20-يوليو-2023
علم فلسطين

يتصاعد النضال الشعبيّ العفويّ والمنظم داخل فلسطين في الآونة الأخيرة، في ظل تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي تجاه أرض فلسطين وشعبها، الأمر الذي ترافق مع تصاعد في نبرة الخطاب الإعلاميّ الداعم للنضال التحرريّ الفلسطينيّ والمؤيد له، وهو أمرٌ محمودٌ عمومًا، رغم جرعات الشحن العاطفيّ الاندفاعيّة الطاغيّة على النسبة الأكبر منه. في حين يعتقد الكاتب أنّ تطور حركة التحرر وبلوغ غاياتها يتطلب جهدًا نقديًّا علميًّا وعمليًّا صادقًا وجادًا، بغرض معالجة الأخطاء التكتيكيّة والاستراتيجيّة الظاهرة، والبناء على عوامل القوة الكامنة، لتمكيننا من تحقيق غايتنا التحرريّة بأقصر زمنٍ وأقل تكلفةٍ ممكنةٍ. وهو ما سوف تتطرق المقالة لقسم منه، مبتعدةً عن الدخول في نقد أصحاب نهج التنسيق الأمنيّ، الذين باتوا عبئا ثقيلاً على شعب فلسطين وقضيتها، نتيجة تناقض نهجهم مع مشروع تحرير فلسطين واستعادة كامل الحقوق الفلسطينيّة، وذلك بسبب كثرة مواد الكاتب السابقة التي تناولت نقد هذا النهج، وانطلاقًا كذلك إلى حاجتنا الآن إلى التركيز على نهج التحرير وخطواته التكتيكيّة المتبعة عمليًّا.

أولاً: ساحات النضال:

إنّ الحديث عن "ساحات النضال" واسعٌ وشاسعٌ ومتنوعٌ، بين ساحاتٍ جغرافيةٍ وأخرى تخصصيةٍ، وهو ما يتطلب التفصيل في كلا النوعين.

أ‌- ساحات النضال الجغرافية:

تمكن الاحتلال الإسرائيلي من احتلال كامل الجغرافيّة الفلسطينيّة إلى جانب أراضٍ لدول جوار فلسطين، كما تمكن من تقسيم مجمل هذه المساحة الجغرافية الخاضعة إلى احتلاله وسيطرته إلى مناطق عدّةٍ، تختلف ظروف كل منها القانونيّة والسياسيّة والحياتيّة، أبرزها أراضيّ 48، مدينة القدس، الضفّة الغربيّة، قطاع غزّة، الجولان، ومزارع شبعا، المحتلة جميعها.

يكمن نقد حركة التحرر الأول في تناسيّ بعض ساحات النضال الجغرافيّ مثل الجولان ومزارع شبعا، وفي إهمال ساحاتٍ أخرى مثل الأراضيّ المحتلة عام 1948، وهنا لا نشير إلى أسلوب الفعل النضاليّ وطريقته وبنيته وتوقيته، بل نحدد النقد في إخراج هذه الساحات الجغرافيّة من رؤية حركة التحرر الاستراتيجيّة المحوريّة. فبغض النظر عن عدم فلسطينيّة قسمٍ من هذه الساحات، إلا أنّها تخضع لسيطرة الاحتلال، ولا تمثل اليوم تهديدًا أمنيًا منظمًا ومستمرًا له، رغم تعدد مظاهر النضال الشعبيّ فيها وتواترها.

يكمن نقد حركة التحرر الأول في تناسيّ بعض ساحات النضال الجغرافيّ مثل الجولان ومزارع شبعا، وفي إهمال ساحاتٍ أخرى مثل الأراضيّ المحتلة عام 1948، وهنا لا نشير إلى أسلوب الفعل النضاليّ وطريقته وبنيته وتوقيته، بل نحدد النقد في إخراج هذه الساحات الجغرافيّة من رؤية حركة التحرر الاستراتيجيّة المحوريّة

إذ يتحمل المشروع التحرريّ مسؤوليّة تحويل نضالات سكان هذه المناطق الدوريّة أو حتّى غير الدوريّة إلى جزءٍ من استراتيجيّة التحرر الشاملة، عبر دعمها أولاً، ودفعها ثانيًا، والتكامل معها ميدانيًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا ثالثًا، في ما يمثل تجسيدًا حقيقيًا وعمليًا لمبدأ وحدة الساحات، الذي سوف نتناوله لاحقًا بالتفصيل.

ب‌-  ساحات النضال المتنوعة:

تطورت العلوم الاستراتيجيّة تطورًا ملحوظًا منذ الحرب البادرة، التي شهدت أنماطًا وأدواتًا استراتيجيّةً متنوعةً، إذ أصبح من شبه المستحيل اليوم الحديث عن استراتيجيّة ما دون التطرق إلى أدواتها الصلبة والناعمة، التي تفرعت بدورها إلى فروعٍ كثيرةٍ، لن ندخل في جميع تفاصيلها الآن، لكن لا بد اليوم من الاهتمام بتنوع أدوات الاستراتيجيّة التحرريّة من الصلبة إلى الناعمة، عوضًا عن التركيز شبه المطلق على قسمٍ وحيدٍ من الأدوات الاستراتيجيّة، متمثلاً في حصريّة القوة الصلبة أو الخشنة، أيّ الفعل العسكريّ المباشر.

في السياق ذاته، نلحظ إشادة مجمل مكونات النضال التحرريّ الفلسطينيّ بالنتائج المحقّقة عبر أدوات قوى التحرر الناعمة، مثل المكاسب التي حققتها حركة الـ BDS، والتي حقّقها المجهود الإعلاميّ والتوعويّ، خصوصًا الذي استهدف الناطقين بغير اللغة العربيّة، وتحديدًا الناطقين باللغة الإنكليزيّة، إذًا نحن أمام مفارقةٍ غير مفهومةٍ، فمن ناحيةٍ نلحظ إشادةً بفاعليّة القوة الناعمة، في حين نجد من ناحيةٍ ثانيةٍ استبعادها كليًّا من الرؤيّة التحرريّة وحساباتها، وهو ما يعبر عن قصورٍ؛ تشويشٍ بالحد الأدنى،  في فهم آليات الصراع وأشكاله.

في الطرف النقيض؛ يوليّ الاحتلال اهتمامًا كبيرًا بأدواته الناعمة، يوازي تقريبًا اهتمامه بأدواته الخشنة العسكريّة، من خططه في مجابهة دور الإعلام البديل في فضح جرائمه وزيف روايته، إلى محاصرة حركة المقاطعة وتجريمها، مرورًا بتقويض عمل الأونروا والعمل على إنهائها، وتوسيع دائرة الدول المطبعة، وتنمية علاقاته الاقتصاديّة والثقافيّة والرياضيّة والفنيّة، وصولاً إلى استراتيجيته البيئيّة التي تنطويّ على حيثياتٍ عديدةٍ، من أهمها ما يعرف بـ "التطبيع الأخضر"، وإبراز الاحتلال كجزءٍ حيويٍّ في جهود حماية البيئة والحفاظ عليها، رغم ما تنطوي هذه الفرضيّة المزعومة من تضليلٍ وكذبٍ.

لكن وعلى الرغم من استبعاد القوة الناعمة من حسابات مشروع التحرر ورؤاه، إلا أنّ جهود الناشطين الذاتيّة داخل فلسطين وخارجها لم تتراجع في أيٍّ من ساحات النضال الناعمة، وهو ما أكسب القضية الفلسطينيّة وشعبها مكاسب عديدةٍ هنا وهناك، منها مكاسبٌ على المستوى الشعبيّ العالميّ في كلٍّ من كندا وأميركا وبريطانيا، قسمٌ مهم منها في أوساط أهم أحزاب تلك الدول مثل الحزب الديمقراطيّ الأميركيّ وحزب العمال البريطانيّ، فضلاً عن المكاسب التي حقّقها في أوساط أتباع الديانة اليهوديّة حول العالم.

يمكن توضيح أهمية القوة الناعمة من خلال التدقيق في حيثيات الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة؛ في شهر مايو/أيّار المنصرم، إذ تعالت الأصوات المطالبة بضرورة الردّ السريع، وهو ما ترجم حرفيًّا من خلال إطلاق فصائل المقاومة لرشقاتٍ صاروخيّة عدّةٍ تجاه مستوطنات "غلاف غزّة"، الأمر الذي عبر عن استخدام الأدوات الصلبة دون الاستفادة من الأدوات الناعمة، في حين كان يمكن التعامل مع الاعتداء بطرقٍ مختلفةٍ وبتراتبيةٍ مغايرةٍ، مثل تأجيل الرد العسكريّ استنادًا إلى حسابات فصائل المقاومة، ليعبر عن فعلٍ فلسطينيٍ عوضًا عن تعبيره عن رد فعلٍ سريعٍ وربّما متسرعٍ، بالتوازي مع تفعيل الأدوات الناعمة وخصوصًا الميدانيّة والإعلاميّة، من خلال تسليط الضوء على جرائم الاحتلال في غزّة، الذي قتل ثلاثة وثلاثين شهيدًا مدنيًّا في سياق فضح الاحتلال دوليًّا، أو من خلال تحريض الكتلة الاجتماعيّة الداعمة للنضال التحرريّ خارج قطاع غزّة على التظاهر والاحتجاج السريع والمتواصل على امتداد الساحات الجغرافيّة المحتلة، فلسطينيّةٍ كانت أم إقليميّة.

ثانيًا: وحدة الساحات:

يعتبر مبدأ وحدة الساحات من أهمّ المبادئ الاستراتيجيّة التي تعلن فصائل المقاومة تبنيّها في استراتيجيتها التحرريّة، وهو مبدأٌ مهمٌّ وحيويٌّ بل وضروريٌّ، لكن لا يخلو تطبيقه من مواضع خللٍ، وهو ما يتجلى في ثلاثة أبعادٍ هي:

أ‌-  مسؤولية قطاع غزّة:

تحول مبدأ وحدة الساحات في السياق الفلسطينيّ إلى ضرورة إقحام قطاع غزّة بعد كلّ جريمةٍ يرتكبها الاحتلال بحق شعب فلسطين وأرضها، وأحيانًا بحق شعوب المنطقة ودولها، خصوصًا الدول المتحالفة مع فصائل المقاومة، وتحديدًا إيران وسورية، وهو ما يعبر عن خللٍ مهمٍّ في فهم المبدأ وتطبيقه، فوحدة الساحات تعني العمل على استنهاض فعلٍ نضاليٍّ في ساحاتٍ جغرافيّةٍ متعددةٍ ردًا على جريمة الاحتلال المرتكبة في منطقةٍ جغرافيّةٍ أخرى، مثل تفعيّل وتحريض المقاومة الشعبيّة في الضفّة الغربيّة المحتلة أو الجولان المحتل في أعقاب اعتداء الاحتلال على غزّة وسكانها؛ وهو ما لم يحدث حتّى الآن، أو مثل تفعيّل المقاومة الشعبيّة في الأراضيّ المحتلة عام 1948، رداً على اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى أو على مدينة القدس عامةً.

تحول مبدأ وحدة الساحات إلى مبدأ يحمل قطاع غزّة مسؤوليّة الرد شبه الحصريّة على أيّ جريمةٍ صهيونيًةٍ، نتيجة أسبابٍ ذاتيّةٍ عدّةٍ، من أبرزها قوّة فصائل المقاومة في قطاع غزّة، ودور السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة الأمنيّ، التي تعمل على حماية الاحتلال

تحول مبدأ وحدة الساحات إلى مبدأ يحمل قطاع غزّة مسؤوليّة الرد شبه الحصريّة على أيّ جريمةٍ إسرائيلية، نتيجة أسبابٍ ذاتيّةٍ عدّةٍ، من أبرزها قوّة فصائل المقاومة في قطاع غزّة، ودور السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة الأمنيّ، التي تعمل على حماية الاحتلال، عبر مجابهة القوى والحركات النضاليّة المنظمة والعفويّة، الجماعيّة منها والفرديّة في المناطق المحسوبة عليها. وهنا لا بد من الإشارة إلى عجز السلطة؛ رغم إخلاصها لدورها الأمنيّ، عن منع بروز تشكيلاتٍ عسكريّةٍ مقاومةٍ جديدةٍ داخل المناطق المحسوبة عليها. كذلك نتيجة استبعاد الرد عبر القوّة الناعمة من حسابات فصائل المقاومة، التي ساهمت في حصر الرد على جرائم الاحتلال بالرد الخشن المباشر، وتحديدًا الاشتباك العسكريّ عبر إطلاق الصواريخ، وأحيانًا عبر الاشتباك الميدانيّ المسلّح في الضفّة الغربيّة، عبر كتائبها ومناصريها أو عبر الكتائب المسلّحة الجديدة، مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين".

ب‌- دورٌ إقليميٌّ:

تروج فصائل المقاومة لمبدأ "وحدة الساحات" من منظورٍ إقليميٍّ، أيّ بما يعبر عن دور دول الإقليم في إنجاح أو إفشال هذا المبدأ، لذا يكثر الحديث عن وحدة الساحات اللبنانيّة والسوريّة والفلسطينيّة، بمعنى إمكانيّة تحريك الساحتين اللبنانيّة والسوريّة الملاصقة للأرضيّ المحتلة إسرائيليًا، وهو تعبيرٌ حقيقيٌّ عن خللٍ عميقٍ في فهم الظرف الإقليميّ والدوليّ الراهن.

فعلى صعيد الساحة السورية؛ التزم النظام السوريّ المسيطر على تطبيق جميع بنود اتّفاقيّة فكّ الاشتباك المتعلقة بهضبة الجولان والموقعة منذ العام 1974، وهو ما يستبعد الساحة السورية من حسابات مبدأ وحدة الساحات عمليًّا، على الرغم من بعض التصريحات الإعلاميّة الجوفاء، التي تهدد من حينٍ إلى آخر بتفعيل هذه الساحة، إلّا أنّ الدلائل الميدانيّة تشير بوضوحٍ إلى تمسك النظام السوريّ ببنود الاتّفاقيّة رغم عشرات؛ ربّما مئات، الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة على الأراضيّ السوريّة، قبل الثورة السوريّة وبعدها، والتي رد النظام السوري عليها بعبارته الشهيرة "التمسك بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، والتي تعني امتناعه عن الرد الذاتيّ بالحد الأدنى، وغالبًا عن أيّ ردٍ كان!!

في حين تشهد الساحة اللبنانيّة أزماتٍ داخليّةٍ مركبةٍ بين مجمل مكونات النظام الطائفيّ اللبنانيّ المسيطر؛ وعلى رأسه حزب الله وحركة أمل، من جهة، وقسمٍ كبيرٍ من الشعب اللبنانيّ، الذي عبر عن رفضه لهذه المنظومة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019. كذلك يشهد لبنان انقسامًا واضحًا وجليًّا حول أدوات المقاومة وشرعية سلاح حزب الله، خصوصًا بعد الانسحاب الإسرائيلي من شبعا، وبعد تفاهمات 2006. فضلاً عن الخلاف حول السلاح الفلسطينيّ، وشبه الاجماع اللبنانيّ حول رفض عودة النشاط العسكريّ الفلسطينيّ التحرريّ المنطلق من أراضٍ لبنانيّةٍ.

أما الساحتان المصريّة والأردنيّة، فكلاهما وقع اتّفاق سلامٍ مع الاحتلال، الأول في كامب ديفيد 1978، والثاني في وادي عربة 1994، الذين تبعهما اتّفاقياتٌ ومعاهداتٌ عدّةٌ ثنائيّةٌ، طبّعت العلاقة مع الاحتلال أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.

كلّ ذلك يقود إلى استبعاد مشاركة أيٍّ من الساحات الإقليميّة المحيطة بالأراضيّ المحتلة إسرائيليًا؛ مصريّةً وأردنيّةً وسوريّةً ولبنانيّةً، في تحويل مبدأ وحدة الساحات إلى حقيقيةٍ انطلاقًا من دورٍ إقليميٍّ واضحٍ وفاعلٍ، وفقًا لبنية النظام الإقليميّ الحاليّة.

ت‌- الدور الشعبيّ:

نجد أنّ حديث فصائل المقاومة عن مبدأ وحدة الساحات يستثنيّ الدور الشعبيّ فيها، كما يستثنيّ النضال عبر الأدوات الناعمة، وكما سبق لنا الذكر يستثنيّ أيضاً تعدد الساحات الجغرافيّ في المناطق المحتلة، إذ يمكن من خلال البناء على هذه العوامل الثلاثة تطبيق مبدأ وحدة الساحات، وإرهاق قوات الاحتلال الأمنيّة والعسكريّة، بفعالياتٍ نضاليّةٍ متعددةٍ ومتنوعةٍ ومنتشرةٍ على مساحةٍ جغرافيّةٍ شاسعةٍ وربّما متباعدةٍ في آنٍ واحد.

ثالثًا: مفهوم الردع:

يقصد بالردع وفق كتاب "الردع الآن" لـ باتريك مورغن "تعزيز الرفاهيّة والمصلحة العامة، وحفظ السلام والأمن في النظام الدوليّ، وما يتفرع عنه من أنظمةٍ إقليميّةٍ، من خلال التهديد بشن عملٍ عسكريٍّ للحيلولة دون تبنيّ الخصم للأهداف السياسيّة التي يترتب عليها الصراع". أيّ يعني الردع بالعموم ردع الخصوم عن الإضرار بمصالح الدولة أو الجماعة، نتيجة التبعات المحتملة السلبيّة على الطرف المعتديّ، دون الحاجة إلى استخدام القوّة العسكريّة الخشنة. وللردع أنواعٌ عديدةٌ ووسائلٌ متعددةٌ، منها الحرب النفسيّة والإعلاميّة والثقافيّة وسباق التسلّح بأنواعه المختلفة، والحرب العلميّة وغيرها الكثير. كما يشار عالميًّا إلى نجاح مبدأ الردع المتبادل في الحؤول دون تحول الحرب الباردة بين القطبين العالمين؛ الولايات المتّحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، في القرن الماضي إلى حربٍ تقليديّةٍ مباشرةٍ أو حربٍ نوويّةٍ، كان يمكن لها أنّ تدمر الكرة الأرضيّة قاطبةً.

بعد اسقاط مفهوم الردع على الحالة الفلسطينيّة، وعلى وضع الاحتلال في فلسطين والمنطقة، نلحظ فشل طرفيّ الصراع؛ الاحتلال والمُحتل، في ردع الطرف الآخر، إذ فشل الاحتلال في ردع الشعب الفلسطينيّ فرديًّا وجماعيًّا عن مجابهة الاحتلال، وعن التصدّيّ لاعتداءاته المستمرّة، منذ النكبة إلى اليوم، على الرغم من التفوق العسكريّ والأمنيّ الإسرائيلي، وعلى الرغم من تفوقه الواضح في الحروب النفسيّة والإعلاميّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة.

