انتقاداتٌ لاذعةٌ وُجّهت إلى الحكومة البولندية في خريف 2017، عندما طالبت مواطنيها بـ"التناسل كالأرانب" لمواجهة ما قالت إنه تدنٍ في معدلات الإنجاب؛ لكنّ تلك الحالة تختلف من حيث الهدف إذا ما قورنت بالحالة الفلسطينية في تبنّي تلك "الاستراتيجية"، بعد أن رأت الأمّهات أن "كثرة العرب" لم تُفلح بمنع حدوث "النكبة" عام 1948.
تبنى الفلسطينيون، "غزارة الإنجاب" لتحرير الأرض السليبة على أمل أن تلعب الديموغرافيا عامل حسمٍ للصراع مع إسرائيل
فقد تبنى الفلسطينيون "سلاح دمارٍ شامل" بحسب ما يصفه الكاتب كمال نصّار في مقاله: "ثوابت الفلسطيني المقدسّة"، عبر "غزارة الإنجاب" لتحرير الأرض السليبة وإثبات الهويّة الفلسطينية، على أمل أن تلعب الديموغرافيا عامل حسمٍ لذلك الصراع الطويل مع إسرائيل.
اقرأ/ي أيضًا: عن قتلة العريس في يوم دخلته
ولهذه "الثقافة الإنجابية" سجلٌ طويل من الموروث الشعبي والخرافات والسحر والشعوذة الذي تغنّى بكثرة النسل، وهذا ما جاء في موسوعة "الإنجاب والطفولة في المجتمع الفلسطيني" للمؤلف شريف كناعنة؛ إذ نقل مأثوراتٍ قديمة للأمهات الفلسطينيات مثل: "الدار اللّي فيهاش صغار بْتِنعبرش، والدار بلا صغار لليش هي؟، والولد إن حكا كلمة غريبة أهله بنبسطوله، والواحد لو معاه مصاري بخلينِش يظحك مثل ما بخلّيه الولد يظحك".
وبدءًا باختيار الأم زوجة ابنها والتأكد من قدرتها على الإنجاب أولاً، يأتي المال والأخلاق والحسب والنسب ثانيًا، فقد كانت نساء القرية يُرشّحن فتاة ووصف أمها وأخواتها استئناسًا كالقول: "فلانة إمها بكت (كانت) تحمل من الأربعين"، أو "فلانة شجرتها تمّورة هات نوخذلك بنتها"، أو "فلانة بكت تجيب كل توم مع بعض"، أو "فلانة حبّة رمان بتعمّر بيتت جوزها"، وكلما كانت العروس أصغر سنًا كلما كان ذلك أضمن للخصوبة ويُقال فيها: "يا ميخذين الصغار يا غالين التجار".
إلا أن الموروث الشعبي القديم كان غنيّا بالمعتقدات والممارسات "السحر التماثلي" لعرقلة ذلك السلاح الاستراتيجي؛ ومن ذلك: إذا أراد أحدهم التأثير على قدرة العريس الجنسية فعليه أن يعقد خيطًا، فذلك يربط العريس ولا يقدر على إتيان زوجته، أو إلزام العروس بالخروج من دار أهلها "مْرَشْفَلَة"، أي دون أن تلبس حزامًا على خصرها حتى "يحرمها الله الأولاد".
وقالوا: "العروس مش لازم تِطرق طرف الشلحة، يعني حيا الله شغلة من ملابسها عشان تنسل"، و"السحر" هنا في التماثل بين تناسل خيوط الملابس وتناسل المرأة، فإذا سهل أمر تناسل الخيوط بعدم خياطة أطراف الثوب ساعد ذلك في تناسل صاحبته، وفق الاعتقاد السائد.
وأكثر ما تخشاه العروس وأمها وزوجها هي "الكبسة". وهي أن تدخل امرأة في عادتها الشهرية أو نفساء على العروس فـ"تكبسها"، فقالوا: "اللّي عليها نجاسة إذا عبرت على العروس وهيّ مصمودة أو ثاني يوم من عرسها بْتِحْبلشْ! هو في أعطل من النجاسة؟". ويُمكن أن "تُكبس" العروس إذا دخلت عليها سِلفتها أو ضُرّتها وهي "مصمودة"، حينها ستُجهض حملها وإن حملت فسيمرض رضيعها أو يموت.
كان الفلسطينيون يعتقدون أن العروس إذا دخلت عليها امرأةٌ في دورتها الشهرية أو نفساء كان ذلك سببًا في منعها من الحمل
لكن ثمن علاج داء "الكبسة" باهظ جدًا لمُفتعِلته، ويتلخص في أن تجمع إحدى نساء القرية بول "الكابسة" و"المكبوسة" سويًا في إناء معدني وتنثر محتواه على سبعة مفارق طرق في أنحاء القرية، فإذا ما تم فإن "المكبوسة" ستفرح قريبًا بمولودها الأول، فيمَ سينقطع نسل الآثمة إلى الأبد.
اقرأ/ي أيضًا: "أعطيتك ابنتي".. هكذا كانت تزوج الفتيات
تلك التحذيرات التي أطلقتها الجدّات والأمهات لم تغفل عن "دم الفَلاَح" أيضًا باعتباره يُذهب الحمل. حيث ذكرنَ في أساطيرهنّ: "العروس في صباحيتها لازم تِطلع من الباب وتُعبر قبل ما حدا يِعبُر عليها، فأي حدا من النسوان اللي بدهنْ يِعبرنْ عليها يِكبِسنْها، فـ مش مليح الكبسة على دم الفَلاَح"، والفَلاَح هو دم ما بعد فقدان البكارة.
وللعريس في أساطير الإنجاب نصيب؛ فعائلته تنتظر إثبات رُجولته ويُعرّضونه لضغوطٍ اجتماعية لا يُفلت منها، فنجد أصدقاءه وأبناء عمومته يقولون له: "شِد حيلك، مِش تِخزينا وما تِنْفعش، الليلة ليلتك". وحتى أمّه لن تُخلي سبيله إلا بإسماعه آخر زغاريدها بغناء:
آيِيه خُذها يا محمود خّذها
آيِيه ريتك من الكاسْبين
آيِيه إن شا الله تفرح وتِتهنّا
آيِيه وتملى الدار بنين
ثم يخرج إليهم حاملاً منديلاً مسبغًا بدماء "الفَلّاح"، لينطلق أزيز رصاص بنادقهم ابتهاجًا برجولة عريسهم.
فإذا دخل عريسهم سرعان ما تسأل نساء القرية إن كانت قد بدأت أحشاء عروسه بالحركة إيذانًا بتثبيت الحمل. لكن الويل كلّ الويل إذا تأخر الحمل، فقلنّ: "ما هُو الله بِبحَرْ على وجه العبد وبَعطيه، ع قد نيّاتكم تُرزقون" وقد يُنشدنَ:
ريت مثلك عشرين للصدقة والمحبين
ريت مثلك عشرة وأزفهم تحت الشجرة
ريت مثلك ميّة وأصمدهم في العِلَيّة
الخرا عَ أهل الخرا والعدوّة لا تشوف ولا ترى
تأخر الحمل هذا وفق الموروث الشعبي المحليّ مرتبطٌ بـ"العُوقة"، ويعزونه إلى أسبابٍ جسمانية بالقول إن "المُوّلَدة طريّة" أي صغيرة في السن، أو "مِلْتاحة" أو "معها رخاوة" أو "برودة"، أو الزعم بأن ظهرها "مفتوح" والأخير منسوبٌ إلى السحر والقرينة أو "الكبسة".
وليس آخرًا، "احذرنّ من الأخت"، وهي كما يعتقدون "قرينة جنَيَة" في العالم الغيبي، وقد تكون خيّرةً أو شريرة. وقيل إن تلك "الأخت الجنيّة" شديدة الغيرة من أختها الإنسيّة (العروس) إذا لبست الذهب أو كحّلت عينيها أو ارتدت فستانًا فتّانًا، وقد تنفلت غيرتها وتجرؤ على قتل جنين الإنسيّة التي تراها الأخيرة في منامها تخنقها دائمًا أو تعترضها في يقظتها باللاوعي.
وبحسب إحدى الوصفات الشعبية، فإن "شبح الأخت" لا يزول إلا بتناول الأم دجاجة ذات ريشٍ أحمر خالص لا يُخالطه ريش أبيض مطلقًا، فإذا فرغت من أكلها فإنها تدفن عظام الدجاجة في التراب.
اقرأ/ي أيضًا:
العرس الفلسطيني: ماذا عن كسوة العروس؟