24-أبريل-2024
عبء ضريبي في فلسطين

يعمل محمد أبو زينة (43 عامًا) في شركة خاصة بمدينة رام الله في مجال الحاسوب، ويتقاضى راتبًا مقداره (5250 شيقلًا) أي نحو 1400 دولار. رقمٌ قد يكون له دلالته في عدد من الدول العربية (باستثناء الدول النفطية)، ويؤشّر إلى حياة معيشية مريحة نوعًا ما، لكنّه في فلسطين لا يعكس قوة شرائية كبيرة.

يقول أبو زينة إنّ الراتب الذي يتقاضاه لا يكفي لتسديد كامل الاحتياجات الأساسية لأسرته، ما يضطره للعمل الإضافي أو للاستدانة؛ فالغلاء يطال مختلف السلع والخدمات.

النظام الضريبي في فلسطين من أكثر النظم المالية تعقيًدا في العالم، وهو أحد الأسباب الرئيسة لارتفاع كلفة المعيشة 

يشتكي الفلسطينيون من ارتفاع مستويات الأسعار في ظل تضخم عالميّ متزايد لأسباب متعددة، دفعت البنوك المركزية في العالم إلى رفع أسعار الفائدة البنكية، لكن ارتفاع كلفة المعيشة في فلسطين له سبب إضافيّ ويعد الأهم في التأثير على مستويات الأسعار، ألا وهو النظام الضريبي الذي أفرزه بروتوكول باريس الاقتصادي الموقّع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عام 1994، ونص على اعتبار المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية بأنها ضمن "الوعاء الضريبي" الإسرائيلي أو "الغلاف الجمركي" الموحّد.

بموجب هذا الاتفاق يدفع الفلسطينيّ ضرائب مباشرة لخزينة السلطة الفلسطينية (الدخل والأملاك) وهي لا تشكّل أكثر من 10 في المئة من إجمالي ايرادات السلطة الفلسطينية الضريبية، وغير مباشرة (أبرزها قيمة الضريبة المضافة، والمشتريات، والجمارك) وتشكّل نحو 90 في المئة من إجمالي الايرادات الضريبية للسلطة الفلسطينية.

يقول مسيف مسيف الباحث في معهد أبحاث السياسات والدراسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) إن النظام الضريبي المعتمد في مناطق السلطة الفلسطينية من بين أكثر الأنظمة المالية تعقيدًا في العالم، فهو نظام إسرائيلي تم فرضه على السلطة الفلسطينية في بروتوكول باريس الاقتصادي، ويحدد تفاصيله ومحدداته الجانب الإسرائيلي مع هوامش بسيطة للسلطة في الضرائب المباشرة.

تنعكس الضرائب غير المباشرة (القيمة المضافة والجمارك والشراء) على أسعار السلع والخدمات المختلفة في الأراضي الفلسطينية، لكن تظلُّ أكثرها تأثيرًا على الأسعار ضريبة القيمة المضافة التي تُفرض على كل صفقة تجارية تشمل بيع أي سلعة أو خدمة بنسبة 16 في المئة من القيمة الإجمالية للسعر، أي باحتساب سعر السلعة الأصلي، وما يضاف عليها من ضرائب ومكوس أخرى.

يقول مسيف إنّ "القيمة المضافة شاملة وعامة وطامة، فهي تدفع على كل سلعة أو خدمة سواء كانت مستوردة أو محلية، أما الجمارك فتدفع حسب طبيعة السلعة وحسب بلد المنشأ"، منوِّهًا إلى أن جدول التعرفة الجمركية المعدّ إسرائيليًا يتضمن (13 سلعة)  يتم استيرادها إلى فلسطين، وهو عرضة للتغيير كل شهر أو كل أسبوع أو أحيانًا خلال ثلاثة أيام، وذلك حسب تعليمات صادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية.

ويضيف أنّ "إسرائيل" هي من تتحكم بجدول التعرفة الجمركية، فكل الضرائب غير المباشرة حسب بروتوكول باريس الاقتصادي تتحكم بسياساتها إسرائيل، والسلطة الفلسطينية مُرغمة بموجب الاتفاق على الالتزام  بها". ويشير إلى أن  تغيير جدول التعرفة الجمركية على السلع إسرائيليٌّ بامتياز، ولا علاقة للسلطة الفلسطينية به، باستثناء سلعة واحدة يسمح للفلسطينيين بتحديد التعرفة الجمركية الخاصة بها، ألا وهي المركبات.

تختلف ضريبة الجمارك عن ضريبة الشراء، بأن الأولى تحتسب حسب منشأ السلعة، فقد تكون سلعة بمواصفات معينة مستوردة من بلد ما تختلف قيمتها الجمركية مقارنة مع بلد آخر رغم أنها نفسها، ولكن ضريبة الشراء تدفع حسب طبيعة السلعة بغض النظر عن بلد المنشأ، فطبيعة السلعة هي من يحدد قيمتها الضريبية، مثل ضريبة المحروقات (تقريبا 50% قيمة الضريبة من سعرها الأصلي)، وضريبة شراء السجائر التي تصل نسبتها إلى نحو 360 في المئة.

يصل متوسط أجر المواطن الفلسطيني حسب أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للاحصاء إلى نحو (2266 شيقلًا) شهريًا أي نحو 604 دولارات. وهو دخل يقترب من بعض الدول العربية المحيطة، فقد بلغ معدل الأجر في الأردن بعد نهاية عام 2022 حسب تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية 769 دولارًا،وفي لبنان 777 دولارًا بل إن هذا الأجر يزيد مقارنة مع مستويات الأجور في بعض الدول العربية مثل المغرب (488 دولارًا) شهريًا، والجزائر (303 دولارات) شهريًا، ومصر (226 دولارًا) شهريًا.

الفلسطيني يعيش في غلاف جمركيّ يدفع الأسعار صعودًا 

ومع ذلك تظل مستويات الأسعار في فلسطين أعلى من الدول العربية الأخرى (باستثناء الدول النفطية)، فالفلسطينيّ يعيش في غلاف جمركيّ يدفع الأسعار صعودًا، يحدد الاحتلال الإسرائيلي معالمه مع وجود هامش ضيّق بمقدار درجتين مئويتين في قيمة الضريبة المضافة، وعدة نقاط في ضريبة المشتريات الخاصة بالمحروقات.

يقول د. بكر اشتية أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح بنابلس إنّ "المواطن الفلسطيني عمليًا يعيش مع الإسرائيلي في غلاف جمركي واحد، وهذا الغلاف محدد وفق مصالح إسرائيلية صرفة، ولهذا نعيش ضمن نطاق أسعار متقاربة مع فوارق هائلة في مستوى الأجور بين الطرفين".

يشار إلى متوسط الأجر في "إسرائيل" وصل إلى 12٬379 شيقلًا (3300 دولار) مع نهاية كانون ثان/ يناير الماضي، أي أن متوسط دخل الإسرائيليّ أكثر من متوسط دخل الفلسطيني بنحو خمسة أضعاف ونصف الضعف.ولتقريب الصورة فإن الإسرائيلي لديه خمسة دولارات ونصف الدولار للإنفاق على سلع وخدمات متشابهة مع الفلسطينيين بفعل سياسات ضريبية موحدة، بينما لا يملك الفلسطيني سوى دولار واحد فقط للإنفاق على السلع والخدمات نفسها التي يشتريها الإسرائيلي.

بكر اشتية: السياسات الضريبية أسهمت في رفع الأسعار وأرهقت جيوب الفلسطينيين، وحددت معالم اقتصاد ظلّ تابعًا للاقتصاد الإسرائيلي مع فارق كبير في مستويات الأجور

ويضيف اشتية: الفلسطينيون يعتمدون لتوفير أغلب احتياجاتهم على الاستيراد، ولهذا فإن السياسات الضريبية القائمة أسهمت في رفع الأسعار وأرهقت جيوبهم، وحددت معالم اقتصاد ظلّ تابعًا للاقتصاد الإسرائيلي مع فارق كبير في مستويات الأجور بين "إسرائيل" ومناطق السلطة الفلسطينية.

وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغت نسبة غلاء المعيشة في فلسطين منذ العام 1996 وحتى العام 2023 حوالي 126 في المئة، أي بزيادة مقدارها 1,261 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري. وإذا ما حسبت منذ العام 2004 فقد بلغت حوالي 60 في المئة، أي بزيادة مقدارها 602 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري. فيما تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة التآكل في الأجور والرواتب قد بلغت حوالي 45 في المئة منذ العام 2008 وحتى 2023 بسبب ارتفاعات الأسعار المتتالية خلال السنوات الماضية.

 يذكر أن 80 في المئة من إيرادات السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها، إيرادات ضريبية  قبل أن تزيد النسبة إلى أكثر من 90 في المئة مع تقليص الدول المانحة لمساعداتها المالية من مليار دولار سنويًا إلى أقل من 200 مليون دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة.