لعل أهم ما كشفه، ألكس فيشمان، المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، في تقريره الذي حمل عنوان "قلق في إسرائيل: النظام المصري في خطر"، لجوء مصر لـ"إسرائيل" طلبًا للنجاة، وأن الاستجابة جاءت على شكل سلسلة مشاريع اقتصادية أعدتها "منظومة الأمن"، هو مصطلح يعني في "إسرائيل" وزارة الجيش، وجهاز المخابرات الخارجية "الموساد"، وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك".
المعلومات الواردة في تقرير فيشمان، ليس بمقدور الصحيفة نشرها قبل الحصول على إذن مسبق بالنشر من وحدة الرقابة العسكرية التابعة للجيش، كما هو متبع في "إسرائيل" في مثل هذه الحلات التي تتعلق بمسائل ذات طبيعة أمنية.
مصر طلبت من "إسرائيل" إنقاذها فاستجابت الأذرع العسكرية الإسرائيلية دون تردد لذلك
وبالتأكيد؛ فإن اختيار السلطات المصرية عدم نفي تلك المعلومات يؤكد صحة ما ورد في التقرير. وقد سبق وأشار لهذه التفاصيل مصدر إسرائيلي آخر هو موقع "energianews" الإلكتروني العبري المتخصص في شؤون الطاقة، عندما قال إن مصر بحاجة إلى ما وصفه الغاز الاسرائيلي، لأنه سيكون مصدرًا للعملة الصعبة، في بلد يعاني من أزمة "شح الدولار".
اقرأ/ي أيضا: في ذكرى "أكتوبر".. هل مازالت "إسرائيل" عدوا لمصر؟
فيشمان، يقول إن الجهات المصرية طلبت العون من "إسرائيل" مؤخرًا، وجاءت الاستجابة من "منظومة الأمن الإسرائيلية" التي أعدت بدورها قائمةً من المشاريع واسعة النطاق؛ تهدف لتحسين البنى التحتية في ظل أزمةٍ اقتصاديةٍ صعبة تهدد الاستقرار السياسي للدولة المصرية، على حد تعبيره.
وعندما تأتي الاستجابة من "منظومة الأمن الاسرائيلي"، فهذا يعني أن طلب العون لم يكن موجهًا لجهة سياسية مثل وزارة الخارجية، أو وزارة التعاون الإقليمي، أو مكتب رئيس الحكومة، وإنما لجيش ومخابرات دولة ترى فيها الأدبيات المعلنة للجيش المصري خطرًا استراتيجيًا.
المعلق العسكري الإسرائيلي لم يُبين متى تقدمت مصر بطلب المساعدة، ولكن وسائل إعلام مصرية وإسرائيلية كشفت النقاب قبل عدة أسابيع عن وصول وفد إسرائيلي رفيع المستوى على متن طائرة خاصة، في زيارة خاطفة إلى القاهرة، لمناقشة مسألة تصدير الغاز لمصر، رغم أن الاخيرة قررت في شهر كانون الأول من العام الماضي تجميد المفاوضات بين الطرفين حتى حل الخلافات المتعلقة بتعويضات قدرها قرار تحكيم دولي بمليار و76 مليون دولار، تطالب بها شركة الكهرباء الإسرائيلية، جراء خسائرها الناجمة عن توقف الغاز المصري من التدفق لـ"إسرائيل" بعد تفجيرات متكررة استهدفت أنبوب الغاز الذي كان ينقله.
موقع "energianews" الإسرائيلي كشف أن "إسرائيل" باتت مستعدة للتوصل لتسوية مع مصر بخصوص التعويضات، علمًا أنها كانت ترفض ذلك في الماضي، بشرط أن تبرم مصر اتفاقًا استراتيجيًا لاستيراد الغاز من "إسرائيل" التي تحتاج منشآت الغاز المسال المصرية لتصدير الغاز للدول الأخرى، بالإضافة لتسويقه في مصر، من أجل أن يكون ذلك مصدرًا للعملة الصعبة.
و"إسرائيل" تفترض أن مصر لن تكون قادرة على دفع التعويضات لها دون إبرام صفقة تصدير الغاز للقاهرة، التي تحدث مسؤولون "إسرائيليون" رفيعي المستوى أنها سترى النور قبل نهاية العام الجاري.
قائمة مشاريع أعدتها الأذرع العسكرية الإسرائيلية لإنقاذ السيسي تتعلق بالمياه والكهرباء والزراعة والسياحة
ما نقله الموقع الالكتروني "energianews" حول تفاؤل المسؤولين الإسرائيليين بشأن إبرام هذا الاتفاق قبل نهاية العام، ينسجم مع التقدير السائد في "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، الذي يرى أن عام 2017 سيكون حاسمًا بالنسبة لمصير النظام المصري، والذي تحدث عنه فيشمان قائلا: "في إسرائيل والولايات المتحدة يعتقدون أنه إذا لم يطرأ تحسن جوهري على الاقتصاد المصري خلال 2017، فإن الغليان الاجتماعي قد يعيد الإخوان المسلمين إلى الشوارع ويهز سلطة الجنرال السيسي".
وحسب "يديعوت" فإن قائمة المشاريع التي أعدتها "المنظومة الأمنية الإسرائيلية" للمساعدة في الحفاظ على الاستقرار السياسي في مصر، تتعلق بمجال تحلية مياه البحر، في ضوء انخفاض منسوب المياه في نهر النيل الذي قد يقود مصر خلال السنوات العشرة المقبلة إلى نقص دراماتيكي في مياه الشرب ومياه الري. كما تستعد "إسرائيل" لمساعدة مصر في مجالات الطاقة الشمسية، وإنتاج الكهرباء، والزراعة، والري، والسياحة.
اقرأ/ي أيضا: حكاية الشعب اليهودي في فلسطين
وتشخص "إسرائيل" أسباب الأزمة الاقتصادية المصرية، كما قالت "يديعوت أحرنوت"، بعدم تحقيقها النتائج المرجوة من المليارات التي استثمرتها في توسيع قناة السويس، والحرب التي تخوضها في سيناء وليبيا، والمساعدة التي تقدمها للسعودية في حربها اليمن. كما أن السعودية والكويت والإمارات لم تلتزم بتحويل كامل المبالغ المالية التي تعهدت بتقديمها كمساعدات لمصر بعد انقلاب السيسي.
يختم فيشمان تقريره قائلا: "العالم يدرك أن عام 2017 سيكون عامًا حاسمًا بالنسبة لمصير النظام المصري، وإسرائيل تحاول تجنيد علاقاتها مع الولايات المتحدة الاميركية ودول أخرى بغية دعم اقتصاد جارتها".
لكن فيشمان أغفل أن قائمة المشاريع التي أعدها عسكر "إسرائيل" الرامية إلى "دعم الجنرال السيسي للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي تهدد الاستقرار في بلده"، يتطلب إنجازها سنوات عديدة إن صح العزم وتوفرت الميزانيات، ومشروع تصدير الغاز لمصر سيظل في رحم المجهول؛ لأن نقله يتطلب أنبوبًا يمر عبر سيناء التي عجز جيش مصر فيها عن حماية أنبوب تصدير الغاز المصري لـ"إسرائيل" عام 2011.
اقرأ/ي أيضا: