الترا فلسطين | فريق التحرير
أضحى اليوم قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، الرجل الذي تفكر فيه "إسرائيل" على مدار الوقت، لا سيما أنه خرج من السجن عام 2011 رغم صدور أربع مؤبدات بحقه، أي السجن لمدة 426 عامًا، بعد تمكّنه خلال اعتقاله من قيادة مفاوضات صفقة وفاء الأحرار من داخل الأسر الذي قضى فيه 23 عامًا، تعلّم فيهم اللغة الإنجليزية التي يتقنها الآن كما العربية، بالإضافة لدراسة اللغة العبرية وتركيبة المجتمع الإسرائيلي وكيفية تفكيره، وتزعّم خلالهم قيادة الهيئة العليا لأسرى حماس مرتين، حتى تحرر من السجن وصار ممثل الجناح العسكري لكتائب القسام في المكتب التنفيذي للحركة، قبل أن يُنتخب رئيسًا لها في غزة، فيما يتهمه الاحتلال اليوم بهندسة عملية طوفان الأقصى، فمن هو يحيى السنوار؟ وما أبرز مواقفه كما يرويها من عايشوه في السجون؟
رفض يحيى السنوار أي اتفاق تبادل للأسرى مع جلعاد شاليط إن لم تتضمن أسرى مدينة القدس وأصحاب الأحكام العالية.
مفاوض لا يداهن
لعب السنوار دورًا محوريًا في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، التي أفرج فيها عن 1027 أسيرًا فلسطينيًا مقابل الأسير الإسرائيلي لدى حماس، جلعاد شاليط، إذ ينسب الفضل له وللقياديين "صالح العاروري والشهيد أحمد الجعبري"، في إنجاز صفقة فاقت كل الصفقات المطروحة خلال خمس سنين من المفاوضات بين عامي 2006-2011.
ومن أهم مواقفه في مفاوضات الصفقة، ما يرويه الأسير المحرر صلاح الدين العواودة لـ"الترا فلسطين" عن صفقة كادت أن تتم في مراحل التفاوض مطلع 2010، حين كان يرأس فرق التفاوض في حماس القياديين "محمود الزهار والشهيد أسامة المزيني"، إذ لم تكن الصفقة تشمل الأسرى من مدينة القدس، ولم تضمن تحرر أسرى الأحكام العالية الذين تتهمهم "إسرائيل" بتنفيذ عمليات قتل، واقتصرت على بعض الأسرى من حركتي حماس وفتح.
كان السنوار عنيدًا في تعامله ورفضه الصفقة المطروحة، حسبما يقول صلاح الدين العواودة حيث أجرى السنوار حينها اتصالًا من داخل السجن مع نائب قائد كتائب القسام، الشهيد أحمد الجعبري في غزة، "وأرسل له بأن يغلق الملف، لو بقي 50 عامًا عند القسام (يقصد شاليط)، وحينها أغلق الجعبري هاتفه واعتزل الجميع وتعطلّت الصفقة، ولولا جهوده والجعبري لاقتصرت الصفقة على بضعة أسرى، فيما تعرض بعدها السنوار للعزل الانفرادي داخل السجن بعدما اتهمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعطيل الصفقة، وصرّح حينها إن اتصالات السنوار ستعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر.
ورغم تعرضه للعزل، تمكّن من تهريب هاتفٍ لمتابعة تفاصيل إجراء الصفقة، كما يكشف الأسير المحرر تيسير سليمان، الذي عاش مراحل العزل الانفرادي رفقة السنوار. وأضاف: "وضع السنوار اسمه ومكانته التنظيمية على المحكّ، بعدما رفض إجراء الصفقة مرتين رغم أن اسمه كان من بين المتفق عليهم في الصفقة، وأجرى حينها تصويتًا لمجلس شورى الحركة ينص على أن قراره برفض الصفقة إن كان خاطئًا فإنه سيتنحى عن رئاسته للهيئة القيادية العليا للحركة الأسيرة.
وتابع: "بعد إجراء التصويت، أيّد السنوار 41 % من المصوتين في بادئ الأمر، والآخرين عارضوا قراره، وبعد توضيح أسباب الرفض، حصل على إجماع شبه كامل على صوابية الموقف الذي اتخذه".
