ارتبط اسمه بشهر رمضان، ووثّقت حضوره العديد من المسلسلات الدرامية، يُطلُ علينا كل عام بلباسه التقليدي وطبلته الصغيرة، يمشي على مهله ويتجول بهدوء قُبيل أذان الفجر بين زقاق الحارات، ليوقظ الناس بعبارات غنائية روحانية، وينادي أهل المنطقة "يا نايم وحد الدايم".
لكن هذه الصورة التقليدية الجميلة للمسحراتي لم تعد اليوم كما كانت، فقد دخلت إليها تصرفات سلبية، الأمر الذي وصل لحد مطالبة بعض المواطنين بإنهاء هذه الظاهرة "بعد تشويهها وخروجها عن هدفها وشكلها" كما يقولون، فيما دعا آخرون لإبقائها والحفاظ عليها كونها جزءًا من الموروث الثقافي والمشهد الرمضاني.
الترا فلسطين استطلع آراء بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وسألهم عن رأيهم بـ"المسحراتي".
الكاتب خليل مبروك من طولكرم، قال من جانبه: "كل التراثيات التي نعرفها كانت ذات قيمة عملية في وقت ما، ثم تحولت إلى تراث بعد أن انتهى دورها في المجتمع، وكذلك الحال مع المسحراتي". وأكمل، "جمال الموروث الشعبي أن يبقى على أصوله وأن يتم التعامل معه كقيمة جمالية توثيقية ورمزية لا كاحتياج عملي، فاليوم كل الناس لديها منبهات وتستمر بالسهر حتى وقت السحور".
اقرأ/ي أيضًا: نكد على مائدة رمضان: العصير ناقص ملح
بدوره، شدد الصحفي غسان كتوت من نابلس على أن "المسحراتي" لم تعد له قيمة فعلية منذ ظهور سماعات المساجد، "لكن الفائدة الوحيدة هي إعطاء شعور بدخول أجواء رمضان (...) هناك الكثير من الأمور في حياتنا لا زلنا نمارسها رغم أنها ظهرت في البداية لحاجة ما، وانتفت هذه الحاجة لاحقًا".
من ناحيتها، رفضت الناشطة حسناء الخالدي من القدس الأحاديث عن دور مزعج للمسحراتي، مطالبة بالإبقاء على شخصيته "كونه جزءًا من الموروث الثقافي الجميل والشيء الوحيد المتبقي من طقوس رمضان القديمة" على حد وصفها.
وأضافت، "لا أعرف ما هو الإزعاج الصادر عن المسحراتي! هي ساعة واحدة في الليل ومرة واحدة في السنة (...) الإزعاج الحقيقي يصدر عادة عن جهات أخرى كسائقي السيارات والشبان الذين يسهرون حتى ساعة متأخرة".
وتابعت، "عندنا في القدس يُعتبر المسحراتي رمزًا سياسيًا ووطنيًا يعكس مدى تمسك المقدسي بمدينته، وليس مجرد مظهر ديني أو ثقافي أو تراثي، ومن هنا جاءت أهميته. لذلك نجد الاستهداف الإسرائيلي لهم واعتقالهم وفرض الغرامات المالية بحقهم ومنعهم من العمل في حواري القدس العتيقة بتهمة إزعاج المستوطنين".
وحسب الخالدي، "فإن المسحراتي يلعب أيضًا دورًا هامًا في تعزيز الترابط الأخوي بين المسلمين والمسيحيين في القدس، تثبيتًا للمفهوم التراثي والثقافي المشترك". تعتقد الخالدي أن ذلك يأتي من دخول بعض المسيحيين على هذه "الحرفة الموسمية، في إشارة رمزية للتعايش بين أبناء الديانتين"، كما قالت.
"المسحراتي" في القدس أصبح إشارة رمزية إلى التعايش بين المسلمين والمسيحيين
أما المهندس الزراعي إسلام حامد من نابلس، فكان له رأي آخر، إذ قال: "في حارتنا يبدأ أحد الشبان بممارسة الإزعاج على أصوله، ويبدأ بالطرق بقوة على تنكة فارغة قبل أذان الفجر بساعة".
ويضيف، "في حالات كثيرة يردد هذا المسحراتي وهو شاب عشريني بعض الأغاني المعروفة كأغنية نادي الوحدات وغيرها، غير مكترث باعتراض المواطنين وصراخهم عليه من النوافذ. هو يمارس الإزعاج على أصوله منذ سنوات، وفي نهاية الشهر الفضيل يطلب الأموال من المواطنين كأجر له".
شاهد/ي أيضًا: فيديو | رجال الليل في رمضان
ومن الواضح أن هذا التباين في مواقف المواطنين من المسحراتي نابع من تجارب شخصية مروا بها في مناطقهم، وهو ما يشير إلى أن شكله ودوره يختلف من مدينة إلى أخرى.
المهتم بالقضايا التراثية والثقافية طاهر باكير أشار من جانبه إلى أن شهر رمضان فقد بشكل عام الكثير من مظاهره الإيمانية، وصار الناس يهتمون بالشكل على حساب المضمون.
وأضاف، "عندما نصل إلى هذه المرحلة، وهي الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، تصبح الكثير من الأشياء مشوهة، كما هو الحال مع المسحراتي (...) بعض المسحرين اليوم يمارسون عملهم بهدف التسلية أحيانًا، وتصبح مهمتهم الإزعاج وليس إيقاظ الناس للسحور وقيام الليل، فترى بعضهم يصرخون بأعلى صوتهم بطريقة مبتذلة وغير مبررة ".
ويلفت باكير إلى أن الكثير من الأشخاص دخلوا لهذه المهنة الموسمية طمعًا في المال ليس أكثر، مشددًا على أن "المسحراتي" يجب أن يكون صاحب رسالة إيمانية وروحانية أولاً وأخيرًا.
كثير من "المسحراتية" يمارسون هذا الدور طمعًا في المال، وآخرون بهدف التسلية
ويستدرك قائلا: "رغم كل السلبيات التي تحدثنا عنها، إلا أنني لا أطالب بإلغاء المسحراتي، وإنما برعاية هذا القطاع ومتابعة احتياجاته من قبل الجهات المختصة كوزارة الأوقاف أو المجالس البلدية، والنظر إلى هذا الشخص من منظور معنوي وتراثي فقط وليس من ناحية وظيفية".
من ناحيته، نفى الناطق باسم الشرطة الفلسطينية لؤي ارزيقات وصول أي شكاوي من المواطنين حول إزعاج بعض "المسحرين"، مؤكدًا في الوقت ذاته على ضرورة تنظيم هذا القطاع من قبل لجان الأحياء حتى لا يتحول لمصدر إزعاج، خاصة لطلبة التوجيهي والمرضى وكبار السن.
وأشار ارزيقات إلى ضرورة إدخال تعديلات عصرية وأفكار جديدة إبداعيه على هذه المهنة، مع ضرورة إبعاد الأطفال والفتية عن هذه المهنة الموسمية، وأن تظل حكرًا على بعض كبار السن حتى تظل بهيبتها ووقارها. وختم قائلا: "كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده".
اقرأ/ي أيضًا:
خفايا تجهيز مخللات بغزة في رمضان
"السوق نازل".. عن رمضان الزمن الجميل