"سوف يسعى كل طرف لتعزيز التفاهم المتبادل والمتسامح، وبالتالي الامتناع عن التحريض، بما فيها الدعاية العدائية ضد بعضهما البعض.. وأن تساهم الأنظمة التعليمية الخاصة بهما في السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، والسلام في المنطقة عامة". هذا ما ورد في الفصل الرابع من المادة 22 في اتفاق أوسلو 2، الذي تم التوقيع عليه في طابا عام 1995، وكان لزامًا الاستناد إليه عند وضع المنهاج التعليمي في مدارس السلطة الفلسطينية.
هذا السياق، ورد مرة أخرى في مذكرة واي ريفر الموقعة عام 1998، تحت القسم أ (الإجراءات الأمنية)، إذ تضمنت المذكرة نصًا صريحًا عن التحريض، وضرورة تشكيل لجنة لمتابعة ذلك في المناهج التعليمية، وجاء فيها، "سيعين كل من الأطراف الإسرائيلية والفلسطينية والأمريكية في اللجنة خبيرًا إعلاميًا، ومندوبًا لتوطيد القانون، وخبيرًا تربويًا ومسؤولاً حاليًا أو سابقًا منتخبًا".
خبراء: المناهج التعليمية في فلسطين وُضعت استنادًا لاتفاقية أوسلو وذِكر القدس والمقاومة فيها لا يرتقي للمستوى المطلوب
في عام 2001، بدأت وزارة التربية والتعليم بوضع منهاج لمدارس الضفة الغربية وقطاع غزة، بما فيها بعض المدارس التي تتبع لوزارة التربية في القدس، وكذلك مدارس وكالة الغوث "الأونروا"، وقد كان المنهاج حينها مختلطًا بغيره من المناهج بسبب صعوبات مالية وإدارية، قبل أن يوضع منهاج تعليمي فلسطيني خالصٌ عام 2006 – 2007.
فلسطينيون: منهاجنا سقفه أوسلو
ويواجه هذا المنهاج حتى هذه اللحظة، انتقادات فلسطينية بسبب محتواه الذي يراه مختصون تربويون وأكاديميون دون المستوى المطلوب في القضايا الثقافية والوطنية، وحتى جندريًا كذلك، مقابل اتهامات إسرائيلية بالتحريض على العنف، وتخريج أجيالٍ كارهة للسلام وحاقدة على الإسرائيليين واليهود، وفق ما تقوله جهات رسمية وصحافية في إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: الدين والسياسة والمجتمع في إسرائيل.. يوم دراسي في جامعة بيرزيت
وتتمثل أبرز الانتقادات الفلسطينية للمنهاج، بأنه محكوم باتفاق أوسلو، وهو ما أكدت عليه هديل قزاز الباحثة في شؤون المرأة والتنمية، بعد أن عملت على منهاج التربية المدنية لثلاث مراحل. تقول هديل لـ"ألترا فلسطين"، إنها خلصت إلى استنتاجين مركزيين حكما عملية صياغة وإعداد المناهج الفلسطينية حتى عام 2008، وهي أن المنهاج أُعد كنتاج لمعادلة اتفاقيات أوسلو بكل ما يعنيه ذلك من جوانب سياسية واجتماعية وثقافية.
وتضيف هديل أن هناك جملة من التدخلات الخارجية التي أضعفت محتوى المنهاج الفلسطيني، مثل تدخلات المانحين والممولين والاحتلال الإسرائيلي، والتي أسهمت في نشوء حالة من الرقابة الذاتية في إعداد المناهج، وفق قولها.
ويوافق على هذه الملاحظة، الباحث التربوي غسان عبد الله، مدير مركز الدراسات والتطبيقات التربوية، مضيفًا، أن المنهاج الفلسطيني "لم يخضع فقط لسقف أوسلو السياسي، بل انحكم بسقفه الثقافي والجغرافي والديموغرافي"، محذرًا من الخطورة الكامنة في الاحتكام لسقف أوسلو الذي ينعكس سلبًا ليس على المستوى السياسي فقط، وإنما يتعداه إلى الأبعاد الثقافية والمعرفية والجغرافية".
خبراء يتحدثون عن تدخلات من الدول المانحة في المنهاج الفلسطيني، أضعفته وطنيًا وثقافيًا وجعرافيًا، ووزارة التربية تنفي ذلك
ويضيف، "نحن من يوم اتفاقية أوسلو كل شيء يخضع للممول، ولذلك نحن نتحدث في كتاب التربية الوطنية عن أوسلو؛ ولا نتحدث عن حواجز الإذلال العسكرية التي يضعها الاحتلال، بينما المناهج الإسرائيلية حتى اليوم لم تذكر عن أوسلو كلمة واحدة، فالممول له ضغوطاته ونهجه ويمليها على الجهة الفلسطينية المنفذة للمشروع".
هذه الاتهامات ينفيها ثروت زيد مدير مركز المناهج في وزارة التربية والتعليم، مؤكدًا أن عملية تطوير المناهج لا تخضع لأي تأثير سياسي، وإنما تعتمد على أسس قانونية، وعلى وطنية القانون الأساسي الفلسطيني، ووثيقة إعلان الاستقلال، ووثيقة المناهج الأولى التي أقرها المجلس التشريعي في العام 1998، إضافة إلى الرواية الفلسطينية، والتأكيد على الثوابت الفلسطينية.
ويضيف زيد في حديثه لـ"ألترا فلسطين"، أن وزارة التربية تعمد في بناء مناهجها التعليمية إلى "تعظيم التاريخ الفلسطيني بكل مافيه من رموز وطنية ونضالية، بما يعمّق الوعي الوطني والقيمي والديني والإرث والتراث على مبدأ العيش المشترك، وأن فلسطين دولة ديمقراطية تعيش فيها الديانات المختلفة".
ويشير زيد إلى أن المنهاج الفلسطيني تعرض لعدد من التعديلات، بدءًا من اعتماد المنهاج الأردني في الضفة الغربية، والمصري في قطاع غزة، حتى عام 2000، ثم توحيد جميع مدارس الضفة الغربية وقطاع غزة (مدارس حكومية، وكالة، خاصة) بالمنهاج الفلسطيني عام 2001، مع تطوير المنهاج تدريجيًا حتى أصبح منهاجًا فلسطينيًا كاملاً عام 2006، مضيفًا أن "عملية التحديث والإثراء لا تتوقف، فهي دائمًا تواكب التغذية الواردة من الميدان التربوي، وما يستجد من أمور تربوية حديثة".
آخر التعديلات في المنهاج، جاءت بناء على تشكيل اللجنة الوطنية العليا عام 2013، وذلك بقرار من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمد الله، بهدف مراجعة نظام التعليم في فلسطين، وكانت إحدى مهامها التخطيط لبناء مناهج وطنية فلسطينية تستجيب لاحتياجات الطالب الفلسطيني بما يشمل القدس.
السلطة شكلت لجنة عام 2013 لمراجعة نظام التعليم، والتخطيط لمناهج وطنية، لكن أغلب توصيات اللجنة لم تُنفذ حتى الآن
الباحث غسان عبد الله كان عضوًا في اللجنة، يقول لـ"ألترا فلسطين"، إن أغلب التوصيات التي قدمتها اللجنة خلال ثلاث سنوات لم تُنفذ، موضحًا أنه تمت تجزئة تطوير المنهاج من صف أول إلى رابع ابتدائي، ومن رابع إلى عاشر، ثم من أول ثانوي إلى ثاني ثانوي، وما تم إنجازه لغاية الآن هي المرحلة التعليمية المبكرة فقط، وهناك طواقم تعمل على تطوير المرحلتين الثانية والثالثة.
خبراء: القدس في منهاجنا رفع عتب
والباحث عبد الله من المهتمين بكيفية عرض مدينة القدس في المنهاج الفلسطيني، وكانت له مساهمات سابقة في نقاش هذا الأمر في المنهاج القديم. يقول: "المناهج الجديدة الحالية أقل سوءًا في التطرق لموضوع القدس من المناهج القديمة، لكنها ما تزال دون المتأمل".
