14-أكتوبر-2016

لا تزال ليلة هجوم قوة عسكرية إسرائيلية على نقطة للجيش الأردني في قرية حوسان غربي بيت لحم عام 1956، ماثلة في ذهن الحاج أحمد خليل العبيدي الذي كان حينها جنديًا في تلك السرية.

بعيونه الذابلة ووجهه الذي رسم الزمان عليه خطوطه، وثوبه الرمادي القديم، يروي الحاج أحمد الذي ناهز عمره الثمانين عامًا، كيف اقتحم مئات الجنود الإسرائيليين خط الهدنة الفاصل بين النقطة العسكرية الإسرائيلية المسماه "الأبهر" والنقطة الأردنية على أراضي قرية حوسان ليلة الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر عام 56 من القرن الماضي.

أحد الجنود ويدعى أبو خليل قام من مكانه ليرحِّب بهم معتقدًا أنهم زملاءه في الجيش، فبدأوا إطلاق النار عليه، ليستشهد على الفور

تسرح بخيالك إلى تلك الليلة قبل ستين عامًا، والحاج أبو أحمد يتحدث عنها وكأنها جرت بالأمس، فيقول: "سبق الهجوم صوت طائرة صغيرة كنوع من الاستطلاع جعل قائد السرية "صيّاح باشا" -أردني من عشيرة بني صخر- يصدر أوامره للجنود بهدم خيام المعسكر وإزالتها لتشتيت الطائرة، ففعلنا، ساد الهدوء لفترة وجيزة".

يحمل كوب الشاي ويرتشف رشفة منه ثم يواصل الحديث: "سمعنا وقع أقدامهم على الحصى في أسفل الوادي بالمئات بين نقطة المراقبة التابعة للحرس الوطني وبين المعسكر، كانوا يلبسون لباسًا يشبه الجيش الأردني، إلا أن ملامحهم ليست كذلك، أحد الجنود ويدعى أبو خليل قام من مكانه ليرحِّب بهم معتقدًا أنهم زملاءه في الجيش، فبدأوا إطلاق النار عليه، ليستشهد على الفور".

ليس سهلًا عليه أن ينسى تلك المشاهد بعد هذه السنوات الـ60، وهو يروي كيف اشتبكت تلك القوة بعد انكشاف أمرها، معهم لساعات أدت لاستشهاد أحد عشر فردًا جُلّهم من بلدة العبيدية، "وقتلنا منهم عددًا آخر، وكان من بيننا مجند يدعى باسيل الساحوري نسبة لبلده بيت ساحور، حيث استشهد قتلًا بالسلاح الأبيض عندما باغته جنود الاحتلال فانهالوا عليه بالسكاكين المثبتة على أفواه البنادق".

أيقن الحاج أحمد ورفاقه بالهلاك فقرروا الانسحاب في جنح الليل لحظيرة تتبع للحرس الوطني الأردني في قرية وادي فوكين المجاورة، "وما إن وصلنا بعد وقت قصير حتى بدأ حرّاس الحظيرة يطلقون النار صوبنا ظنًا منهم أننا من القوة الإسرائيلية المهاجمة، فكدنا نُقتل برصاص زملائنا بعد أن نجونا من رصاص عدونا".

لحقت بهم القوة المعتدية إلى وادي فوكين فنسفت مدرسة القرية وقتلت عددًا من أهلها، فانسحب عدد من العناصر ومن بينهم الحاج أحمد على الشارع الرابط بين الخليل والقدس، ليصادفوا حافلة فلسطينية، سرعان ما استقلوها في طريقهم إلى القدس.

مظهرهم الرثّ وآثار الدماء على ملابسهم وأسلحتهم وذخيرتهم، أثارت الرعب في قلوب النساء.. "إهدن يا نسوان .. تخافنش إحنا من الحرس الوطني"، تلك الجملة التي أعادت إحداهن في آخر لحظة ومنعتها من أن تلقي بنفسها من النافذة.

ما إن أشرقت شمس اليوم التالي حتى أصبحت الصورة جلية، أخذوا يحصون جثامين الشهداء الملقاة في كل مكان قرب المعسكر بعد عودتهم من القدس، أحد عشر شهيدًا أسلموا الروح وهم ممسكون بأسلحتهم وأيديهم على الزناد، وقد آثر الحاج أحمد حبس دموعه ولحظاتٍ ومشاعر اختلجت في صدره في تلك الليلة.

اقرأ/ي أيضًا: 

هكذا أتذكر الأستاذ نزيه

خطف الرصاص والدته وشقيقه وأشياء أخرى!

السيرة القسرية للمدينة الفلسطينية