الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير
نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرًا عن السّموم والبكتيريا التي استخدمتها "إسرائيل" منذ سنوات النكبة، في عمليّات تستهدف الفلسطينيين، أفرادًا وجماعات، وذلك استنادًا لوثائق إسرائيليّة.
عام 1948 وافق بن غوريون على عملية واسعة النطاق لتسميم الآبار ونشر الأمراض في القرى والمدن العربية في شمال البلاد، وفي القرى الواقعة بين يافا والقدس
وعنون "يوسي ميلمان" معلّق "هآرتس" للشؤون الاستخبارية مقاله: "الاغتيال الفاشل لخالد مشعل؛ لمحة عن السموم في رفّ الجيش الإسرائيلي". وجاء في المقال أن بالإمكان الافتراض أنّ محاولة اغتيال خالد مشعل التي جرت في عمّان قبل رُبع قرن لم تكن الأولى أو الأخيرة التي استخدمت فيها "إسرائيل" السموم لأغراض عملياتية.
واستند ميلمان إلى دراسة علمية محكمة أصدرها البروفيسور "بيني موريس" والبروفيسور "بنيامين زئيف كيدار"، وقال إنّها أسهمت في تبديد بعض الضباب المحيط بأحداث تسمم جماعي وقعت عام النكبة (1948) واستهدفت فلسطينين.
استهداف مشعل، أوّل اعتراف إسرائيليّ باستخدام السموم
يوم 25 أيلول/ سبتمبر 1997، حاول عناصر وحدة العمليات الخاصة في "الموساد" الإسرائيلي "كيدون" اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عمّان. اختار المنفّذون طريقة تنفيذ "صامتة"، حمل أحدهم سُمًّا في سلاحه وقام برشه على أذن مشعل الذي انهار خلال فترة وجيزة على مقربة من مكتبه.
وكتب ميلمان أنه وبحسب العقيدة القتالية لجهاز "الموساد" يجب أن يتواجد قائد كبير في مسرح العمليات أو في مكان قريب، ويرافقه أيضًا طبيب تحسّبًا لأي طارئ، ووظيفته علاج المنفذين إذا لزم الأمر. وفي عملية تصفية مشعل مثلًا، كانت هناك "طبيبة" حاضرة، ويرافقها "ميشكا بن دافيد" الذي كان ضابط مخابرات في قسم العمليات "قيساريا" الذي تنتمي إليه وحدة "كيدون". وكانت مهمتهم في الأساس الاحتفاظ بالمصل وهي المادة التي تحيّد مفعول السم، وقد تم الاحتفاظ بجسم مضاد آخر في مكان آخر في المملكة الأردنية.
للاحتلال الإسرائيليّ تاريخ طويل وبشع في استخدام السموم ضد الفلسطينيين والعرب
في نهاية العمليّة تم القبض على عدد من عناصر الموساد، ولجأ البقيّة إلى مقر السفارة الإسرائيلية في عمّان، وتمكن عدد آخر من مغادرة الأردن. وانتهى الأمر بإعطاء المصل المضاد وحقنه في جسم مشعل الذي كان يحتضر، وكان على "إسرائيل" أن تنقذ حياة عدوِّها على أمل إنقاذ علاقتها مع الأردن.
ومضى مليمان في سرد تاريخ الاحتلال الإسرائيليّ في استخدام السموم ضد الفلسطينيين والعرب، بالقول: "كانت العملية في الأردن هي المرة الأولى التي تعترف فيها "إسرائيل" علانية بوجود سموم في ترسانتها الخاصة بتنفيذ الاغتيالات".
ووفقًا لمصادر إعلامية وتقارير أجنبية استند عليها "ميلمان"، يتم إنتاج السموم في المعهد البيولوجي في "نيس زيونا" الواقعة غرب الرملة على أنقاض قرية وادي حنين العربية.
وأشار تقرير "هآرتس" إلى مثال آخر على استخدام السموم، وذلك عند قيام عناصر قسم "تسوميت"، القسم المسؤول عن تجنيد العملاء في جهاز "الموساد"، بتجنيد الجاسوس الذي نفّذ عملية اغتيال وديع حداد، مهندس عمليات اختطاف الطائرات بشكل عام، ومخطط عملية اختطاف طائرة تابعة لشركة "إير فرانس" إلى عنتيبي عام 1976 على وجه الخصوص.
علم الموساد بطريقة ما أنّ حداد كان مولعًا بالشوكولاتة الغربيّة الصنع، لذلك أرسل في عام 1978 إلى مكان إقامته في العراق -من خلال الجاسوس- شوكولاتة من صنع شركة "كادبوري" اشتراها في بلجيكا. وقد تم تسميم الشوكولاتة، وإثر ذلك توفي حداد بعد بضعة أسابيع في مستشفى بألمانيا الشرقية.
وأضافت الصحيفة: في عام 2010، أي بعد 13 عامًا على حادثة تسميم مشعل، نُسبت إلى "الموساد" الإسرائيلي عملية تسميم آخرى لمحمود المبحوح، المسؤول الكبير في حركة حماس، والمسؤول عن تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، حيث عُثر عليه مقتولًا في غرفته بفندق في دبي. وفي حينه، تمكنت شرطة دبي من ربط العملية بـ "إسرائيل" من خلال التحقيق الذي أجرته الكاميرات الأمنية المنتشرة في المدينة، وكشفت نوع السم المستخدم، وهويات عناصر الموساد المزيفة، والبنى التحتية للاتصالات والمالية التي استخدمت في تنفيذ العملية والعمليات السابقة.
استخدام الأسلحة البيولوجية يعدّ انتهاكًا للقانون الدولي ويخالف اتفاقية جنيف
واستخدام الأسلحة البيولوجية يعدّ انتهاكًا للقانون الدولي ويخالف اتفاقية جنيف. وقالت "هآرتس" إنه يمكن الافتراض أن هناك عمليات اغتيال أخرى بادرت بها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، حيث تم استخدام السم كسلاح، لكن الجمهور لم يعلم بها ولم يتم نشرها، والتقارير الأجنبية حول هذا الموضوع قد تُحرج "إسرائيل".
ويدعو ميلمان القرّاء للاطلاع على مقال "انثر الخبز: الحرب البيولوجية الإسرائيلية خلال حرب عام 1948" والذي أعدّه "بيني موريس" و"بنيامين زئيف كيدار" حول استخدام الاحتلال للسموم، قائلًا إن المقال يستعرض الجهود التي بذلها الجيش الإسرائيلي والمجتمع العلمي الإسرائيلي لتسميم آبار المياه ونشر الأمراض بين السكان العرب والجيش المصري والجيش الأردني خلال حرب الاستقلال "نكبة فلسطين". ويشير المقال إلى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الجيش دافيد بن غوريون، واللواء يوشانان راتنر، ويغال يادين، الذي كان قائمًا بأعمال رئيس الأركان، وغيرهم من كبار الضباط وجهات أخرى، مثل البروفيسور إفرايم كاتسير، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للدولة، جميعهم كانوا ضالعين في مثل هذه الجهود.
وأشار ميلمان في تقريره المنشور على "هآرتس" إلى أنّ الجيش والمخابرات في "إسرائيل" كانوا يمنعون الباحثين والصحفيين من بحث قضية استخدام السموم ضد الفلسطينين والعرب، وقال إن صحافيين حاولوا سابقًا طرق هذه القضية والتحقيق فيها، لكنهم اصطدموا بجدار حصين.
وعنوان المقال المنشور حول هذا الموضوع "انثر الخبز: الحرب البيولوجية الإسرائيلية خلال حرب عام 1948"، جزؤه الأول مقتبس من عبارة في التراث اليهودي وتعني نثر الخبز على سطح المياه لكي تتغذى الأسماك منه لتسمينها ثم صيدها لاحقًا. ويقول ميلمان إن ما يميّز هذا المقال عن المنشورات السابقة في هذا الموضوع، هو أنه يستشهد بوثائق رسمية للجيش الإسرائيلي وليس "تقارير أجنبية" فقط.
عملية التسميم كانت تتم على نطاق واسع "انثر خبزك"، وقد تم تحضير السموم من قبل علماء سلاح العلوم بالجيش الإسرائيلي
ولفت إلى أن عملية التسميم كانت تتم على نطاق واسع "انثر خبزك"، وقد تم تحضير السموم من قبل علماء سلاح العلوم بالجيش الإسرائيلي، الذي أسسه البروفيسور أهارون كاتسير وأداره أخوه إفرايم، وكان مساعده طالبًا في علم الأحياء يُدعى أيالا روبنشتاين. وكان فيه ثلاثة أقسام: الكيمياء والأحياء والنووية، وكان رئيس قسم الأحياء أليكس كينان، الذي أسس المعهد البيولوجي في نيس زيونا عام 1952.
ويشير المقال إلى أنّه في 21 أيار/ مايو 1948، أي بعد أسبوع من إعلان قيام "إسرائيل"، تم إرسال "عزرا هورين" و"ديفيد مزراحي" إلى قطاع غزة بهويّات عربية، وقد تم القبض عليهما واستجوابهما، وقد أقرّا بأنهما سعيا لتسميم آبار المياه في قطاع غزة، وقد حكمت عليهما محكمة عسكرية مصرية في غزة بالإعدام، وهو ما جرى فعلًا.
وقبل هذه الحادثة، يلفت مقال موريس وكيدار إلى حادثة أخرى مشابهة في نيسان/ ابريل 1948، حين وافق بن غوريون على عملية واسعة النطاق لتسميم الآبار ونشر الأمراض في القرى والمدن العربية في شمال البلاد، وفي القرى الواقعة بين يافا والقدس. وتتضح أهمية العملية (وفقًا للكاتب) من حقيقة أن القائم بأعمال رئيس الأركان أمر سلاح الجو بنقل المساعد روبنشتاين جوًا وهو يحمل 10 كيلوغرامات من السم إلى النقب، وقد تم نقل السموم في زجاجات إلى وحدات في الجنوب، وبعض الضباط الذين اعترضوا اتصلوا بالفعل بقائد المنطقة، حاييم بارليف، وعندما علم بالأمر نصحهم بالتخلص من الزجاجات. وعلى الرغم من ذلك، شرب بعض البدو والجنود في الجيش الإسرائيلي السم، ولحسن الحظ أصيبوا بجروح طفيفة فقط.
ويعرض المقال مثالًا آخر لما حدث في شمال البلاد، حيث تم إدخال بكتيريا التيفوئيد إلى آبار عكا، ووفقًا لتقارير الجيش البريطاني والصليب الأحمر، توفي العشرات من السكان (نحو 65). وقد جرت محاولة مماثلة في قرية عيلبون لكنها فشلت.
وعُهدت مهمة تسميم آبار القرى في ممر القدس ومنطقة أريحا إلى موشيه ديان الذي غاب لمدة أسابيع، ثم عاد ومعه أنابيب اختبار تحتوي على "التيفوس" في قارورة مصممة لتسميم مياه الشرب للجيش الأردني.
ويخلص مقال موريس وكيدار الذي استند إليه يوسي ميلمان في تقريره المنشور على "هآرتس" إلى أن الهدف الإسرائيلي الأساسي من هدم الآبار وتسميمها كان منع العرب من العودة إلى ديارهم.