ويضيف، "عند الحديث عن القدس في العملية التعليمية، وعن القدس في المنهاج، لا نقصد فقط الكتاب المدرسي، لأن المنهاج يشمل أيضًا البيئة الصفية والمعلم، فالمطلوب إدارج القدس في كل صغيرة وكبيرة في مجمل العملية التعليمية، ليس فقط في منهاج التربية الإسلامية واللغة العربية، بل حتى في تعليم الرياضيات والجغرافيا، ليكون عند الطالب والمعلم صورة تكاملية عن مدينة القدس، أما الاكتفاء باقتباسات عن القدس فهذا لا يكفي".
ويوضح عبد الله، أن الحديث عن المنهاج لا يعني الصورة والخارطة فقط، فالإعلام الإسرائيلي أيضًا يضع صور القدس والخارطة، مشددًا على ضرورة توضيح ما يجري في سلوان وأحيائها وبيت حنينا وشعفاط، "فالتغييرات التي تمت على تضاريس القدس ليست مذكورة، المد الاستيطاني وتسليم المستوطنات غير مذكور في المناهج، والهجرة السكانية من القدس أيضًا".
المنهاج الفلسطيني لا يتطرق لتغييرات الاحتلال في تضاريس القدس، والمد الاستيطاني فيها، ولا الهجرة القسرية منها
كما ينتقد عبدالله غياب مفهوم التعددية في المنهاج الفلسطيني، ويقول إن حضوره لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب، رغم أن المسيحيين مكون أساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني، مشيرًا إلى أن خليل السكاكيني، وإدوارد سعيد، لم يأخذا حقهما في المنهاج، رغم دورهما الكبير وطنيًا وثقافيًا ليس على المستوى المحلي فقط.
اقرأ/ي أيضًا: مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية
ويستدرك عبد الله بالقول إنّه ورغم كل الأخطاء، ولكن يجب علينا أن ننظر الى الجزء الممتلئ من الكأس، فهناك جهود وطنية وكبيرة مبذولة من قبل الوزارة، ولكن هذه الجهود لم ترتقِ بعد الى مستوى الطموح الفلسطيني على الصعيد التربوي التعليمي.
إسرائيل تريد مزيدًا من المهادنة
ورغم ما التزمت به "السلطة الوطنية" من رقابة ذاتية، في وضع المناهج، مبنية على ما تم الاتفاق عليه، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي بقي يوجه سهام اتهاماته إلى السلطة بممارسة التحريض، في التعليم والإعلام، زاعمًا أن المنهاج الفلسطيني، مثل وسائل الإعلام التابعة للسلطة الفلسطينية، سببان أساسيان في أعمال المقاومة المتواصلة بعد 24 عامًا على توقيع اتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية.
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال خلال زيارة إلى واشنطن في شباط/فبراير 2017، إن الفلسطينيين يواصلون الدعوة إلى تدمير إسرائيل في مدارسهم ومساجدهم وفي كتبهم المدرسية. وأضاف، "يجب أن تقرأوا لتصدقوا".
في إسرائيل تهاجم الحكومة والصحافة، المنهاج الفلسطيني، ويزعم الجميع أن التعليم في فلسطين يدعو لإنهاء وجود إسرائيل
فيما زعم جلعاد أردان وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، أن هناك 1.19 مليون طالب فلسطيني يتعلمون من الروضة وحتى الجامعة أنه "ليس للدولة العبرية حق في الوجود"، مضيفًا، "إسرائيل غير ظاهرة في خرائط الفلسطينيين المدرسية ولا على جدران مدارسهم التي تمت تسميتها بأسماء إرهابيين" على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: الجامعة: حب، ملابس، وأحزاب
وفي شهر أيلول/سبتمبر 2017، نشر الكاتب الإسرائيلي مناحيم راهط مقالًا قال فيه إنه بحث في 200 كتاب مدرسي فلسطيني في تخصصات مختلفة لجميع المراحل الدراسية، وخلص إلى أن "الجيل الفلسطيني القادم لا يتعلم على السلام، وإنما يمر بعملية غسل دماغ مكثفة، تقوم على ثلاثة أسس محورية؛ أولها نزع الشرعية عن إسرائيل، وثانيها شيطنة اليهود، وثالثها منح الشرعية لكل من يسعى للقضاء على إسرائيل".
