28-يونيو-2017

عروس ترفع يدها المُزيّنة بالحناء والزهور، خلال زفاف تقليديّ في بيرزيت 2007. تصوير: عباس مومني

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1872، رفضت عروس استكمال إجراءات زفافها إلّا بعد حصولها على مهرها، وعندما لجأ العريس للمحكمة تبيّن أنه دفع 1500 قرش لوالدها من مهرها، وبقي في ذمته مبلغ 2000 قرش هي بقية المهر، وعندما أثبتت العروس أنها لم تقبض مهرها، فقد حكم القاضي لها بأن "تُسلّم نفسها" له بعد قبضها مهرها.

هذه القضية كانت واحدة من قضايا كثيرة سُجّلت في المحاكم العثمانية، وتتمحور جميعها حول المهر الذي كان حينها، كما من قبلها، وحتى الآن، أحد العناصر الأساسيّة لإتمام الزواج، مثل ما كان أحد نقاط الخلاف في كثيرٍ منها، وهو ما نشرحه لكم في هذا المقال:

في فلسطين كان المهر يُدفع نقدًا، أو عينيًا، أو مختلطًا، فقد يكون قمحًا أو شعيرًا أو قطعة أرض أو مبلغًا ماليًا

تم تحديد مبلغ المهر في منطقة وسط فلسطين قبل حوالي 150 عامًا بالعملة السائدة آنذاك وهي القرش بكافة مسمياته؛ الأسدي والعثماني والسلطاني والتركي، في الحالات التي كان المهر يُدفع فيها بالنقد، وقد تراوح متوسط مبلغ المهر آنذاك ما بين (2000 – 4500) قرش للفتاة البِكر (لم يسبق أن تزوجت)، فيما تراوح مهر الثيب (سبق لها الزواج)  ما بين (1000 – 1500) قرش، تبعًا للوضع الاقتصادي والاجتماعي للعوائل. وحتى ندرك مدى قيمة المبلغ آنذاك، يكفي أن نعرف أن مستوى المعيشة تراوح ما بين (1.5 – 3) قروش مصروف يومي للأسرة المتوسطة.

اقرأ/ي أيضًا: أعطيتك ابنتي.. هكذا كانت تزوج الفتيات في فلسطين

وفي حالات كثيرة، ونظرًا لقلة النقد بين أيدي الناس، فقد دُفع المهر عينيًا أو مختلطًا. فمثلا؛ في العام 1882 دفع عريس لعروسه (21) جرة زيت بدل المهر، وفي العام 1887 دفع عريس المهر على شكل قمح وشعير مع تحديد قيمتها بالنقد، وأكمل الباقي نقدًا. وفي العام 1890 دُفع المهر على شكل ثور. وقد كان ثور البقر قوة عمل أساسية وركيزة اعتمد عليها الفلاح لحراثة أرضة مصدر عيشه آنذاك. وفي العام 1891 أخذت عروس مهرها حصة في بيت، وفي العام 1893 دفع عريس المهر على شكل حصص أراضي وأشجار زيتون.

تعبّر هذه الأمثلة ببساطة ودون ادّعاء عن مدى الارتباط بالأرض، لدرجة أنها مع محاصيلها وناتجها وحتى قوة العمل فيها - ثور البقر - جُعلت مهرًا للنساء، ولم يقلل ذلك من قيمة النساء شيئًا، بل انسجم مع ثقافة ذلك العهد، كما أنه الحل الأمثل لقلة النقد بين أيدي الأكثرية آنذاك، وعبرت كذلك عن حق ثابت للمرأة لم يتنازل المجتمع عنه بأي حالة، وإن كان هذا الحق مجزوء.

تعامل أفراد المجتمع بجدية فيما يتعلق بالمهر، من حيث ضرورة تحديد المبلغ وقت الخِطبة بغض النظر عن كونه عينيًا أو نقديًا، وتحديد المعجل والمؤجل، وأحيانًا تُرك تحديد مبلغ المهر حتى موعد عقد النكاح.

ورغم هذه الجدية فقد غُبنت كثير من النساء في مهرها. فمثلا؛ كان وليها يقبض المهر المعجل أو جزءًا منه وقت العِطية وغالبًا دون علم الفتاة، أو يقبضه حين "بلوغ الفتاة" وزفافها، وهو أمر قاد لخلافات لم تُحسم إلا في المحكمة.

في العام 1882 لجأ عريس للمحكمة يدعي على مخطوبته التي عُقد نكاحها على رجل آخر، وطالبها بفسخ عقد النكاح والانصياع له. وتفصيل القصة أنه خطبها من والدها في العام 1870 على مهر 3500 قرشًا دفعها لوالدها حينذاك دون علمها، ثم مات والدها، فخطبها وتزوجها رجل آخر بعد 12 سنة ودفع لها مهرًا بقيمة 3500 قرشًا ودخل بها، وفيما عجز العريس عن تقديم بينة، فقد أثبتت المرأة دعواها فحكم القاضي بصحة زواجها الثاني.

سجلت المحاكم العثمانية في فلسطين قضايا  أُكل فيها حق العرائس في مهورهن من قبل عوائلهن، وأنصف القضاة في كثير منها العرائس

وفي العام 1887 لجأت مطلقة للمحكمة مطالبة ببقية مهرها المعجل من طليقها الذي طلقها قبل ثلاث سنوات، ورغم أن طليقها أنكر دعواها، إلا أن القاضي حكم لها ببقية مهرها البالغ 300 قرش. وفي العام 1908 لجأت زوجة للمحكمة بعد زواجها بسبعة أشهر، وطالبت زوجها بدفع بقية مهرها المعجل، وتبيّن أنه دفع المبلغ لوالدها ودون علمها، فألزمته المحكمة بدفع بقية المهر لها.

 يتضح من تحليل عشرات الدعاوى على غرار ما سبق، أن الفتاة حُرمت من مهرها أو جزء منه، في كثير من الحالات، وخاصة تلك التي زُوجت وهي قاصر، وظُلمت حين سُلب حقها بالرفض أو القبول. ورغم ذلك، فإن الفتاة كانت تقبض بقية مهرها "المعجّل" بعد فترة طويلة من عقد النكاح، ففي إحدى القضايا طالبت الزوجة ببقية مهرها من زوجها بعد 13 سنة زواج، وفي حالاتٍ قبضته عند الطلاق.

يقودنا ذلك لنظرة المجتمع للأنثى آنذاك، وهي نظرة تحتمل جانبين، أحدهما إيجابيٌ والآخر سلبي. فالإيجابي، وفقًا لثقافة ذلك العهد، يتمثل في "حرص المجتمع على الأنثى، وضرورة سترها مبكرًا من خلال تزويجها بعد البلوغ للاستفادة القصوى من فترة خصوبتها"، كما يعتقدون. أمّا السلبي، أنّ المجتمع في سبيل تحقيقه لهذا الحرص استباح أكل حق المرأة من خلال تزويجها دون اعتبار لرأيها، ثم بقبض مهرها أو جزء منه. على أننا يجب أن لا نقع بخطأ التعميم، فهناك دعاوى سجلت حصول المرأة على حقها بالرفض والقبول للزواج، وعلى حقها بقبض كامل مهرها.


اقرأ/ي أيضًا:     

"العيدية".. عادات تبهج العرائس وتكلف العرسان غاليا

أسماء العائلات الفلسطينية.. ما هو أصلها؟

في غزة.. محامون يزوجون قاصرات بعيدًا عن المحاكم