ مع تردد أنباء عن نية الرئيس إعلان قطاع غزة إقليمًا متمردًا خلال 60 يومًا إذا لم تُسلّم حماس قطاع غزة بالكامل للحكومة، بما فيه الأمن والسلاح، وذلك تزامنًا مع قطع رواتب الموظفين بشكل كامل.


اقرأ/ي أيضًا: 

الذهب في غزة في عصره الحجري

فيديو | فن المصغّرات.. من هواية إلى مصدر رزق

كيف يعيش أهالي غزة تحت أثقال الضغط النفسي؟