وكان ما يسمى بـ"مجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة" قد أصدر تقريرًا بتاريخ 4 شباط/فبراير 2013، بتمويل من وزارة الخارجية الأميركية، تناول فيه "صورة الآخر" في الكتب المدرسية الإسرائيلية والفلسطينية، توصل فيه إلى أربع نتائج.
في النقطة الأولى يشير التقرير إلى أنه "قلما ترد في الكتب الإسرائيلية والفلسطينية وصوف للآخر تنزع الشرعية عنه أو تشيطنه، كما يجد المرء في الكتب المدرسية المستخدمة في أماكن أخرى وبطريقة تثير العامة".
وفي النقطة الثانية، قال التقرير: "تعرض الكتب الإسرائيلية والفلسطينية على السواء روايات وطنية أحادية وحصرية تقدِّم وفرة من المعلومات عن الآخر بوصفه عدوًا، وقلِّة المعلومات عن الآخر في سياق إيجابي أو إنساني. وفي حين أن الأحداث التاريخية المعروضة لم تكن مفترية أو مختلقة، فإن كل طرف عرضها بانتقائية من أجل تدعيم روايته الوطنية".
ويؤكد في النقطة الثالثة أن "غياب المعلومات حول الآخر على اختلافها يعمل على نزع الشرعية عن وجوده. ويمكن التصدي لهذه المشكلة بإضافة معلومات عن ثقافة الآخر ودياناته وأنشطته اليومية".
وفي النقطة الرابعة، قال: "التحيز السلبي عند وصف الآخر، والتحيز الإيجابي عند وصف الذات، وغياب الصور والمعلومات حول الآخر، هي أمور أكثر بروزًا على نحوٍ ذي دلالة إحصائية في كتب الحريديم الإسرائيلية، والكتب الفلسطينية منها في الكتب الحكومية الإسرائيلية. وفي إطار الكتب الحكومية الإسرائيلية، كان التحيز الإيجابي عند وصف الذات في كتب المساق الديني مشابهًا لما في كتب الحرديم الإسرائيلية والكتب الفلسطينية، وتفردت الكتب المستخدمة في المساق العلماني الحكومي الإسرائيلي في احتوائها على مضمون أكثر نقدًا للذات على نحو ذي دلالة إحصائية".
تقرير ممول أمريكيًا ساوى بين المناهج الفلسطينية وكتب "الحريديم" لقي رضى حكومة سلام فياض واستحسانها
ورغم أن التقرير، غير المنشور، تضمن انتقادات كبيرة للمنهاج الفلسطيني، كان منها مساواته بالكتب الخاصة لـ"الحريديم" اليهود الذين يوصفون في إسرائيل بأنهم شديدو التطرف، إلا أن مجلس الوزراء الفلسطيني سارع إلى الثناء على التقرير والترحيب به، في تصريح رسمي صدر بعد ساعات من إصدار مسودته.
ورأى مجلس الوزراء أن "التقرير يفيد بخلو الكتب المدرسية الفلسطينية من كل أشكال التحريض السافر والقائم على تحقير الآخر". وأكد المجلس أن هذا "الاستنتاج الموضوعي يبين صحة ما ذهبنا إليه مرارًا، في وجه اتهامات متكررة ثبت الآن بطلانها"، ما يطرح سؤالًا جديًا حول ما إذا كان مجلس الوزراء قد اطّلع حينها على محتوى التقرير بالكامل.
ويشدد الباحث غسان عبد الله على رفض الادّعاء الإسرائيلي بوجود تحريض ضدهم في المناهج الفلسطينية، قائلًا إن هذا المنهاج قد يحرّض ضد عوامل منع الإنسان من نيل حريته، "وما يراه الإسرائيليون تحريضًا ضدهم هو في الحقيقة واقع يعيشه هؤلاء الطلبة".
وكان الرئيس محمود عباس قد دعا في مناسبات عديدة إلى تفعيل اللجنة الفلسطينية – الإسرائيلية – الأمريكية من أجل متابعة كافة أشكال التحريض من جميع الأطراف، بما في ذلك التحريض في المناهج التعليمية والمدارس، واتهم إسرائيل بأنها هي من يعرقل ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: