04-سبتمبر-2023
تفجير عبوة ناسفة قرب مركبة عسكرية إسرائيلية عند مدخل مخيم جنين | تصوير ناصر اشتية العبوات الناسفة الضفة الغربية الترا فلسطين

تفجير عبوة ناسفة قرب مركبة عسكرية إسرائيلية عند مدخل مخيم جنين | تصوير ناصر اشتية

إلقاء الحجارة ثم الطعن ثم القنابل اليدوية ثم عمليات إطلاق النار، ثم العبوات الناسفة محلية الصنع. على هذا النحو بالإمكان استعراض تاريخ تكتيكات الانتفاضة الأولى، وهو ما ينطبق إلى حد ما على الانتفاضة الثانية. ولا يعني دخول تكيتك ما للعمل المقاوم، استبعاد أسلافه من جعبة المنتفضين. هذا التطور في السلاح، يرافقه تعاظم الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال والمستوطنين.

العبوات هي السيف الذي يبدد شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي، ففي الانتفاضة الثانية حصدت غالبية القتلى، وهي التي أطاحت بدرة التصنيع العسكري الإسرائيلي، حينها، عندما أحالت دبابة "ميركافا" إلى أشلاء من الفولاذ

"العبوات الناسفة" في الانتفاضات تأتي دومًا بشكل تدريجي، عندما تنتقل الأحداث من طور العفوية الشعبي إلى مرحلة التنظيم التدقيق. في الانتفاضة الأولى بدأت العبوات الناسفة باستهداف جيش الاحتلال في مساراته، ثم انتقلت إلى استهداف الحافلات التي تقل المستوطنين في الضفة الغربية، ولاحقًا لاستهداف الحافلات والمطاعم في عمق التجمعات السكنية داخل الخط الأخضر.

والعبوات هي السيف الذي يبدد شعور الإسرائيليين بالأمن الشخصي، ففي الانتفاضة الثانية حصدت غالبية القتلى، وهي التي أطاحت بدرة التصنيع العسكري الإسرائيلي، حينها، عندما أحالت دبابة "ميركافا" إلى أشلاء من الفولاذ. وقبل ذلك، في كمين منزل محمود الطوالبة، خلال معركة جنين الأولى، فتكت العبوات بقوة نخبة من كتيبة "نحشون" التابعة للواء المدرعات.

وبعد تفجير العبوة الناسفة بمصفحة "الفهد" في محيط مخيم جنين، شهر حزيران/يونيو، وإصابة ستة جنود، كشف أمير بخبوط، المعلق العسكري لموقع "والا" العبري، أن المنظومة الاستخبارية قدمت إنذارات للجيش حول اتساع نطاق مختبرات تصنيع العبوات الناسفة وبطريقة استخدامها من جانب المسلحين في مخيم جنين، وأنها تحولت لخطر محدق على حرية الحركة لقوات الجيش في الضفة الغربية، وبناء على ذلك صدرت التوصية بتنفيذ اجتياح مخيم جنين من أجل تجريد المسلحين من قدراتهم في مجال تصنيع العبوات الناسفة واستخدامها.

وخلال اجتياحه لمخيم جنين، الذي عُرف في الصحافة العبرية باسم "البيت والحديقة"، أعلن الجيش أنه عثر على مختبرات لتصنيع عبوات ناسفة من مواد ذات استخدام مشترك عسكري ومدني، وصادر المئات من العبوات الناسفة، ودمر شوارع معبدة تزيد مسافتها عن كيلومتر، بزعم التخوف من وجود عبوات ناسفة كبيرة تحت الإسفلت.

بعد تدمير مصفحة "الفهد"، اعتبرت قيادة المنطقة الوسطى (الضفة الغربية) في جيش الاحتلال العملية "أمرًا خطيرًا وصادمًا، وتغييرًا في قواعد اللعبة". وكما تتصرف الجيوش وحتى المليشيات،  أجرى جيش الاحتلال تحقيقًا في الحادثة لاستخلاص العبر منها، وبالتالي كان يحتاج معلومات استخبارية لمعرفة لتشخيص الخلل الذي أسفر عن وقوع "الفهد" وبقية القافلة في كمين العبوة الناسفة، لأن ذلك يعني أن المقاومين في المخيم كانوا يعرفون مسار اقتحام القافلة ومسار انسحابها أيضًا.

ربما بإمكان جيش الاحتلال و"الشاباك" تبرير عملية تدمير "الفهد" والفشل في كشف العبوات مسبقًا بأنها كانت عملية خاطفة، فبمجرد وصول "المعلومة الذهبية" عن وجود "المطلوبين" انطلقت القوات بسرعة وانسحبت بسرعة، ولم يكن لديها الوقت لتأمين المنطقة سلفًا، لكن ذلك يعني أن المقاومين في جنين أيضًا لديهم سرعة استجابة وعبوات فتاكة لم يدخلها "الشاباك" في حساباته لحظة اتخاذ قرار تنفيذ العملية الخاطفة.

تفجير حزيران/يونيو في جنين تكرر في نابلس آخر أيام آب/أغسطس، ولكن هذه المرة تجلى الفشل في الاستطلاع التكتيكي والعجز الاستخباري بشكل أوضح، فالعملية هنا لم تكن خاطفة، بل إن مسار الدوريات محدد مسبقًا، كما لم ترصد طائرات الاستطلاع التابعة لاستخبارات الجيش "أمان" عملية زرع العبوة الناسفة الكبيرة نسبيًا ولا وجودها، كما أن "الشاباك" لم يكن على علم مسبق بها. وإضافة لذلك لم ينجح الجهازان في اكتشاف مجموعة الاستطلاع الفلسطينية التي أعطت الضوء الأخضر لتفجير العبوة الناسفة لحظة اقتراب القوة الراجلة التي كانت مكلفة أصلاً باستطلاع الميدان، وفقًا لإذاعة جيش الاحتلال.

"عبوة نابلس"، تؤكد أن جيش الاحتلال لم يحقق هدفه بتجريد المقاومين من قدراتهم على إنتاج العبوات الناسفة الذي كان أحد أهداف مخيم جنين. وبخلاف عملية افتراس مصفحة الفهد التي تمت بطريقة التفجير السلكي، فقد كان التفجير في نابلس عن بعد، إذ انتظر المقاتلون وصول القوة إلى الموقع وترجلهم من المركبة ثم فجروها. والأخــــطر من ذلك أن دائرة استخدام العبوات لم تعد تقتصر على جنين بل توسعت لتشمل نابلس.

وفي تقريرها حول "عبوة نابلس"، أوضحت القناة 12 الإسرائيلية أنها "عبوة كبيرة نسبيًا، تزن حوالي 20 كغم، والفحص الأولي أظهر أنها لا تحتوي على مادة متفجرة عادية، ولكن لزيادة تأثير الانفجار أضيفت لها البراغي والمسامير، ولهذا السبب جاء تأثير الانفجار كبيرًا جدًا.

وأضافت، أن "عبوة نابلس تثير قلق المؤسسة الأمنية، إذ يُمكن من مسافة بعيدة رؤية صورة الانفجار وأعمدة الدخان، إلى جانب اللون الذي قد يشير إلى مادة متفجرة يتم تجميعها في مختبرات مرتجلة من الأسمدة والمكونات الأخرى".

"عبوة نابلس"، تؤكد أن جيش الاحتلال لم يحقق هدفه بتجريد المقاومين من قدراتهم على إنتاج العبوات الناسفة الذي كان أحد أهداف مخيم جنين

وأظهر تحقيق جيش الاحتلال في تفجير "عبوة نابلس"، وفقًا لما نشر موقع "واللا"، أن العبوة زرعت على طرف الشارع قرب صخور ساعدت على إخفائها، وأخذت خلية استطلاع تراقب الوضع، ثم في اللحظة المناسبة أعطت الضوء الأخضر لشخص كان دوره تفجير العبوة، ليُصاب ضابط وثلاثة جنود بجروح خطيرة ومتوسطة.

في عقول منظري الحرب الإسرائيليين، العبوات الناسفة تستدعي "ميزان الرعب" الذين يعني تفجير العبوات الناسفة التي يحملها الشبان في قلب التجمعات السكنية اليهودية، وهو خيار يلجأ إليه الفلسطينيون في ظل تزايد ضحاياهم المدنيين سواء بنيران الجيش أو المستوطنين كما حدث ردًا على مذبحة الحرم الإبراهيمي.

وحتى الآن، التقييم السائد في "إسرائيل" بهذا الخصوص، وفقًا للمعلق العسكري  لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، أن السقف الذي لم يتم خرقه حتى الآن هو العودة إلى العمليات الانتحارية، فالتنظيمات الفلسطينية مترددة في الذهاب إلى هذا الخيار "باعتبار أنه السبب في فشل الانتفاضة الثانية" حسب قوله. لكن الحقيقة التي أغفلها هرئيل أن جزءًا ليس بالقليل من  التفجيرات داخل الخط الأخضر بادرت إليها خلايا منفردة ردًا على ارتقاء شهداء مدنيين دون الحصول على ضوء أخضر من الفصائل.