بعد اسقاط مفهوم الردع على الحالة الفلسطينيّة، وعلى وضع الاحتلال في فلسطين والمنطقة، نلحظ فشل طرفيّ الصراع؛ الاحتلال والمُحتل، في ردع الطرف الآخر، إذ فشل الاحتلال في ردع الشعب الفلسطينيّ فرديًّا وجماعيًّا عن مجابهة الاحتلال، وعن التصدّيّ لاعتداءاته المستمرّة، منذ النكبة إلى اليوم

كذلك نلحظ على الطرف النقيض عدم نجاح شعب فلسطين الأصلي وفصائله في ردع الاحتلال عن المضيّ في جرائمه واعتداءاته واحتلاله إجمالاً، إذ يعتقد الكاتب أنّ نجاح الردع الفلسطينيّ يتمثّل في زوال الاحتلال، على اعتبار الاحتلال اعتداءً مستمرًّا ويوميًّا يهدد مصالح الفلسطينيّين والمنطقة قاطبةً، كما يهدد السلام والأمن في المنطقة، وعليه وبعيدًا عن المبالغات الخطابيّة؛ يمكن القول أنّ الردع في حالة الاحتلال أمرٌ غير واقعيٌّ ولا يمكن تحقيقه إلا باستسلام المُحتل أو زوال الاحتلال كليًّا.

لذلك يعتقد الكاتب أن الحديث فلسطينيًّا عن ردع الاحتلال في ظلّ الاحتلال أمرٌ غير صحيحٌ، فكلا المفهومين متناقضين، ويسهل تلمس شواهد ميدانيّةٍ تثبت عدم النجاح في ردع الاحتلال، كما تعكس تجارب الفلسطينيّين اليوميّة، من استمرار اعتداءات الاحتلال وجرائمه بحق شعب فلسطين وأرضها، وهو ما يمثّل تناقضًا صريحًا بين المعلن من قبل الفصائل الفلسطينيّة وداعميها الإقليمين ومنظريها الإعلاميّين والعسكريّين والسياسيّين من جهةٍ، وبين التطورات الميدانيّة اليوميّة، إنّ لم نقل اللحظيّة من جهةٍ أخرى.

من هنا يعتقد الكاتب أنّ تبنيّ مبدأ الردع استراتيجيًّا وتقييم النضال الفلسطينيّ وفقًا له، خطأٌ يجب تصحيحه بأسرع وقتٍ ممكنٍ، كما يرى ضرورة العودة إلى شعار أو مبدأ "وراء الاحتلال أو العدو في كلّ مكان"، الذي يعكس مفاهيمًا نضاليّةً متراكبةً ومتكاملةً تشمل النضال على جميع المستويّات والساحات الجغرافيّة، ويشمل جميع الأشكال النضاليّة، وهو ما تحتاجه الحركات التحرريّة عامةً والفلسطينيّة خاصةً.

رابعًا: توازن الرعب:

أيضاً ينطويّ مفهوم أو مبدأ توازن الرعب على خللٍ مفاهيميٍّ يتناقض مع مفهوم التحرر، فضلاً عن نتائج هذا المبدأ المباشرة، التي قد لا تصب في صالح تحقيق هدف حركة التحرر الرئيسيّ، المتمثّل في التحرر ذاته. فمن ناحيةٍ مفاهيميّةٍ النضال التحرريّ حقٌ مشروعٌ وفق القانون الدوليّ ومبادئ الأمم المتّحدة والعرف الإنسانيّ، بل تنص بعض نصوص القانون الدوليّ على واجب الدول في حماية النضال التحرريّ، على اعتباره واجبٌ إنسانيٌّ يسعى إلى منع الظلم والاستغلال من قبل أيّ طرفٍ كان، كم في القرار الأمميّ رقم 3103 الذي ينص على " إن أي محاولة لقمع الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة...". وعليه فالنضال التحرّريّ بجميع أشكاله نتاج فعلٍ إجراميٍّ يوميٍّ هو الاحتلال، الذي يتحمل كامل مسؤوليّة تقويض أمن واستقرار المنطقة التي يحتلها، بل ومحيطها الإقليميّ، كما يتحمل كامل المسؤوليّة على بث الرعب والقلق وغياب الأمان في نفوس سكان المنطقة كاملةً. في حين يسعى النضال التحرريّ إلى إنهاء الاحتلال المسبب لكل ما ذكر قبل قليل، وعليه فهو يسعى إلى استعادة أمان واستقرار وازدهار المنطقة، من خلال إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المستلبة من قبله.

المفارقة هنا، أنّ الاحتلال المسبب الرئيسيّ لتقويض أمن واستقرار المنطقة، يعمل يوميًّا على تشويه المفاهيم وعكسها، من خلال أدواته الناعمة التي تعمل على قلب الحقائق، عبر تحميل النضال الفلسطينيّ مسؤوليّة زعزعة أمان المنطقة وسكانها، محاولاً تصدير مفاهيمٍ مضللةٍ تبرر جرائمه اليوميّة بسعيه إلى ضمان استقرار وأمن المنطقة، في حين كان ولا زال على النضال التحرريّ الفلسطينيّ تقويض هذه المزاعم الزائفة، وتوضيح الحقائق كما هي، من خلال تصدير النضال التحرريّ كنضالٍ مشروعٍ يعمل على إنهاء الاحتلال المسبب الرئيسيّ في سلب المنطقة أمنها واستقرارها، وهو ما يتناقض مع مفهوم أو مبدأ "توازن الرعب"، وربّما يحققّه من ناحيةٍ مفاهيميّةٍ مفهوم أو شعار "إنهاء الرعب" أو "استعادة الأمن والاستقرار".

من ناحية الأهداف أو النتائج، يطرح تبنيّ هذا المبدأ إشكاليّةً إجرائيّةً ذات بعدين، تمثّل الأولى تركيز الجهود النضاليّة لصالح تحقيق مبدأ توازن الرعب، ما قد يسبب تحيدًا غير مقصودٍ لهدف التحرير ذاته؛ في بعض الأحيان، وهو ما يعني انحرافًا بسيطًا؛ ربّما متدحرجًا، في مسار النضال التحرريّ، أما الثاني فيعبر عن دروٍ محتملٍ؛ لتبنيّ هذا المبدأ، في دفع كتلة الاحتلال الاجتماعيّة نحو مزيدًا من العنف والتماسك حول ممارسات الاحتلال الإجراميّة، بدلاً من دفعها في الاتجاه الأخر؛ ولو مؤقتًا، وهو ما ينعكس سلبًا على ظروف مجمل الشعب الفلسطينيّ داخل فلسطين تحديدًا، وأحيانًا خارجها أيضًا.

خامسًا: توازن الخسائر ومبدأ الرد:

يطرح مبدأ توازن الخسائر من قبل داعميّ النضال التحرريّ الخشن وناقديه على حدٍ سواء، وفق منظورين مختلفين ظاهريًّا، لا يخلوان من مشاكل بنيويٍّة واضحةٍ وبينةٍ، فعلى صعيد الوسط الناقد؛ نلحظ انطلاقه من مقارنة خسائر الاحتلال بخسائر الشعب الفلسطينيّ، في حين ينطلق الوسط الداعم من ضرورة سعي قوى النضال الخشن إلى تكبيد الاحتلال خسائر مشابهةٍ في النوع والأثر لتلك التي خلفتها ممارسات الاحتلال الإجراميّة، كلا المنطقين ينطلقان من أساسٍ غير منطقيٍّ وربّما غير واقعيٍّ، فالاحتلال؛ أي احتلال، هو قوّةٌ قسريّةٌ متفوقةٌ في قدراتها العسكريّة والأمنيّة بالحد الأدنى، تُفرض من خلال هيمنةٍ وسيطرةٍ قسريّةٍ على الشعب المُحتل، عبر ممارساتٍ إجراميّةٍ يوميّةٍ، تتسبب في خسائر ماديّةٍ وبشريّةٍ كبرى، على عكس قوى النضال التحرريّ الخشنة، التي تخوض النضال بإمكانياتٍ لوجستيّةٍ محدودةٍ نسبيًّا؛ مقارنةً مع إمكانيات الاحتلال، على الصعيدين الكميّ والنوعيّ، وهو ما ينعكس على كفاءة وفاعليّة هذه القوى، فضلاً عن التداعيات التي يفرضها موقع الصراع الجغرافيّ، الذي يَحدُثُ غالبًا ضمن الأراضيّ المحتلة، ما يجعل تداعيات الصراع أو المواجهة متمركزةً داخل الأراضيّ المُحتلة، وتطال الشعب المُحتل؛ أحيانًا الوسط الاجتماعي الداعم له، أو الذي لا يدعم الاحتلال، دون قصدٍ من قبل قوى النضال التحرريّ الخشن، وعن قصدٍ عبر ممارسات الاحتلال الإجرامية الانتقاميّة.

بناء عليه؛ يعتقد الكاتب أنّ تحقيق مبدأ توازن الخسائر غير ممكنٍ في ظل الاحتلال، وخصوصًا في نماذج الاحتلال الطفيليّ، المستند إلى دعمٍ دوليٍّ كبيرٍ وضخمٍ عبر مساعداتٍ ماليّةٍ ولوجستيّةٍ مباشرةٍ، وعبر دعمٍ غير مباشرٍ من خلال استثماراتٍ ماليّةٍ ضخمةٍ ونوعيّةٍ تفضيليّةٍ، وعقودٍ تجاريّةٍ تفضيليّةٍ تدعم خزينة الاحتلال وبنيته الاقتصاديّة، وهو ما ينطبق على الاحتلال الإسرائيلي. في حين يجب تبنيّ مبدأ "الخسائر النوعيّة"، الذي يعبر عن نوعيّة الأهداف التي يستهدفها النضال التحرريّ وأولويّاتها، استنادًا إلى فهم طبيعة الاحتلال ومصالحه المستهدفة من احتلاله، ومرتكزات قوته الرئيسيّة، بدلاً من اعتماد مبدئٍ كميًّ لقياس الخسائر، كما يتح هذا المبدأ إفشال مخططات الاحتلال التحريفيّة، التي تعمل على تصدير الصراع كصراعٍ بين طرفين متوازنين، أحدهما يسعى إلى فرض أمانٍ واستقرارٍ مزعومٍ في مقابل عشوائيّة وغوغائيًة الطرف الأخر، استنادًا إلى قوّة أدواته الاستراتيجيّة الناعمة.

يعتقد الكاتب أنّ تحقيق مبدأ توازن الخسائر غير ممكنٍ في ظل الاحتلال، وخصوصًا في نماذج الاحتلال الطفيليّ، المستند إلى دعمٍ دوليٍّ كبيرٍ وضخمٍ عبر مساعداتٍ ماليّةٍ ولوجستيّةٍ مباشرةٍ، وعبر دعمٍ غير مباشرٍ من خلال استثماراتٍ ماليّةٍ ضخمةٍ ونوعيّةٍ تفضيليّةٍ

إنّ تبني مبدأ "الخسائر النوعيّة" يمكن النضال التحرريّ من تسليط الضوء الإعلاميّ والتوعويّ على جرائم الاحتلال ضدّ الإنسانيّة، في مقابل توجيه ضرباتٍ متتابعةٍ نوعيّةٍ؛ بغض النظر عن أدوات النضال هنا ناعمةً كانت أم خشنةً، تستهدف أسس الاحتلال، وتعيق تحقيق أهدافه الرئيسيّة من فعله الاحتلاليّ الإجراميّ.

من هنا يبدو مبدأ الرد، المكرر في غالبية بيانات فصائل المقاومة والتشكيلات المقاومة الجديدة؛ عرين الأسود وكتيبة جنين، غير دقيقٍ وغير منسجمٍ مع مفاهيم حركة التحرر، بقدر ما يعبر عن رد فعلٍ انفعاليٍّ متسرعٍ لا يخلو من مفهوم الثأر المتناقض مع المنطق الإنسانيّ السليم، والمبادئ الإنسانيّة المقرة دوليًّا، والمتفق عليها وفق العرف الإنسانيّ الطبيعيّ، فضلاً عن عدم انطباقه على شرعيّة الفعل النضاليّ التحرريّ المقر دوليًّا؛ كما ذكرنا سابقًا. إنّ جرائم الاحتلال يوميّةٌ بفعل جرم الاحتلال المستمر، على اعتباره هيمنةً وسيطرةً قسريّةً، إلى جانب جرائمه ضدّ الإنسانيّة المرتكبة شبه يوميًّا بحق الشعب المُحتل وأرضه، وعليه فالرد الاندفاعيّ على جرائم الاحتلال يشوش على مسار النضال التحرريّ، وربّما يحرفه عن هدفه التحرريّ، نحو منطقٍ انفعاليٍّ متسرعٍ، يولي الرد السريع أولويةً على العمل المنظم والموجه صوب التحرير.

وعليه يمكن تبنيّ مبدأ "المقاومة المستمرة بجميع الأشكال، وفي جميع الساحات،" كمبدئٍ محوريٍّ، يعكس ردًا تحرريًّا يناقض فعل الاحتلال الإجراميّ المستمر باستمرار الاحتلال ذاته.

سادسًا: الرد السريع وتحكم الاحتلال غير المباشر في مسار النضال:

يساهم مبدأ الرد السريع في تمكين الاحتلال من تحديد زمن الرد المقاوم ومكانه وطبيعته، وهو ما يفقد حركة التحرر عنصر المفاجئة المهم في أيّ عمليّةٍ نضاليّةٍ أولاً، كما يُمكن الاحتلال من التنبؤ برد الفعل النضاليّ ثانيًا، من خلال التأثير على النضال التحرريّ ذاته، عبر تصعيد جرائمه وفق خططه ومساراته الخاصة، بما يدفع القوى التي تمارس النضال التحرريّ إلى ردٍ سريعٍ عليها، منسجمةٍ مع توقعات الاحتلال، وتوقيته الذي اختاره لغاياتٍ قد لا تبدو واضحةً في الوهلة الأولى.

من هنا يعتقد الكاتب أنّ عنصريّ المفاجئة والتخطيط المسبق، عنصرين مهمين في سياق استراتيجيّةٍ تحرريّةٍ صلبةٍ، ومشروطان بقدرة القوى الشعبيّة والفصائليّة؛ التي تمارس النضال التحرريّ، على التحرر من تأثير الاحتلال غير المباشر، من خلال تجاوز رد الفعل الانفعاليّ على جرائم الاحتلال، والتأسيس لفعلٍ تحرريٍّ مستمرٍ رداً على جريمة الاحتلال المستمرة، فالاحتلال جريمةٌ مستمرةٌ تتطلب فعلاً تحرريًّا مستمرًا، بعيدًا عن منطق رد الفعل الانفعاليّ على بعض جرائم الاحتلال اليوميّة، في حين تتطلب جرائم الاحتلال اليوميّة، فعلاً شعبيًّا مقاومًا بالضرورة، يتصدى للاحتلال وأدواته القسريّة، كما يجسدها الشعب الفلسطينيّ في مقاومته تقسيم القدس زمانيًّا ومكانيًّا، وفي مقاومة الاستيطان شبه اليوميّة، وفي مئات الأمثلة على تصدي الشعب الفلسطينيّ لجرائم الاحتلال اليوميّة على امتداد الجغرافيّة الفلسطينيّة، سواء المحتلة عام 1948، أو تلك المحتلة في العام 1967.

سابعًا: الرؤية أو المشروع السياسيّ:

ينطلق النضال التحرريّ من أولويّة التحرير على المشروع السياسيّ، وهو أمرٌ صحيحٌ من ناحيةٍ إجرائيةٍ، في حين يتطلب النضال التحرريّ رؤيةً سياسيّةً أكثر شمولاً، تمثّل مشروعًا نهضويًّا وتقدميًّا يلبي طموحات وغايات الشعب المُحتل في المرحلة التي تلي التحرر، فالاحتلال فعلٌ قسريٌّ عنيفٌ وهو فعلٌ استلابيٌّ يوميٌّ، يحرم المُحتل من أبسط حقوقه المعيشيّة منها والسياسيّة، أيّ هو مشروعٌ ينهب ثروات المنطقة المُحتلة وشعبها، كما يعيق مسار تطورها، ونهوضها العلميّ والاقتصاديّ والثقافيّ والسياسيّ، فضلاً عن دوره في زرع انقساماتٍ مجتمعيّةٍ متعددةٍ، تسهل على الاحتلال سيطرته القسريّة، من هنا تتأتى أهمّية المشروع السياسيّ التحرريّ، الذي يطرح رؤيّةً تحرريّةً تتجاوز حدود الاحتلال المباشر، لتعالج تداعيات الاحتلال المتشعبة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.

كذلك تساهم الرؤيّة السياسيّة التحرريّة في تمتين حاضنة المشروع التحرريّ الداخليّة منها والخارجيّة، كما تساعد في تمتين تحالفاتٍ صلبةٍ عابرةٍ للحدود الجغرافيّة. وهنا لا بد من الإشارة إلى ميثاق منظمة التحرير الأساسيّ؛ بنسختيه القوميّ والوطنيّ، الذي قدم رؤيّةً سياسيّةً مهمةً؛ نفتقد مثيلها اليوم في سياق القوى المنخرطة في مشروع التحرير، رغم حاجتنا إلى تطوير هذه الرؤيّة، والعمل على تكاملها على مستوياتٍ عديدةٍ، إلّا أنّها قاعدةٌ مهمةٌ وجامعةٌ، يمكن الاستناد إليها، والانطلاق منها، نحو مشروعٍ سياسيٍّ تحرريٍّ متكاملٍ واضح المعالم.

الخاتمة:

اختصرت المعالجة الواردة هنا على نقد استراتيجيّة النضال التحرريّ، بمعزلٍ عن المستويّات السياسيّة الذاتيّة والموضوعيّة المرتبطة بها، من الجسم السياسيّ الفلسطينيّ؛ ممثّلاً بمنظمة التحرير والفصائل والقوى الفلسطينيّة المنضوية وغير المنضوية في المنظمة، إلى الظرف الإقليميّ والدوليّ الراهن، ومرورًا بمستوياتٍ عدّةٍ أخرى، على الرغم من أهمّية الخوض فيها، ونقاشها بجديّةٍ تستند إلى رؤيّةٍ نقديّةٍ علميّةٍ وعمليّةٍ، بغرض استخلاص الدروس، وتدارك النواقص، ومعالجة الأخطاء، للوصول إلى الأهداف المنشودة، بأقل الاثمان والخسائر، وعلى رأسها تحرير فلسطين واستعادة كل الحقوق الفلسطينيّة. بناء عليه تعتبر هذه الورقة مساهمةٌ بسيطةٌ وجزئيّةٌ في هذا السياق، الذي يتطلب عملاً جماعيًّا مستمرًا، إذ يجب تبني النهج النقديّ على اعتباره جهدًا بناءً يخدم مصالح شعب فلسطين، ويساهم بدوره في تحرير فلسطين واستعادة كل الحقوق المستلبة.