23-أبريل-2024
كتيبة طولكرم

انتهت جولة قاسية بين المقاومة الفلسطينية في مخيم نور شمس وجيش الاحتلال الإسرائيلي، استمرت ثلاثة أيام، استشهد على إثرها 14 فلسطينيًا، وأصيب 9 جنود بجراح باعتراف الجيش. يقول قائد كتيبة طولكرم/ سرايا القدس "أبو شجاع" الذي نجا من الاغتيال بأعجوبة، إنّ "الحساب لم يغلق". فيما يتوعّد جيش الاحتلال المقاومين بجولة أخرى لا تقل دموية وتدميرًا.

وقال أبو شجاع خلال تشييعه شهداء مخيم نور شمس، الأحد الماضي: "نحن على درب الشهداء حتى النصر"، وأضاف متحديًا الاحتلال: "نتحداهم أن ينشروا ما حدث مع جنودهم في حارة العيادة وحارة المنشية".

وباتت كتيبة طولكرم - مخيم نور شمس التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، المجموعة المسلّحة الأبرز في الضفة الغربية خلال الأشهر الماضية، لا سيما منذ بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، لما كان لها من تأثير على ساحة المقاومة في مناطق شمال الضفة الغربية، خصوصًا في تنفيذ عمليات استهداف آليات الاحتلال خلال الاقتحامات العسكرية للمخيم.

وتأسست كتيبة طولكرم في آذار/ مارس 2022 على يد أحد قادة سرايا القدس في المخيم، الشهيد سيف أبو لبدة الذي كان على تواصلٍ مباشر مع قيادة السرايا في مخيم جنين، حيث كانت النواة الأولى في تشكيل الكتائب المسلّحة للجهاد الإسلامي بعد استشهاد الرعيل المؤسس لكتيبة جنين، وأبرزهم "جميل العموري، وعبد الله الحصري، نعيم الزبيدي، محمد أيمن السعدي"، ولاحقًا ارتقى أبو لبدة في الثاني من نيسان/ ابريل 2022 خلال اشتباك مع قوات الاحتلال قرب بلدة عرّابة (جنين)، واستلم من بعده محمد جابر "أبو شجاع" قيادة كتيبة طولكرم في مخيم نور شمس.

"أبو شجاع" قائد كتيبة نور شمس، ظهر أثناء تشييع الشهداء بعد شائعات عن استشهاده (صورة: هشام أبو شقرة)
"أبو شجاع" قائد كتيبة نور شمس، ظهر أثناء تشييع الشهداء بعد شائعات عن استشهاده (صورة: هشام أبو شقرة)

ورغم كل العمليات العسكرية والاغتيالات الإسرائيلية في صفوف المقاومين، إلا أنّ أعداد المقاومين في مخيمي نور شمس وطولكرم، تشهد زيادة ملحوظة، وبهذا تشكلت كتيبتين من المقاومين، جميعهم تحت اسم"سرايا القدس – كتيبة طولكرم".

وعملت كتيبة مخيم نور شمس، وفق أحد المقرّبين منها خلال حديثه مع "الترا فلسطين"، على تحديد استراتيجية واضحة في مواجهة جيش الاحتلال قائمة على مبدأ "الاستنزاف" والمواجهة التكتيكية، بمعنى تشكيل عملٍ منظم ووحدات متخصصة خلال المواجهة، ومن أهم هذه الوحدات: "وحدة الهندسة المسؤولة عن تصنيع العبوات وتحديد أماكن زرعها، ووحدة المتفجّرات المسؤولة عن زرع العبوات، ووحدة الرصد الميداني المعنية بمتابعة تحركات جيش الاحتلال وأماكن الاقتحام المتوقعة، إضافة لوحدة المواجهة التي تستعد للاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال في أي اقتحام". 

ويقول المصدر إن نهج الكتيبة يعتمد على سياسة "الكمائن"؛ أي إيقاع جنود الاحتلال في كمائن معدّة مسبقًا، مثل الاستدراج لمربع معين واستهدافهم بالرصاص، وغالبًا عبر الاستدراج لنقطة تزرع فيها عبوة ناسفة مجهزة للتفجير، وتحمل اسم عبوة "شمس" على اسم المخيم. 

وتعتبر سياسة استخدام العبوات طريقة تدفع فيها الكتيبة خسائر بشرية ومادية من الرصاص والعتاد، أقل منها في المواجهة المباشرة، وفي الجانب الآخر تُحقق الخسائر في صفوف جيش الاحتلال. 

وكانت مقاطع فيديو مصورة قد أظهرت استهداف آليات الاحتلال في العبوات الناسفة خلال كل اقتحام يجري بحق مخيم نور شمس، حيث اقتحم الاحتلال المخيم منذ مطلع العام حتى الآن نحو 8 مرّات، وفي كل مواجهة تفجّر العبوات في قوات الجيش، كان أبرزها العملية التي وقعت في 19 تشرين أول/أكتوبر الماضي، وأدت إلى مقتل جندي إسرائيلي من وحدة المستعربين وإصابة 9 جنود آخرين، ونشرت حينها صورة توثّق آثار الدماء للجنود المصابين في أزقة المخيم. 

ويشير المصدر إلى أن قرب المسافة بين مخيمي طولكرم ونور شمس، جعل التواصل أسهل بين عناصر الكتائب المسلّحة من أبناء سرايا القدس وكتائب القسام وكتيبة الرد السريع التابعة لكتائب شهداء الأقصى (التي صدر قرارًا بحلّها على يد الرئيس محمود عباس عام 2007)، بالإضافة إلى وجود خطوط إمداد ودعم من مناطق شمال الضفة المحيطة في طولكرم، ما من شأنه أن يغذّي طابع الاستمرارية في العمل المقاوم.

وأعلنت الكتيبة عبر صفحتها "سرايا القدس - كتيبة طولكرم" على "تيليجرام" عن تنفيذ العديد من العمليات النوعية في استهداف آليات الاحتلال خلال الاقتحامات، والاشتباكات المسلّحة، واستهداف البؤر الاستيطانية مثل بيت حيفر قضاء طولكرم، وحاجز "تسناعوز" غرب طولكرم، لكن أبرز عملياتها التي أعلنت عنها ولم يتحدث عنها الاحتلال الإسرائيلي، هي عملية، وقعت في 24 من الشهر الماضي، استهدفت فيها مركبة ضابط إسرائيلي أدت لمقتله، وإصابة 3 آخرين قرب بوابة دير الغصون شمال طولكرم. 

"كلما استشهد مقاتل من الكتيبة حلّ مكانه مقاتل جديد"

بدوره، يوضح الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي، محمد الحاج موسى خلال حديث مع "الترا فلسطين" أن عمل كتيبة نور شمس، منظّم وفق هيكلية واضحة لقيادتها، وهناك تنسيق عالٍ بين عناصر الكتيبة وقيادة سرايا القدس في مختلف الساحات، إضافة إلى تنسيق مشترك مع كتائب المقاومة من مختلف الفصائل. 

وأشار الحاج موسى إلى أن حركته لم تحدد سقفًا لدعم المقاتلين في الضفة، قائلًا: "نعمل على مدار الوقت على توسيع الإمكانيات لدى كتيبة نور شمس والكتائب الأخرى، ولا يوجد سقف محدود للدعم، بل نسعى لتأمين أكبر قدر ممكن من السلاح والمساعدات لاستمرار الخط المقاوم، مع إعطاء مساحة للقيادة الميدانية للكتيبة في اتخاذ القرار عند تنفيذ أعمال المقاومة". 

ورغم استشهاد أكثر من 30 مقاتلًا من عناصر كتيبة سرايا القدس في مخيمي طولكرم ونور شمس منذ بدء معركة طوفان الأقصى، إلا أن الناطق باسم الجهاد الإسلامي يؤكد أن أي مقاتلٍ استشهد خلال الاشتباك مع قوات الاحتلال، حلّ مكانه مقاتل استشهادي آخر، وذلك دلالة على أن الكتيبة في حالة تطور بالأداء وتنامي التأييد الشعبي، ومن جانب آخر فإن ذلك يؤكد على فشل سياسة "جز العشب" التي يعتمدها الاحتلال في إخماد أي عمل مقاوم قبل تصاعده.

وبحسب الحاج موسى، فإن كتيبة نور شمس ترفع شعارًا عنوانه "قاتل وكن صادقًا ودافع عن شعبك، وسترى كيف أن الشعب خلفك ويحميك"، وظهر ذلك واضحًا في تشييع 14 شهيدًا، حين رفع المشيّعون قائد الكتيبة "أبو شجاع" والذي لم تفلح محاولات التشويه والتشهير التي مورست بحقّه من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية. 

ملاحقة الأجهزة الأمنية لعناصر كتيبة طولرم يعتبر من أبرز المعيقات التي يتعرض لها أفرادها

واعتبر الناطق باسم الجهاد الإسلامي أن أبرز المعيقات التي تواجه عمل الكتيبة، هو ملاحقة الأجهزة الأمنية لعناصرها واعتقالهم. ويقول: "أبناء الكتيبة ليسوا من كوكب المريخ، بل هم أبناء المخيم والأحرص عليه، ونحن لا نناشد السلطة لأننا سئمنا من عدم استجابتهم، ولكن على الأقل عليهم أن يتركوا الميدان للشعب، وعلى العائلات أن تخرج للمظاهرات والمسيرات وتشكّل غطاءً للمقاومين، ولكن السلطة للأسف لا تقاوم رغم وجود آلاف قطع السلاح لديها، ولا تريد للكتيبة أن تقاوم بل تحاربها بسلاحها الذي يخدم التنسيق الأمني".

الشهيد معتصم العارف
الشهيد معتصم العارف

وكانت صفحات تتبع لحركة فتح والأجهزة الأمنية الفلسطينية، عبر مواقع التواصل ومجموعات الواتساب والتيليجرام، قد مارست حملات تشويه بحق الكتيبة وقائدها أبو شجاع، فيما تعرّض الأخير إلى عدة محاولات اعتقال كان آخرها يوم 31 من الشهر الماضي، حين أصيب بشظايا خلال فراره من عناصر الأجهزة الأمنية، فيما قُتل رفيقه المقاوم معتصم العارف، ليرد أبو شجاع بعد انتهاء العملية العسكرية في مخيم نور شمس: "لن تنجحوا باغتيالي معنويًا ولا نفسيًا... ما دام الرب معنا صعب أن نهزم".