وعمّا قاله يحيى السنوار لتيسير سليمان حول رفضه للصفقة مرتين: "لن أقبل أن يسجل التاريخ بأن تحدث صفقة تبادل لا يفرج فيها عن أسرى أسروا جنودًا إسرائيليين أو نفذوا عمليات من القدس".
ويروي تيسير سليمان تفاصيل الساعات الأخيرة لصفقة وفاء الأحرار، وعن صدامٍ دار بين السّنوار وضبّاط إدارة سجن النقب، بعد أن حاول الاحتلال إجبار الأسرى قبل الإفراج عنهم، التوقيع على ورقة تنص على "نبذ الإرهاب"، وكان الحوار كالتالي:
- ضباط الاحتلال: عليك أن توقع على ورقة تنبذ الإرهاب!
- السنوار مستهجنًا: "شايفني مفرج عني بحسن نية من الاحتلال!"
- ضباط الاحتلال: "للعلم.. اشترينا قذائف مسجّلة باسمك وأي شيء ستفعله، ستموت بعدها".
- السنوار: "هذا كلام كي تخيفني! اسمع مني، الصفقة توقّفت".
حاول ضبّاط الاحتلال إرهاب السنوار ووضعه في زنزانة، وسلّطوا الضوء عليه، وأخبروه بأن الصفقة ستتم مع شطب اسمه منها، إلا أنه ألقى سجّادة صلاة على الأرض وجلس عليها واضعًا ساقه على الأخرى، ورد قائلًا: "ها أنا قاعد هنا، سأرى ما تقدرون عليه".
ويضيف تيسير سليمان أن الأمور تصاعدت الأمور، "وشعرنا بوجود مكيدة، لا سيما مع إخفاء يحيى السنوار، وفي ساعات الصباح من يوم الصفقة حضر ضبّاط مخابرات مصرية إلى سجن النقب، وجلسوا معنا من ثم مع السنوار بمفرده، واتفقنا معهم على ألّا يتم سؤال أي أسير قبل الإفراج عنه وخروجه للفحص الطبي إلا عن اسمه بالجواب نعم أو لا، وألّا يتم توقيعنا على أي ورقة، وأن تهديد أي أسير يعني وقف تنفيذ الصفقة".
السنوار: "الدنيا عندي صفر على الشمال.. أنتظر رصاصة برأسي لأكون شهيدًا".
حياته داخل الأسر
عاش الأسير المحرر وليد عقل في ذات الزنزانة رفقة السنوار بعد أن عزلتهم إدارة السجون في عزل "أيلون" بتهمة تشكيل خطرٍ على أمن إسرائيل مطلع عام 2011، وقال عن يحيى السنوار: "تشعر أنه أمك وأبوك.. من ناحية التعليم وتحضير الطعام، والتنظيف، والأمور المعيشية، لا يحب أن يعمل أحد شيء من هذه الأمور وهو حاضر، كما كان عنيفًا معهم (ضباط السجون)".
ومن العبارات التي كان يرددها السنوار وفق عقل: "الدنيا عندي صفر على الشمال.. أنتظر رصاصة برأسي لأكون شهيدًا"، ويقول عنه: "هو مخطط ذكي وحريص على أموال حماس، وتعلم اللغة العبرية، وشؤون اليهود من حيث طريقة تفكيرهم وحياتهم، وكيف يجب التعامل معهم".
كان السنوار مقرّبًا من الشباب في الأسر، وتحديدًا في سجن نفحة عام 1998 عندما دعم مطالبهم التي سميت حينها "مطالب الثورة"، خلافًا لموقف عددٍ من القيادات القدامى، حيث طالب الشباب من أسرى حماس بتشكيل هيئة قيادية عليا عبر الانتخاب، يتبعها تشكيل لجان شورى، وتنصيب أميرٍ للتنظيم، وصياغة نظام إداري وضوابط قانونية داخلية، إذ جاء يحيى السنوار وقتها ليؤكد بفكره المتحرر على هذه المطالب التي أسست لمرحلة جديدة في السجون.
ولم يعش خلال اعتقاله في السجون المفتوحة سوى بضعة أشهر، وقضى جلّ حياته داخل "غرف العزل". وهي مقسمة في السجون الإسرائيلية، لثلاثة أشكال مختلفة، منها: العزل الانفرادي دون السماح للأسير بالخروج إلى ساحة السجن، وعزل انفرادي يسمح للأسير فيه الخروج لساحة السجن دون لقاء باقي الأسرى، وعزل يكون فيه كل أسيرين أو ثلاثة أسرى مع بعضهم بنفس الغرفة كما هو الحال في سجن هداريم، ويسمح لهم بالخروج لساحة السجن "الفورة" مرة لمدة ساعتين يوميًا.
ظروف اعتقال يحيى السنوار لم تجعله يحتك غالبًا إلا بأسرى تنظيمه "حماس"، ورغم ذلك يقول صلاح الدين العواودة إن السنوار كان منفتحًا على العلاقات الفلسطينية الداخلية، ومستعد دومًا للحوار وإنشاء التحالفات، ومؤمن بالتعددية ولا يحب الاصطدام بالتفاصيل بعد أن توكّل الأمور لأصحاب الخبرة في اتخاذ القرار.
وخاض السنوار سلسلة إضرابات عن الطعام خلال اعتقاله، أبرزها عام 2004 حين كان في سجن هداريم، وشارك في الإضراب رفقة أسرى حركة فتح على رأسهم القيادي مروان البرغوثي، كما يروي الأسير المحرر والقيادي الفتحاوي جمال حويل، مضيفًا، خلال حديث مع الترا فلسطين، أن "السنوار كان ممثل الأسرى في التفاوض مع إدارة السجن، وعندما انتهى الإضراب خاطب الأسرى بأن تحريرهم بات أقرب مما يتخيلوا، وها هو اليوم يترجم ما قاله، لأنه لا يتعامل بردات الفعل حين انزعج بعض الأسرى من كلامه بعد وقف الإضراب".
مروان البرغوثي عن السنوار: صاحب موقفٍ حازم أمام إدارة السجون، تجلّت نظرته لشراكة وطنية حقيقية خلال إعداد وثيقة الأسرى لإنهاء الانقسام في مايو/أيار 2006.
ويقول الأسير مروان البرغوثي عن السنوار، وفق حويل، إنه "صاحب موقفٍ حازم أمام إدارة السجون حيث فشل رئيس السجون الإسرائيلية سابقًا يوفال بيتون، بفهم شخصيته، كما أن نظرته للشراكة الوطنية الحقيقية تجلّت خلال إعداد وثيقة الأسرى لإنهاء الانقسام في مايو/أيار 2006، التي كان السنوار من أبرز القائمين عليها (وصاغها البرغوثي)، كما تربطه علاقة مميزة مع الأسرى من مختلف التنظيمات، وهو حاسمٌ في تعاطيه مع القضايا الوطنية في السجون".
وموقف يحيى السنوار من العلاقة مع الاحتلال "حادٌ جدًا"، بالمعنى الذي يفهم فيه الاحتلال سياسيًا لا دينيًا، كما أنه درس الكيان الإسرائيلي ويؤمن بأنه "مزوّر وهشّ من الداخل، وأن الفلسطيني قادر على التأثير فيه وهزيمته"، كما يلفت صلاح الدين العواودة.
وطوال حياته في الأسر، عمد السنوار على رفع وعي الأسرى الأمني من خلال طريقتين، الأولى، دورات "أمنية أكاديمية" تستمر لعدة أشهر داخل السجن، والثانية في الجانب العملي من ناحية توكيل بعض الأسرى الشباب بمهام أمنية في "الرصد والأرشفة والتحقيق"، وهذا ما حقق بصمة في عمل الشباب المقاوم اليوم بعد تحررهم، كما يقول تيسير سليمان.
السنوار: الأولوية للجناح العسكري
بعد ارتقاء عدد من القيادات العسكرية لكتائب القسام خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، تراجع تمثيل أعضاء الجناح العسكري "كتائب القسام" في مجلس شورى الحركة، وبات الجناح العسكري تحت سلطة المكتب السياسي بلا قوة أو نفوذ، حيث أصبحت ميزانية الجهاز العسكري وقراراته تصدر من شخصيات ليسوا ذوي خبرة عسكرية، فيما أصبح الجهاز معرضًا للضعف وتراجع الأداء.
تزامن ذلك مع محاولات أمريكية لتجفيف منابع حماس في المنطقة، بعد أن أعلنت مصر، حماس حركة إرهابية، وبدأت السعودية ملاحقة واعتقال نشطائها، وتراجع الدعم الإيراني عنها على خلفية الموقف من الثورة السورية، وباتت حماس حينها أقرب للعزلة التي خططت لها واشنطن.
أنقذ يحيى السنوار حركة حماس من مخطط تصفوي أمريكي شاركت فيه دول عربية وقوى دولية عظمى.
وبرز هنا دور يحيى السنوار المفصلي، كما يروي صلاح الدين العواودة، من خلال ترميم العلاقة مع إيران، التي بدورها أعادت تدفق الدعم المالي للحركة، حيث رفع السنوار ميزانية الجهاز العسكري وأعطاه الأولوية، حتى لو كان على حساب المكتب السياسي لحماس، كما عزز حضور ودور الجهاز العسكري في القرار التنظيمي على مستوى أقاليم الحركة الداخلية والخارجية، وباتت كلمة قائد الجناح العسكري محمد الضيف "كلمة لا يمكن تجاهلها".
وبذلك، يؤكد العواودة أن السنوار أنقذ حماس من مخطط تصفوي أمريكي، شاركت فيه دول عربية وقوى عظمى مثل بريطانيا عبر رئيس وزرائها توني بلير، سعى فيها لعزل حماس وتجفيف منابعها المالية الموجّهة تحديدًا للجهاز العسكري، واعتبارها حركة إرهابية، وبالتالي أفشل السنوار خطط واشنطن بإيقاع حماس في مصير وقعت فيه منظمة التحرير سابقًا في ثمانينات القرن الماضي.
كما أن أبرز الأعمال التي تحسب له عقب تحرره من السجن، هي الثأر للشهيد أحمد الجعبري، نائب قائد كتائب القسام الذي اغتاله الاحتلال في الرابع عشر من نوفمبر 2012، حيث ردّت حماس حينها بقصف مدينة تل أبيب لأول مرة بـ 40 صاروخًا، وكان السنوار وقتها ممثل الجهاز العسكري لكتائب القسام في المكتب التنفيذي للحركة، حسبما يشير تيسير سليمان.
وأضاف: "عرف السنوار من أين تؤكل إسرائيل، واستطاع اليوم بضربة واحدة (طوفان الأقصى) أن يعيد نظر العالم كله بأن الجيش الإسرائيلي ليس بالجيش الذي لا يقهر".
والآن؛ أصبح يحيى السنوار المطلوب الأول لدى "إسرائيل"، إضافة إلى محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، وتحديدًا بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تعتبره مدبّر العملية والمتحكّم بقرار عقد أي صفقة في المفاوضات حول وقف العدوان الجاري على غزة.
* صلاح الدين العواودة: أسير محرر في صفقة وفاء الأحرار، قضى 19 عامًا في الأسر بعد أن كان محكومًا عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، بتهمة الانضمام لمجموعة عماد عقل في كتائب القسام، وتنفيذ عمليات إطلاق نار وقتل وإصابة جنود إسرائيليين.
* تيسير سليمان: أسير محرر في صفقة وفاء الأحرار، اتهمه الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ عمليات خطف وقتل جنود، وحكم عليه بالسجن المؤبد إضافة لـ 60 عامًا، قضى منهم 18 عامًا، ويعتبر من أبرز مؤسسي الجناح العسكري لحركة حماس في القدس.
* وليد عقل: أسير محرر في صفقة وفاء الأحرار، قضى 18 عامًا في الأسر بعد أن كان محكومًا عليه بـ 16 مؤبدًا بتهمة قتل 16 إسرائيليًا، ويعتبر من مؤسس الجناح العسكري لحركة حماس، والأسير الوحيد المبعد من غزة إلى الخارج.
* جمال حويل: أسير محرر قضى 11 عامًا في السجون، مقرب من الأسير مروان البرغوثي، وهو عضو في المجلس الثوري لحركة فتح، ونائب سابق في المجلس التشريعي، ومن أبرز قيادات معركة مخيم جنين.