توفيت رضيعة لم يتجاوز عمرها 4 أشهر، يوم أمس الجمعة، في مركز طوارئ "ابن سينا" ببلدة حوارة جنوب نابلس نتيجة معاناتها من اختناق وضيق تنفس. تقول عائلة الطفلة إنها وصلت المركز الطبيّ و"قلبها يعمل"، وتلقي باللوم على انقطاع الكهرباء ونقص المعدّات وعدم وجود كادر طبيّ. فيما ترد وزارة الصحة بأن الطفلة وصلت "متوفاة" نتيجة الاختناق بعد الرضاعة.
تقول عائلة الرضيعة "غرام ياسر عرفات" إنّها توفيت بعد أن وصلت مركزًا طبيًّا في بلدة حوارة جنوب نابلس، كان بلا كهرباء، ويفتقر للمعدّات، ووزارة الصحة تقول إن الرضيعة وصلت "بلا أي علامات حياة"
وقال "ياسر عرفات"، والد الطفلة "غرام"، وهو من بلدة عينابوس جنوب نابلس، لـ "الترا فلسطين" إن زوجته أرضعت طفلته مساءً، ثم وضعتها في السرير، وبعد دقائق عادت لتفقدها ووجدتها غير قادرة على التنفّس، فحملتها ونزلت بها، ثم أخذها شقيقه وتوجّه بها إلى المركز الطبيّ الأقرب عليهم؛ طوارئ ابن سينا في بلدة حوارة.
والد الطفلة: الكهرباء في المركز الطبيّ بحوارة كانت مقطوعة، وحاولوا إعطاءها أوكسجين عبر قارورة مياه فارغة!
وأضاف والد الطفلة الرضيعة: "تفاجأنا بأنه لا يوجد كهرباء بسبب انقطاع التيار الكهرباء، وكذلك لا يوجد مولّد كهرباء، وليس هناك كادر طبي لإسعاف الطفلة التي وصلت المركز و"قلبها يعمل ولديها نفس"، ولكن لم يتمكنوا من وضعها على جهاز الأكسجين بسبب انقطاع الكهرباء، و"حاولوا إعطاءها أوكسجين عبر قارورة مياه فارغة دون جدوى، ولو توفّرت أجهزة طبية وكهرباء لتم إنعاشها".
وتابع الوالد: "لا يتوفر شيء في المركز لإسعاف الطفلة التي ظلّت هناك لنحو 20 دقيقة، كما لم تتوفّر مركبة إسعاف لنقلها إلى مستشفى رفيديا داخل مدينة نابلس، ووصلت "الإسعاف" بعد أن فارقت الرضيعة الحياة في المركز".
ويتمنى الوالد الحزين على فقدان طفلته، بأن تكون حالة "غرام ياسر عرفات، سببًا في توفّر كادر طبي، ومعدّات لعلاج لكافة المرضى في مركز طوارئ حوارة". ويشير إلى أنه وقبل سنوات فقد طفله الذي وُلد في مستشفى بنابلس، وتوفي فيه جرّاء مضاعفات بعد 10 أيام من ولادته برئة غير مكتملة، ونتيجة تقديم إحدى الممرضات حليبًا للطفل، ما أدى لاختناقه ووفاته، وقال إن المستشفى ما يزال يطالبه بالمبلغ الذي لا يستطيع دفعه.
بلدية حوارة: الوعود بتحويل المركز الطبي إلى مستشفى، ما تزال على الورق..
بلدية حوارة من جهتها، أصدرت بيانًا أكّدت فيه على تفاصيل حادثة وفاة الطفلة، وجددت التذكير بأن المركز الطبي تم تجهيزه بالكامل على نفقة أهالي البلدة خلال "الانتفاضة الثانية" وجرى تسليمه لوزارة الصحة من أجل إدارته.
وأشارت إلى كتاب صدر من ديوان الرئاسة الفلسطيني في حزيران/ يونيو 2022، ينص على تحويل مركز طوارئ حوارة إلى مستشفى.
وقالت البلدية إنه ورغم مراسلاتها مع وزارة الصحة إلا أن الأخيرة تضرب بجميع القرارات عرض الحائط، وحمّلت البلدية، الوزارة، مسؤوليّة نقص المعدات والكوادر الطبية وتشغيل المركز بالشكل الصحيح والذي يفترض أن يخدم أكثر من 120 ألف شخص في بلدات وقرى جنوب نابلس.
ويقول المستشار القانوني لبلدية حوارة خالد رشيد لـ"الترا فلسطين"، إن المركز يعاني من نقص كادر طبي ونقص معدات، وحتى أن أبسط الاحتياجات غير موجودة فيه، والبلدية تعاني مع وزارة الصحة ورئيس الوزراء في هذا الأمر منذ زمن، وهناك العديد من المراسلات وأكثر من مرة قدّموا لنا وعودات بتحويل المركز إلى مستشفى أو على الأقل توفير كادر طبي يتعامل مع الحالات، خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها منطقة جنوب نابلس، وإغلاق حاجز حوارة، ولكن دون جدوى.
وبيّن رشيد أنه تمّت مراسلة وزيرة الصحة مي كيلة بعد أحداث الحرق والاعتداءات التي نفّذها المستوطنون في حوارة خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، ولكن دون جدوى. ويلفت إلى أن المركز كان يحوي أجهزة طبية منها ما تبرّع به أهالي حوارة، لكنها اختفت ولا يعرفون إن كانت سُرقت أو تم نقلها لمراكز أخرى.
ولكن لماذا لم توفّر بلدية حوارة مولّد كهرباء على الأقل؟ ردّ مستشار البلدية القانوني بأن الكهرباء ليست تابعة للبلدية، بل هي تابعة لكهرباء الشمال، والأصل في وزارة الصحة أن توفر مولدات كهرباء لمراكزها، ولم يسبق أن طلبوا منا تقديم مولد كهربائي، ولو طلبوا أي شيء لتم تقديمه من أهالي البلدة.
الصحة: الطفلة وصلت المركز بلا علامات حيوية، وانقطاع الكهرباء لم يكن السبب في وفاتها
القائم بأعمال مدير إدارة المستشفيات في وزارة الصحة معتصم محيسن، قال لـ"الترا فلسطين" إن الطفلة وصلت المركز الطبيّ وقد فارقت الحياة، ولا توجد عليها علامات حيوية"، على الرغم من أنّ والدها "ياسر" قال إنها وصلت و"قلبها يعمل".
وأضاف محيسن أنه وبحسب إفادة من أحضر الطفلة، فإن من قام بإرضاعها ليس الوالدة، وإنما إحدى أخواتها أو أخواتها (بواسطة قنينة الرضاعة)، ولم تتجشّأ، وهو ما كان سببًا في اختناقها، ووفاتها.
وأكد عدم وجود تيّار كهربائي في المركز بسبب ما قال إنها "أعمال صيانة في المنطقة ككل"، وأقرّ بعدم وجود مولّد كهربائي في المركز، غير أنه "لم يكن السبب في وفاتها" بحسب ما قال.
اتفاقيّات مع الصحة لم تُنفّذ
وفتحت وفاة الطفلة "غرام" الباب أمام أسئلة تتعلق بمركز طوارئ ابن سينا في حوارة، وما يطاله من انتقادات بسبب نقص المعدات والكوادر والأقسام.
يروي معين ضميدي أن أهالي حوارة تبرّعوا بإنشاء المركز واستكمل العمل فيه عام 2000، وتم تسليمه لوزارة الصحة وعمل اتفاقية في عهد وزير الصحة الأسبق فتحي أبو مغلي عام 2009، وتنصّ الاتفاقية على أن تقدم البلدية المبنى لوزارة الصحة كاستخدام مقابل تحويله لكلية ابن سينا للتمريض، بشرط إنشاء مركز طوارئ 24 ساعة، وولادة آمنة، ومركز أشعة وسيارة إسعاف، ولكن لم يتم توفير شيء منها حتى اليوم، وتعاقبت عدة إدارات لوزارة الصحة ولم يتم تنفيذ أي من البنود الواردة في الاتفاقية.
وتابع ضميدي في حديثه مع "الترا فلسطين"، أن الرئيس قرر عام 2022 تحويل المركز إلى مستشفى، ووصلهم كتاب رسمي بذلك، ولكن لم يطبّق قرار الرئيس، وقد اجتمعوا مع وزيرة الصحة مي الكيلة التي وعدت بتحويله إلى مركز طوارئ وولادة، وأشعة مع سيارة إسعاف تخدم أهالي المنطقة، ولكن دون جدوى.
وأكد ضميدي، أنه بعد أحداث حوارة وهجوم المستوطنين الكبير عليهم، حضر رئيس الوزراء محمد اشتية إلى البلدة، وخلال مؤتمر صحفي وبحضور عدد من الوزراء بينهم وزيرة الصحة قدم رئيس الحكومة نفس وعود بتأهيل المركز ليستقبل الجرحى والمرضى وحالات الطوارئ.
وردًا على ما تقدّم رشيد وضميدي، قال محيسن إن وزارة الصحة حاولت تلبية احتياجات المركز ولكنّهم في المنطقة اعترضوا على أعمال الترميم، حيث نزل وفد بناء على تعليمات وزيرة الصحة إلى الموقع قبل نحو أربع أشهر، لأعمال ترميم وتوسعة المركز، ولكن تم منع الطواقم من مباشرة عملها، اعتراضًا على بعض النقاط.
من يعترض، ولماذا؟ ردّ محيسن بأن البعض في حوارة اعترضوا على تجزئة أعمال الترميم، وأرادوها أن تكون دفعة واحدة، وهو ما أحيل إلى مكتب وزيرة الصحة للبتّ فيه.
سألنا في "الترا فلسطين" القائم بأعمال مدير إدارة المستشفيات في وزارة الصحة معتصم محيسن مجددًا عن هوية الأشخاص المعترضين بالتحديد، فقال إنهم "المشرفون على الموقع بشكل عام"، ولم يصدر أي قرار عن وزيرة الصحة د. مي الكيلة، فيما يتعلق باعتراضهم، و"ما تزال الأمور عالقة بيننا وبينهم".