الأيام القليلة الماضية حملت الكثير من الأخبار السّيئة، فالطفلة الباكستانية زينب (7 أعوام) اختطفت واغتصبت وقتلت خنقًا، وألقيت جُثتها في مكب نفايات قريب من بيتها. أمّا شركة الملابس H&M فواجهت أيامًا عصيبة بسبب نشرها إعلانًا يُظهر طفلًا أسود البشرة، وهو يرتدي سترة خضراء مكتوب عليها "ألطف قرد في الغابة".
وفي فلسطين طعن أب ابنته بسبب عدم رضاه عن ملابسها، وفي فلسطين أيضًا تحدّث الرئيس محمود عباس لأكثر من ساعتين دون أن يقول شيئًا، الحضور صفّقوا له كثيرًا، أما المتابعون، فبعضهم غاضب والآخر ساخر.
الانسان لا يجب أن يرتاح كثيرًا في منطقة معيّنة لأنه سيتوقف عن التطلع لما بعدها. فهل يحصل هذا مع الغضب؟ هل نعتاد شكلًا معيّنًا من الغضب يصعب علينا الخروج منه؟
بالنسبة لشركة الملابس فقد اعتذرت وأزالت الإعلان، وسحبت السترة الخضراء من الأسواق، كي تضع حدًا للقصة، وتنهي الموضوع. أمّا الطفلة زينب فالبحث عن المجرم القاتل ما يزال مستمرًّا.
نعلم أن ضحية حادث الطعن في جنين ستُنسى حكايتها قريبًا، وسنكون كمواطنين وكإعلاميين جزءًا من هذا النسيان، فكما يحصل دائمًا فإن الأخبار الجديدة تغطّي على القديمة حتى لو لم تأخذ الضحيّة حقّها. أمّا الرئيس فسيظلّ رئيسنا حتى يقرر هو الابتعاد عن المشهد. وحتى تأتي تلك اللحظة سيظلّ يطل علينا بخطاباته لنضحك أحيانًا ونغضب أحيانًا أخرى. ورغم أنّ خطاباته تمس حاضرنا ومستقبلنا إلا أننا سنظلّ نُعامل كل ما يقوله كما نعامل الأخبار القديمة؛ ننساها وننشغل عنها بالأخبار الجديدة مهما كانت تافهة.
لا علاقة للأخبار المذكورة ببعضها بشكل مباشر، غير أن تفاعلنا معها هو الذي يجمعها. وربما لا يجمعها شيء سوى أنّها نجحت في خلق مساحات واسعة من الغضب في قلبي. والغضب قد يكون ناتجًا عن الحدث ذاته أو عن التفاعل معه، أو الاثنان معًا.
أحيانًا لا يستدعي الحدث، الغضب، ولكنّ التفاعل معه هو الذي يشعل الغضب
أحياناً لا يستدعي الحدث، الغضب، ولكنّ التفاعل معه هو الذي يشعل الغضب مثل حالة سترة h&m الخضراء. فالشركة -وفقًا لرأيي- لم تكن يقظة بما فيه الكفاية، ولكن هل الإعلان يستدعي أن نسميه بالعنصري؟ لكل منّا رأيه بالطبع، ولكن الغضب سلاحٌ ثمين قد نخطئ أحيانًا في استخدامه فينهكنا التعب ولا نجده عندما نحتاجه حقًا. فهل حصل هذا الإنهاك مع خطاب الرئيس؟ فالخطاب يستدعي الغضب على جميع الأصعدة ولكننا لم نفعل، لماذا؟
في 2012 كتبت الصحفية اللبنانية ديانا مقلد مقالًا عنونته بـ "الفيلم المسيء والفتاة مقطوعة الرأس"، الفتاة هي فاطمة ذات الفستان الأزرق هل تذكرونها؟ لقد فقدت رأسها وحياتها في قصف لقوات النظام السوري على مدينة ادلب، الملفت في موت فاطمة أنّ جسدها كان سليمًا تمامًا، وفستانها كان نظيفًا من الدم، حتى أن جسدها المستلقي تحت الركام سيخدعك لتظنها نجت من القصف، ولكنك ستتفاجأ أنها بلا رأس! أمّا الفيلم فهو بعنوان "براءة المسلمين" لقد وصلت احتجاجات المسلمين على الفيلم وقتها حدّ قتل السفير الأمريكي في ليبيا كريستوفر ستيفنز وثلاثة من العاملين في السفارة، ورغم أن شكوكًا بأن العملية كان مخططًا لها ولم تكن بسبب الفيلم تمامًا بل إن الخلية المنفذة استغلّت حالة الفوضى التي كانت تعيشها البلاد بسبب الفيلم، إلا أن الفيلم بشكل عام أحدث حالة عارمة من الفوضى في كثير من البلاد العربية والإسلامية.
تساءلت مقلد في مقالاتها عن سبب الغضب العارم على الفيلم الرديء مقابل التجاهل التام لموت فاطمة، رغم أنّ الحدث الثاني ألمه حقيقي بينما الحدث الأول لا يحتاج للكثير من البصيرة لنرى أنّه تافه ولا يستحق الانشغال به.
هناك تعبير بالانجليزية يقول(Get out of your comfort zone) عادة ما يُستخدم لحثّ الأشخاص العالقين في حياتهم على التجرؤ للانتقال إلى الخطوة التالية، فهناك اعتقاد بأن الانسان لا يجب أن يرتاح كثيرًا في منطقة معيّنة لأنه سيتوقف عن التطلع لما بعدها. فهل يحصل هذا مع الغضب أيضًا؟ هل نعتاد شكلًا معيّنًا من الغضب يصعب علينا الخروج منه؟ هل تعتاد الشعوب المحتلة على الغضب اتجاه الاحتلال فقط، بحيث يصعب عليها ممارسة ذات الغضب اتجاه فساد المسؤولين أو تقاعسهم؟ أمّا أنها تعطي أولوية الغصب اتجاه الاحتلال وتعتبره معركتها الأهم؟ أم أنها تتعب من الغضب؟
سيادة الرئيس، أنت لست مُحاسبًا البتّة ليس لأنك غير مخطئ، بل لأننا لا نهتم بل بكل ما يجري حولنا
سيادة الرئيس نحن لا نهتم، أظنّك تلاحظ ذلك، ولا نهتم هنا تأخذ شكلًا جديدًا هذه المرة من قلة التفاعل وتعمُّد السخرية وانعدام الغضب، لن نحاسبك ولن نسألك أسئلة محرجة قد تواجه فيها مسؤولية توضيح ما قلته في خطابك الأخير. أنت لست مُحاسبًا البتّة ليس لأنك غير مخطئ، بل لأننا لا نهتم ليس بما تقوله فقط بل بكل ما يجري حولنا مهما كان يخصّنا، لعلّه التعب من الغضب.
اقرأ/ي أيضًا: